حكيم أحمد – آفين علو
تزامن وصول لاجئين وافدين من لبنان إلى مخيم في الحسكة بشمال شرقي سوريا مع استذكار نازحي المخيم، أمس الأربعاء، بدء الهجمات التي شنتها تركيا على مدينتهم رأس العين في عام 2019.
ويقول خليل كوتي، الإداري في مخيم رأس العين بالحسكة، لـ”963+” إن 16 عائلة عائدة من لبنان عدادها 74 فرداً دخلت المخيم منذ تصعيد إسرائيل ضرباتها العسكرية على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، مضيفاً أن هؤلاء الوافدين الجدد “دخلوا من دون تسجيلهم كمقيمين، إضافة إلى أكثر من 80 عائلة أخرى تنتظر الدخول إلى المخيم”.
وبلغ عدد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا 247 ألفاً، ومعهم 97 ألف لبناني فروا من نار الحرب، بحسب الحكومة السورية. وعاد نحو 18,500 لاجئ سوري من لبنان إلى شمال وشرق سوريا، رافقهم 58 لاجئاً لبنانياً، بحسب الإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سوريا. وتتحدر بعض هذه العائلات الوافدة إلى الحسكة من أريافها أو من مناطق سورية أخرى، وبينها عائلات لبنانية عدة.
وصادف أمس الأربعاء 9 تشرين الأول/أكتوبر الذكرى الخامسة للهجمات التي شنتها تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لها على منطقة تمتد 150 كيلومتراً بين رأس العين بريف الحسكة شرقاً وتل أبيض بريف الرقة غرباً. وقد تسببت السيطرة التركية حينها بفرار نحو 200 ألف شخص من المنطقة نحو مناطق أخرى في محافظتي الحسكة والرقة، بحسب تقديرات منظمات غير حكومية.
خريفان للنزوح
يقول عبد الأحد موسى إنه دخل الأراضي السورية في 20 سبتمبر الفائت، ووصل إلى الحسكة في شمال شرقي البلاد. ويضيف لـ”963+”: “تمكّنت من الدخول إلى المخيم مع بعض العائلات الأخرى، لكننا لم نتلقّ أي مساعدة إغاثية”.
وكان موسى من أوائل الذين غادروا الضاحية الجنوبية لبيروت عقب عملية تفجير أجهزة اتصال “حزب الله” اللبناني، والتي خلّفت نحو 4000 جريح، وقبل أن تستهدف إسرائيل قادة الحزب ومنطقة انتشاره بضربات جوية عنيفة، تُوّجت باغتيال أمين عام الحزب حسن نصر الله، وتبعها توغّل بري في الجنوب اللبناني.
يقول كوتي: “صعب جداَ استقبال العائلات العائدة من لبنان، والموجودة في ساحة المخيّم الآن”، موضحاً أن المساحة الحالية لا تستوعب وافدين جدد، “وإن تم العمل على توسعة المخيّم سيحتاج الأمر تمويلاً إضافياً ووقتاً طويلاً”.
ولا يتمكن اللاجئون السوريون العائدون من لبنان من الوصول بسهولة إلى مناطقهم الأصلية بسبب الحدود الداخلية وتقسيمات مناطق النفوذ خلال الحرب في البلاد، وبينها العائلات المتحدّرة من رأس العين وتل أبيض.
وحددت المنظمات المدنية العاملة في منطقة “الإدارة الذاتية” مخيمي العريشة جنوب الحسكة ونوروز في ديريك في أقصى شمال شرقي سوريا لاستقبال الوافدين من لبنان، بحسب إدارة مخيم سري كانيه في الحسكة.
ذاكرة الحرب
تتذكّر أميرة داود أحمد، النازحة من مدينة رأس العين التي تعرف بالكردية “سري كانيه” والسريانية “رش عيناو” والمقيمة في المخيم نفسه، تبدّل السيطرة على مدينتها منذ اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة السورية في عام 2011، إذ أدى هجوم لتنظيم “جبهة النصرة” في عام 2012 إلى خروج ما تبقى من القوات الحكومية وعناصر الفروع الأمنية التابعة لها.
لكن، سرعان ما سيطرت “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على المدينة، إلى أن حصل هجوم تركيا وفصائل الجيش الوطني في عام 2019، وتم توقيع اتفاقيتين لوقف إطلاق النار، واحدة بين تركيا وروسيا وأخرى بين تركيا والولايات المتحدة.
تقول أميرة لـ”963+”: “عندما هاجم الجيش التركي بالطائرات والمدافع، اضطررنا إلى مغادرة المدينة واتجهنا في البداية إلى مركز إيواء مؤقت في الحسكة، ثم انتقلنا إلى المخيم الذي أنشأته الإدارة الذاتية، وقد استولى عناصر ’الجيش الوطني‘ على منزل النازحة التي تعيش حالياً مع زوجها وأطفالها السبعة في المخيم”.
