خاص – أفين علو / الحسكة
ينهش “تدني الأجور” حياة العاملين والموظفين السوريين، وتنعكس أثاره سلباً على جوانب الحياة، فيحوّل الإنسان إلى فريسة لليأس والعجز والاستسلام، نتيجة تشتّت أفكاره لعدم قدرته على إداء واجباته ومسؤولياته تجاه أسرته. فهذا سلمان محمود، مثلاً، العامل في القطاع العام بمدينة قامشلو، يردّ العنف الذي يمارسه العامل أحياناً على أفراد أسرته “إلى هذا الشعور بالعجز أحياناً”.
ويضيف لـ”963+”: “كثرة الطلبات المنزلية، وضغوط العمل، يؤدي إلى اهمال العامل أسرته وبالتالي تفككها، وانحراف أفرادها أحياناً، بإدمان على الكحول أو المخدرات”، مذكراً بأن العمل حقّ، والحياة الكريمة حقّ. فقد جاء في البند الأول من المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل شخص حقّ في العمل، وحرية اختيار العمل، في شروط عمل عادلة ومرضية، وحقّ الحماية من البطالة”.
لكن، الواقع غير ذلك تماماً. فالعامل في القطاعين الخاص والعام في سوريا يسعى إلى إيجاد وظيفة “تمكنه من أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة، وهذا حقّ منصوص عليه في المواثيق الدولية”، كما يقول المحامي رياض عبد العزيز، مضيفاً لـ”963+”: “في سوريا، هناك القانون رقم (17) لعام 2010 المتعلق بالعمالة الخاصة تتضمن العديد من مواده حماية حقوق العمال، لكن الحرب أدخلت البلد وعماله كلهم في ضيق اقتصادي خانق”.
لكن للخبير الاقتصادي مهيب صالحة رأي آخر. يقول لـ”963+”: “ليس من مهمات قانون العمل إيجاد فرص العمل، بل هذه وظيفة الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار وتحفيز الإنتاج، وهذه مهمة قانون الاستثمار وقانون الضرائب وسياسات الدولة الاقتصادية”.
تقول شهناز محمود (54 عاماً)، المعلمة في مدينة الحسكة، لـ”963+”: “لم تعد الرواتب تنصفنا”، فيما يقول إحسان محمد، الموظف في مكتبة خاصة بالعاصمة السورية دمشق، لـ”963+”: “يجب أن نتقاضى راتباً جيداً لنعيش حياة كريمة، ويجب أن يتناسب الراتب مع الوضع الأسري، ويجب أن نتمتع بضمان طبابة وتأمين صحي حقيقي، ويجب أن يكون الراتب متناسباً مع الخبرة العملية، ويجب… ويجب… لكن النظرية شيء والتطبيق شيء آخر”، وهو كان شاهداً على حالات خلاف كثيرة بين العامل ورب العامل، انتهت بترك العامل عمله من دون أي تعويض، “فلا تأمينات، وما لا يضمن حقّي عندما أترك عملي”، كما يضيف، علماً أن عدد المستقيلين من العمل في القطاع الخاص السوري يصل إلى 900 ألف عامل، وفقاً لمصادر حكومية رسمية.
حقوق مشروعة!
في سوريا قانون للعاملين في الدولة وقانون للعمل يحكم العلاقة بين مؤسسات القطاع الخاص ومنسوبيها. وقانون العمل، بحسب المحامي عبد العزيز، “تشريع ناظم للرابطة العقدية بين طرفين رب العمل، سواء كان دولة أم قطاعاً خاصاً، وبين العامل سواء كان موظفاً أم مجرد عامل، والغرض من تنظيم هذه العلاقة هو استقرارها وتنظيمها”.
