خاص – دمشق
بدأت وزارة النقل في الحكومة السورية تغيير لوحات المركبات، وانطلقت أولى مراحل المشروع في محافظتي دمشق وريفها، على أن يستكمل في باقي المحافظات تدريجياً خلال ثلاث سنوات. وكانت الوزارة قد أعلنت عن نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي عن المشروع الذي سيطال التغيير فيه لوحات السيارات الخاصة أو العامة، وسيارات الإدخال المؤقت، والسيارات السياحية، والشاحنات الكبيرة، والصغيرة. في خطوة شكك بِها خبراء في الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بِها البِلاد واعتبروها “صفقة فساد”.
بداية القصة
بدأت القصة عندما طرحت الحكومة السورية مشروع تبديل اللوحات المرورية عام ٢٠١٠ بحجة أنها لم تعُد تلبي حاجات السوق السورية، بسبب ارتفاع عدد المركبات، وفقاً لما قاله راجح سريع، معاون وزير النقل السوري، في تصريح صحافي. وفي عام 2013، قُدم المشروع مجدداً. وفي عام 2019، صرحت الحكومة أنه سيبدأ تنفيذ هذا المشروع للأسباب نفسها، إلا أنه لم يجر تطبيقه حتى 1 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
ووصف المهندس سامي سليمان، وزير النقل الطرقي في وزارة النقل السورية، اللوحات الجديدة بأنها ستكون بمواصفات فنية عصرية وعلامات عالية للأمان والجودة، بشكل يراعي المعايير العالمية، وستكون مؤلفة من 7 أرقام، مع إلغاء اسم المحافظة.
فاللوحات المستخدمة حالياً، التي يعود إصدارها إلى عام 1996 وتحمل اسم المحافظة إضافة إلى 6 أرقام، كما تقول وزارة النقل، لم تعد تلبي التزايد الرقمي في كل محافظة، الأمر الذي أدى إلى تكرار الأرقام.
الخصخصة ورفد الخزينة
يوضح الخبير الاقتصادي خالد تركاوي أن الأسباب التي دفعت الحكومة السورية إلى تطبيق هذا القرار في الوقت الحالي “هو رفد ميزانية الدولة بملايين الليرات السورية، في مشروع بسيط يروج له على أنه مبتكر وفريد، علماً أن التذرع بتكرار الأرقام أمر يمكن تجاوزه.”
ويقول تركاوي لـ”963+”: “في العادة، تتسلم هذه المشاريع شركات مقربة من الحكومة السورية، كما كنا في السابق نشهد استيلاء شركات آل مخلوف على معظم القطاعات الحيوية، ومع العجز المالي الكبير الذي تعانيه الحكومة، فتحت الباب للشركات الخاصة المقربة منها للعمل في قطاعات مختلفة، ومنها مشاريع وزارة النقل، الأمر الذي سيؤدي لاحقاً إلى تراجع عدد العاملين في المؤسسات الحكومية، والانتقال إلى الشركات الخاصة التي تقدم رواتب أفضل.”
ويضيف: “بالنسبة إلى تكاليف الخدمات، فإن دخول الشركات الخاصة سيدفع بالقطاع الحكومي إلى رفع أسعاره لتحقيق الأرباح، كما حدث في المؤسسة السورية للتسويق، عندما بدأت تقترب من أسعار السوق، ما يعني أننا أمام توجه نحو الخصخصة”.
غير إلزامي لكن “إجبارية”
وفقاً لما حددت وزارة النقل في الحكومة السورية، تكلفة تغيير لوحات المركبات تبلغ 250 ألف ليرة سورية (17 دولاراً تقريباً)، ولن تكون إلزامية قبل تطبيقها في كل المحافظات، إلا أنها ستكون شرطاً لاستكمال بعض المعاملات، مثل تسجيل المركبة أول مرة، ومعاملة نقل الملكية، وإجراء معاملة تبديلات فنية، وتسوية وضع مركبة مسجلة، وتغيير فئة المركبة، وإعادة مركبة إلى السير وتثبيت خط سير مركبة استثمار، ومعاملات عقد تسوية وضع.