وزعمت تركيا قبيل عمليتها “نبع السلام” إنها تهدف إلى توفير “منطقة آمنة” لعودة نحو مليون لاجئ من الأراضي التركية.
وهم المنطقة الآمنة
لكن “منظمة العفو الدولية” قالت إن القوات العسكرية التركية، وتحالف الفصائل المسلحة السورية المدعومة من تركيا، “قد أبدت ازدراء مشيناً بحياة المدنيين، حيث ارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات غير القانونية التي قتلت وجرحت مدنيين، وذلك خلال الهجوم على شمال شرق سوريا”.
وكان قتل مسلحي “أحرار الشرقية”، أحد فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا، للسياسية الكردية هفرين خلف في 12 أكتوبر 2019، إحدى الجرائم التي حصلت في الأيام الأولى للهجمات.
وفي شباط/فبراير الماضي، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية إن الحكومة التركية تقول إنها تهدف إلى تحويل المناطق التي تحتلها إلى “مناطق آمنة”، علماً أن هذه المناطق ليست آمنة؛ “فهي تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من الجيش الوطني السوري”.
ويقول بيل فريليك، مدير قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في “هيومن رايتس ووتش“: بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا بفترة وجيزة، روّجت البلدان التي كانت تواجه آنذاك احتمال استضافة لاجئين سوريين لفكرة إنشاء ’مناطق آمنة داخل سوريا‘ يمكن إعادة اللاجئين إليها، رغم أن تلك المناطق تاريخياً لم تكن آمنة، وكانت حتى خطيرة”.
ويضيف: “حاولت تركيا بدورها إقامة مثل هذه المنطقة، والتي تبيّن أنها كانت من بين أخطر الأماكن في البلاد. لم ترتدع بعض دول الاتحاد الأوروبي وعادت إلى طرح هذا الموضوع مجدداً”.
وتتسم حياة سكان منطقة عملية “نبع السلام” البالغ عددهم 1,4 مليون نسمة بالفوضى القانونية وانعدام الأمن، بحسب تقرير “كل شيء بقوة السلاح“.
إلى ذلك، قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير بعنوان “سوريون يواجهون ظروفا مزرية في ’منطقة آمنة‘ تحتلها تركيا“، إن “العودة الطوعية التي تنفذها تركيا إلى ’المناطق الآمنة‘ غالباً ما تكون عودة قسريّة محفوفة بالمخاطر ويشوبها اليأس. وتعهُّد تركيا بإنشاء ’مناطق آمنة‘ يظلّ بلا معنى، إذ يجد السوريون أنفسهم مجبرين على خوض رحلات خطرة هرباً من ظروف لاإنسانيّة”.
احتياجات إنسانية
عانى الفارون من العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا ظروفاً صعبة، بسبب سحب المنظمات الدولية طواقمها من منطقة الإدارة الذاتية في خريف عام 2019، وقد تعرضت تلك المنطقة لقصف تركي على طول الحدود.
وأمر تعميم من محافظ الحسكة، الذي يتبع الحكومة السورية، من المنظمات المرخّصة لدى الحكومة بعدم التوجه لمخيمات ومراكز إيواء افتتحتها الإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سوريا.
ويضم مخيم “سري كانيه” حالياً 2635 عائلة تضم أكثر من 16000 فرد، بينما يضم مخيم “واشوكاني” في بلدة توينة القريبة عدداً آخر من نازحي رأس العين.
لا مساعدات ولا مساواة.. مخيمات الشمال السوري فريسة الإهمال والأوبئة
وفي وصف حالتها، تروي أميرة: “الحياة في المخيم صعبة، في كل الفصول. يعاني الأطفال وكبار السن قيظ الصيف، فلا ماء كافٍ هنا، والغبار والأوساخ في كل مكان. والشتاء هنا عاصف وممطر، ونضطر إلى فك المدافئ بسبب الهواء، وإلا قد تحترق الخيمة بمن فيها”، موضحةً أن العائلات التي لم تتمكن من تحمّل تكاليف إيجار السكن والعيش في المدن والبلدات، هي من جاءت للمخيم.
وتخصص المنظمات غير الحكومية 50 ليتراً من المياه النظيفة للشخص الواحد، وسط أزمة للمياه في المنطقة بعد توقف الضخّ من آبار “علوك” التي سيطرت عليها تركيا، وكانت تغذي شبكات مياه الشرب في الحسكة وأجزاء من ريفها الشمالي.
ويؤثر نقص الدعم الإغاثي والطبي على سكان المخيم، فالخيام صالحة للسكن عامين، لكنها لم تُجدد منذ خمسة أعوام، لذا يغطيها ساكنوها بالنايلون الذي يهترئ سريعاً، بحسب ما يروي النازحون في المخيم.