بحسبه، لا تأثير اقتصادياً لقانون العمل، “فالوضع الاقتصادي هو ما يفرض شروطه على طبيعة علاقات العمل في المجتمع”، كما يلاحظ صالحة، مضيفاً: “صارت معدلات الأجور في القطاع الخاص أضعافها في القطاع العام، وانتشر الفساد والتسيّب بين العاملين في الدولة نتيجة ذلك، وعليه تدنى مستوى الكفاءة في الدولة”.
والقانون لا يحدد معدلات الأجور، إنما يحدد الحد الأدنى للأجور، ويلزم أرباب العمل به. والأجور في اقتصادات السوق تتحدّد بتكلفة المعيشة، أي بإنشاء توازن بين معدلات الأجور ومعدلات التضخم وعوامل أخرى، كالكفاءة والفاعلية والأداء والجدارة والإنتاجية.
تقول رؤى يعقوب (27 عاماً) من دمشق، والتي تعمل في القطاع الخاص لـ”963+”: “قانون العمل لا يمنح المواطنين الحق في العمل، وهذا حقّ دستوري لكنه منوط بالظروف الاقتصادية وفرص العمل والنمو الاقتصادي، فأنا مندوبة أدوية وهناك تأمينات وحوافز ومنح تمنحها الشركة”.
وبحسبها، الراتب في القطاع الخاص أفضل منه في القطاع العام، “وحين يكون هناك ضمان وحقّ مشروع، سترغب أغلبية الناس في الالتحاق بهذا القطاع”. وتبتسم المدرسة أسماء إبراهيم (47 عاماً)، المقيمة في مدينة الدرباسية، قائلةً لـ”963+”: “بعدما وضعت ولداً، كان من حقي أن أستفيد من إجازة أمومة تمتد 3 أشهر، ثم اضطررت بعدها لتمديد الإجازة شهراً، وفوجئت في آخر الشهر بعدم حصولي على أي راتب”.
وبناء على المادة (121) من قانون العمل السوري، يحق للعاملة إجازة أمومة بعد الولادة مدتها ثلاثة أشهر وبكامل الأجر، كما يجوز لها إجازة أمومة إضافية بدون أجر.
آمال ومقترحات
كان في سوريا قانون موحد، “وبموجبه يتقاضى كل شخص راتباً بحسب مؤهلاته. فمثلاً، الفئة الخامسة لطلاب الصف السادس، والثالثة لطلاب الصف التاسع، والثانية لطلاب البكالوريا، والفئة الأولى لطلبة الجامعة”، كما يقول عبد العزيز، “والآن في نظام ’الإدارة الذاتية‘ لمناطق شمال وشرق سوريا، القانون موجود لكنه لا يُطبّق. فعلى سبيل المثال، يحصل خريجو الجامعات وطلاب الصف السادس على الراتب نفسه”.
وفي المناطق التي تحكمها “الإدارة الذاتية”، تسجّل بين 35 و40 الفاً من العمال لعام 2023 – 2024 في اتحاد “الكادحين” الشبه الحكومي لشمال وشرق سوريا، الذي تأسس عام 2015، ويصل هذا العدد إلى 70 ألفاً خلال موسم الحصاد.
تعليقاً على ذلك، يقول المرشد الاجتماعي نصار سليمان حسين لـ”963+”: “لا مساواة في ذلك، وهذا يؤثر سلباً في علاقات الأسرة الاجتماعية”، مضيفاً: “يجب أن يحصل كل عامل على حقوقه بحسب مؤهلاته، وإلا ستكون نظرة العامل إلى مستقبله في العمل سوداوية، فلا يشعر بالأمان الوظيفي والاجتماعي، ويستسلم لليأس”.
ويقول عبد العزيز: “للحفاظ على حقوق الموظف أو العامل، يجب تثقيف العمال وإبراز حقوقهم كاملة بتسجيلهم في التأمينات قبل البدء بأي عمل، مع التأكيد على ضرورية تنظيم عقود نظامية ومسجلة للعمل. بهذا، يضمن العامل حقوقه كاملة”.