خاص ـ إدلب
في ظل أوضاع معيشية صعبة وتوترات أمنية متصاعدة، اضطر العديد من مزارعي ريف إدلب في شمال غربي سوريا، إلى جني محصول الزيتون مبكراً هذا الموسم. على الرغم من أن الانتظار كان يمكن أن يزيد من الإنتاج وجودة الزيت، إلا أن الخوف من النزوح أو خسارة المحصول دفع الكثيرين للتصرف سريعاً.
بين نزوح وخسارة المحصول
علي المحمد، مزارع من بلدة النيرب شرقي إدلب، هو واحد من هؤلاء المزارعين. بعد أن أكمل جمع محصوله من الزيتون، كان علي يستعد للنزوح مع عائلته نحو الريف الشمالي.
يقول علي لموقع “963+”، إنه اضطر لقطاف المحصول مبكراً “خوفاً من تصعيد عسكري محتمل في المنطقة”.
ورغم أن الأمطار الخريفية كان من الممكن أن تزيد من كمية الزيت، إلا أن المخاطرة بالبقاء كانت كبيرة جداً. “خسارة بعض المحصول أفضل من خسارته كله”، قال علي بحسرة، مشيراً إلى أن محصوله “لم يدر سوى 17 كيلوغراماً من الزيت لكل 100 كيلوغرام من الزيتون، بينما في الظروف المثالية يمكن أن ينتج ما بين 25 إلى 30 كيلوغراماً”.
التوترات تدفع المزارعين إلى التبكير في جني الزيتون
مع تصاعد الأوضاع الأمنية وتزايد الأنباء عن احتمال وقوع عمليات عسكرية، بات المزارعون في ريف إدلب وحلب يعيشون في حالة من الحذر والترقب.
مصادر عسكرية تحدثت لـ”963+” عن تحركات على جانبي خطوط التماس بين فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، والقوات الحكومية السورية، الأمر الذي جعل القرى الواقعة في محيط هذه الخطوط تشهد موجة جديدة من النزوح.
ومع هذه التوترات، لم يكن أمام الكثير من المزارعين خيار سوى جمع محاصيلهم قبل الأوان.
الخبير الزراعي المهندس يحيى تناري، أكد لـ”963+” أن “القطاف المبكر له تأثير سلبي على كمية الزيت المستخرج، حيث أن الأمطار الخريفية تلعب دوراً مهماً في زيادة الإنتاج، خاصة في البساتين التي تعتمد على مياه الأمطار”.
وأشار إلى أن التوقيت المثالي لقطاف الزيتون يكون عادة في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما تتحسن ظروف الزراعة بفعل الأمطار.
ورغم هذه التحذيرات، فإن الظروف الأمنية دفعت المزارعين إلى التسريع في القطاف، على أمل أن يتمكنوا من إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الخوف من السرقة
في سرمين، بريف إدلب، كان بشار عبدو يعيش واقعاً مشابهاً، ولكن كان الخوف من السرقة هو الدافع الأكبر الذي جعله يجني محصوله مبكراً.
يقول بشار لـ”963+” إن محصول الزيتون هو مصدر دخله الوحيد، وأنه مع اضطرار العديد من سكان المدينة للنزوح، كان القلق من سرقة المحاصيل يتزايد.
“أجمع المحصول الآن وأبيعه لتأمين السيولة اللازمة لتغطية تكاليف الإيجار والتنقل بعد مغادرتنا”، يضيف بشار.
ورغم أن أسعار الزيت هذا الموسم كانت محفزة، حيث تراوح سعر “التكنة” (18 كيلوغرامًا) بين 80 و85 دولاراً أميركياً، إلا أن الحاجة إلى السيولة لم تترك له مجالاً للانتظار، بحسب بشار.
وبينما يسارع بعض المزارعين لجني محاصيلهم خوفاً من النزوح أو التوترات العسكرية، يلجأ آخرون إلى تأجير حقولهم (التضمين) للتجار.
ومع ذلك، فإن انخفاض الأسعار نتيجة الوضع الأمني جعل التجار يترددون في الاستثمار، رغم أن سعر تضمين طن الزيتون المروي وصل إلى حوالي 800 دولار أميركي، وفق ما قال بشار.
توقعات بارتفاع إنتاج الزيتون
تشير تقديرات الخبراء الزراعيين في إدلب، إلى أن إنتاج الزيتون هذا العام قد يكون مرتفعاً مقارنةً بالعام الماضي بفضل الأمطار، لكن المزارعين لا يزالون محاصرين بين الحاجة إلى البيع الآن وبين الأمل في تحسين الظروف الإنتاجية في وقت لاحق.
ووفقاً للمهندس يحيى تناري، فإن تقديرات الإنتاج لهذا العام تبدو إيجابية مقارنة بالعام الماضي، خاصة بفضل وفرة الأمطار التي ساعدت على تحسين ظروف الزراعة.
ويتراوح متوسط إنتاج شجرة الزيتون الواحدة بين 25 إلى 60 كيلوغراماً، ويعتمد ذلك على عوامل مثل العناية وموعد القطاف، بحسب تناري.
ورغم التحديات، تبقى التوقعات بأن الإنتاج قد يكون وفيراً هذا الموسم، مع تقديرات بإنتاج حوالي 22 ألف طن من زيت الزيتون.
وتنتشر حقول الزيتون عبر ريف إدلب، وتحديداً في القرى القريبة من خطوط التماس، مثل معارة عليا، النيرب، سرمين، تفتناز، وصولاً إلى قرى ريف حلب الغربي مثل تقاد وكفرتعال وكفر عمة.
وتلك المناطق تعيش تحت ضغط التوترات الأمنية المتزايدة، حيث تشير تقارير إلى تصاعد حركة النزوح خلال الأسابيع الماضية.
فريق “منسقو استجابة سوريا” أشار إلى أن عدد النازحين من مناطق ريفي إدلب وحلب القريبة من خطوط القتال بلغ 4280 شخصاً، ومع ذلك تستمر موجة النزوح بسبب التوترات المستمرة.
بين النزوح والانتظار: معركة من أجل البقاء
في خضم هذه الأوضاع المتوترة، تتوالى الأنباء عن احتمال اندلاع معركة جديدة بين فصائل المعارضة والقوات الحكومية. بينما تستمر الاستعدادات العسكرية، يبقى سكان ريف إدلب وحلب في حالة من الترقب والقلق، معلقين بين البقاء في أراضيهم لحماية مصدر رزقهم أو الهرب للنجاة بحياتهم.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير صحفية، إلى أن الفصائل المسلحة تستعد لمعركة استراتيجية تهدف إلى السيطرة على الطريق الدولي “M5” الذي يربط بين دمشق وحلب.
ومع تصاعد التوترات، يبقى مشهد القرى والبلدات المنتشرة في هذه المناطق معلقاً بين الانتظار والحذر، بينما يستمر الأهالي في مواجهة تحديات الحياة اليومية.