يصف أحمد جابر (اسم مستعار) من سكان بلدة صحنايا بريف دمشق إطلاق المشروع بأنه “كارثي مع تدهور الوضع المعيشي، بينما تلتفت وزارة النقل إلى مشاريع الرفاهية”، ولفت إلى أن السوريين لن يتبينوا الدافع إلى هذا المشروع قبل مرور سنة على انطلاقه، “لكن عدم إلزامية التطبيق أمر جيد، ونأمل أن يكشف سيارات التشبيح والسرقة، فتعود لأصحابها.”
ويتضمن العقد الموقع بين “الدروب الآمنة” ومؤسسة الخط الحديدي الحجازي إنتاج 6,7 ملايين لوحة على مدار 3 سنوات، وهي مدة المشروع، منها 700 ألف لوحة نصف مصنعة، وذلك للحاجة المستقبلية. وتصل قيمة العقد إلى نحو 29 مليون دولار.
كذلك، أعلنت وزارة النقل أنها ستفتح مزادتٍ لبيع أرقام اللوحات المميزة عبر المنصة الإلكترونية، ومتوقع أن يرفد هذا المشروع الخزينة السورية بنحو 50 مليون دولار، إذ يبلغ عدد السيارات المسجلة لدى الوزارة، والتي تخضع لمشروع تبديل اللوحات، 2,5 مليون سيارة.
للشركات المقربة من “السلطة” فقط
يزيد الوضع تعقيداً توجه الحكومة نحو خصخصة القطاعات الحيوية، وتسليم المشاريع لشركات خاصة قريبة من السلطة، كما هو الحال مع “الدروب الآمنة”، التي تأسست في عام 2022 وتديرها شخصيات نافذة مقربة من آل قاطرجي، أبرز رجال الأعمال المرتبطين بالحكومة السورية.
تشرف شركة “الدروب الآمنة”، التي يديرها ناصر أبو عساف، على مشروع تبديل اللوحات وفق ما أعلنت عنه وزارة النقل، من دون إضافة تفاصيل، علماً أن الوزارة أطلقت عملية استجرار العروض لهذا المشروع في عام 2019، أي قبل تأسيس تلك الشركة.
فقد تأسست “الدروب الآمنة” في عام 2022، برأسمال وقدره 500 مليون ليرة سورية، بموجب قرار رقم 1502، صادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. وتتولى هذه الشركة تجهيز مراكز صيانة وفحص المركبات الآلية على مختلف أنواعها، إضافة إلى تجارة قطع التبديل بكافة أنواعها.
تتبّع الصحافي الاقتصادي محمد كساح شبكة علاقات شركة “الدروب الآمنة”، فوجد أنها مقربة من آل قاطرجي. يقول لـ”963+”: “تعود إدارة الشركة إلى ناصر أبو عساف، بالشراكة مع حيدر أبي سليمان الذي يملك 40% من أسهمها، وهو صلة الوصل مع آل قاطرجي”.
وبحسب ما يقول كساح، يملك أبي سليمان علاقات تجارية وطيدة مع محمد شهيد عبد القادر قاطرجي، صاحب شركة الراسيات للآليات الثقيلة، ومحمد مضر قاطرجي، أحد شركاء شركة الراسيات، إضافة إلى نزار مضر قاطرجي، أحد مؤسسي شركة غرافل للمجبول البيتوني والإسمنت ومواد البناء، مشيراً إلى “أن الشركة تملك أصولاً تجارية خارج سوريا، وقيوداً مسجّلة تجارياً في الأراضي اللبنانية، وهذا أمر مهم باتت الحكومة السورية تعتمد عليه فيما يعرف بـ ” شركات الواجهة”، للتهرب من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.