خاص ـ دمشق
تشهد سوريا تصعيداً إسرائيلياً مستمراً يتجاوز حدود لبنان ليشمل أهدافاً داخل أراضيها، ما يضع دمشق في موقف معقد بين الضغوط الإقليمية والدولية. وفي ظل هذا التصعيد، يبدو أن سوريا تتبنى موقفاً مختلفاً عن دورها التقليدي ضمن “محور المقاومة”، مع التركيز على مواجهة تحدياتها الداخلية وتحاشي الانخراط المباشر في الصراع الدائر.
وكانت قد استهدفت إسرائيل ليل أمس الثلاثاء، بناية سكنية بمنطقة المزة الواقعة في العاصمة السورية دمشق، مما أسفر عن 7 قتلى و11 جريحاً.
وأفاد مصدر محلي لموقع “963+”، أن القصف طال مبنى سكني مؤلف من 14 طابق. وهذه هي المرة الثالثة التي تستهدف فيها إسرائيل مواقع في حي المزة بدمشق، إذ قصفت مبنيين سكنيين فيها يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
واكتفت وزارة الخارجية في الحكومة السورية، بإصدار بيان، وصفه مراقبون، بـ”الخجول”، أدانت فيه القصف الإسرائيلي، ودعت إلى ضرورة “اتخاذ إجراءات فورية لردع إسرائيل”.
وخلال السنوات الأخيرة، بدا واضحاً أن سوريا تتخذ خطوات محسوبة للابتعاد عن “محور المقاومة” الذي يضم إيران و”حزب الله” اللبناني.
ويعزى هذا التوجه إلى الضغوط الإسرائيلية والدولية المتزايدة، بالإضافة إلى الأزمة الداخلية التي تعاني منها سوريا.
فبينما كانت دمشق سابقاً حليفاً قوياً للحزب، يتضح أن الظروف تغيرت. ففي حرب 2006، كانت سوريا داعماً قوياً لـ”حزب الله”، مفتوحة الحدود ومساندة له بالسلاح والصواريخ.
أما اليوم، فإن الوضع الداخلي الهش والخطر الذي يحيط بسوريا جعلها تتخذ موقفاً مختلفاً. فالرئيس السوري بشار لأسد، وفقاً لمحللين، يحاول موازنة علاقاته مع حلفائه التقليديين مثل إيران، وفي الوقت نفسه يحاول الحفاظ على استقرار حكومته وسط أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة.
الحذر من التورط في الصراع
يؤكد المحلل العسكري ناجي ملاعب، في تصريحات لموقع “963+”، أن “سوريا أصبحت حذرة من الانجرار إلى حرب جديدة، حيث لم يصدر عنها أي موقف رسمي يدعم حزب الله أو يشير إلى تدخل مباشر في الصراع الحالي مع إسرائيل”.
كما أضاف أن “قوات الحكومة السورية تدرك تماماً قدراتها المحدودة، وهو ما يدفعها للابتعاد عن التصعيد المباشر مع إسرائيل، التي تواصل استهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا”.
تصريحات المحلل السياسي حسن المومني تدعم هذا الرأي، حيث أشار إلى أن سوريا، منذ بداية التصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية في لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم تُعلن أي موقف يشير إلى أنها جبهة داعمة لإيران أو “حزب الله”.
كما أن التحذيرات الدولية لسوريا بعدم الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل كانت واضحة. في أكتوبر 2023، نقل موقع “Axios” عن تحذيرات إماراتية لسوريا، حيث نصحت دمشق بعدم التدخل في الصراع بين “حماس” وإسرائيل. وبالمثل، أرسلت إسرائيل رسالة تحذير لسوريا بأنها سترد بقوة في حال استخدمت الأراضي السورية لشن هجمات ضدها.
الخطاب السوري الرسمي يؤكد هذا الحذر، إذ إن تصريحات الأسد الأخيرة خلال اجتماع للجنة المركزية لحزب البعث في أيار/ مايو الماضي، أوضحت أن سوريا ستدعم “المقاومة” ضد إسرائيل “ضمن إمكانياتها”. هذه العبارة توضح أن دمشق لم تعد قادرة على التدخل الفعلي في الصراع كما كانت تفعل في الماضي، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها.
هذا الابتعاد السوري “يعكس تغيّر الدور الذي كانت تلعبه دمشق في الماضي، عندما كانت جزءاً أساسياً من محور المقاومة ضد إسرائيل”، بحسب المحلل السياسي.
وعلى الجانب الآخر، إسرائيل ترى أن وجود إيران في سوريا يمثل تهديداً استراتيجياً، وهو ما يدفعها إلى تكثيف هجماتها على المنشآت الإيرانية هناك.
وكما يوضح المحلل السياسي ناجي ملاعب، في تصريح لـ”963+”، فإن الرد الإسرائيلي على إيران يمتد ليشمل الأراضي السورية، حيث أن طهران “تُعتبر لاعباً أساسياً في المشهد السوري، والإسرائيليون يسعون إلى استهداف قواعدها ومستشاريها هناك”.
ومع ذلك، يبقى تدخل سوريا في الرد على الهجمات الإسرائيلية محدوداً، خاصة وأن الجماعات الموالية لإيران هي التي تتولى هذه المهمة غالباً.
التحديات المستقبلية لسوريا
في ظل هذه الظروف، تظل التحليلات السياسية حول الدور السوري في المرحلة المقبلة غير متفائلة. فإسرائيل تعتبر سوريا ساحة مهمة في صراعها مع إيران، وتسعى إلى إحداث ضرر كبير فيها. بينما يرى البعض أن دمشق أصبحت مجرد “جسر عبور” للأسلحة واللوجستيات من إيران إلى “حزب الله” في لبنان، فإن القصف الإسرائيلي المستمر للطرق والمعابر الحدودية، مثل تلك الواقعة بين القصير السورية والهرمل اللبنانية، أعاق هذا الدور.
كما أشار المومني، إلى أن “أي مفاوضات إقليمية قادمة قد تؤثر بشكل مباشر على القضية السورية، التي ما زالت محور اهتمام دولي وإقليمي. إذ إن الصراع في سوريا لم ينتهِ بعد، وما زال يؤثر على الوضع العام في المنطقة، خصوصاً مع التنافس المستمر بين إيران وروسيا على السيطرة داخل سوريا”.
وباتت سوريا تتخذ مساراً مختلفاً عن تحالفاتها السابقة مع “محور المقاومة”. فبينما تواصل إسرائيل توجيه ضرباتها ضد إيران وحلفائها في سوريا ولبنان، تظل دمشق تراقب الوضع عن بُعد، غير قادرة على الانخراط المباشر في صراع قد يزيد من أزمتها، وفق ما يرى مراقبون.