أحمد الجابر – دمشق
في ضوء تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، تتجه الأوضاع في المنطقة إلى تعقيد أكبر، وتبرز التحركات الديبلوماسية والعسكرية كأداة لتبادل الرسائل بين الأطراف المتصارعة.
زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت ودمشق، في ظل الظروف الأمنية الحرجة، تشكل خطوة جريئة تعبر عن تحدٍ واضح لإسرائيل، وتطرح العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه الزيارة في هذا التوقيت الحساس. لماذا اختارت إيران أن تُظهر قوتها بهذه الطريقة؟ وما هي الرسالة التي أرادت إيصالها لكل من إسرائيل وحلفائها؟ وهل تسعى إيران إلى جر الحكومة السورية إلى مواجهة مباشرة مع تل أبيب؟
هدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجمعة الماضي، إسرائيل من بيروت التي غادرها صباح السبت، جواً إلى دمشق. وذلك عشية قطع تل أبيب الطريق الدولي بين سوريا ولبنان.
عراقجي: أي هجوم إسرائيلي على البنية التحتية الإيرانية سيتبعه رد قوي
وزار عراقجي بيروت وسط حصار إسرائيلي، بري وجوي، على لبنان، وضرب أنفاق على الحدود اللبنانية-السورية، وذلك بسبب خوف تل أبيب من وصول إمدادات عسكرية وبشرية إلى “حزب الله” اللبناني.
وجاءت زيارته وسط مخاطر تصعيد محتملة، حيث شنت إيران ضربة صاروخية على إسرائيل، كما شنت تل أبيب غارات مكثفة على لبنان استهدفت المرشح المحتمل لمنصب الأمين العام لـ”حزب الله” هاشم صفي الدين.
وتمثل رحلة عراقجي رسالة تحدٍ لإسرائيل، فقد جاءت وسط تصعيد التوتر بين بلاده وإسرائيل، ولكنه وجه من بيروت رسالة تحذير لإسرائيل أنها “إذا اتخذت أية خطوة ضدنا فإن ردنا سيكون أقوى”.
ذات التهديد أطلقه من دمشق، بعد أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وقال إن “ردنا على أي عدوان إسرائيلي سيكون أقوى وأشد ويمكنهم اختبار إرادتنا”، مضيفاً: أن “زيارتي إلى دمشق وبيروت رسالة بأن إيران ستقف دائماً إلى جانب المقاومة تحت أي ظرف”.
وتزامنت زيارة عراقجي مع استمرار القصف الإسرائيلي الجوي على لبنان، ومحاولات الجيش الإسرائيلي التوغل البري في الجنوب.
وخلال اللقاء الذي جمعه بوزير خارجية إيران، وصف الأسد، الضربات الصاروخية التي شنتها طهران ضد إسرائيل منتصف الأسبوع الماضي بأنها “رد قوي”.
وكانت تصريحات الأسد، مكررة في كل مناسبة رداً على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف الأراضي السورية جواً.
ورغم أن “الرد في الوقت والمكان المناسبين” بات مرادفاً لما سبق، إلا أن دمشق تكتفي بذلك، رغم المحاولات الإيرانية في إقحام دمشق والضغط عليها لتنفيذ رغبات طهران كما “حزب الله”.
وتتخذ دمشق موقفاً مريباً منذ هجوم السابع من أكتوبر، كما أنها نأت بنفسها عما يجري في لبنان ضد حليفها “حزب الله”، وفي ظل هذا الصمت جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني لتطرح سؤالاً حول الهدف منها في هذا الوقت. هل تبحث إيران عن جر الحكومة السورية إلى مواجهة مع إسرائيل؟
رسالة مبطنة
قال وجدان عبد الرحمن، وهو محلل سياسي ومختص بالشأن الإيراني، لـ”963+” إن السياسة الخارجية في إيران يرسمها “الحرس الثوري” وبالتحديد “فيلق القدس”، وكان يقوم بهذا الدور قاسم سليماني وتلاه إسماعيل قاآني “الذي من الممكن أنه قُتل في لبنان”.
وأضاف أنه بعد فقدان هذين الشخصين ومقتل نائب قائد “فيلق القدس”، حاولت إيران إرسال شروطها إلى لبنان خاصة بعد ملامح اتفاق لبناني-لبناني، “وهو ما لا ترضى عنه طهران، وكشف ذلك علي خامنئي في تصريحاته، لذا جازفت إيران بإرسال وزير خارجيتها عباس عراقجي”.
وبحسب عبد الرحمن، أن الرسالة الإيرانية التي حملها عراقجي مغامراً في الذهاب إلى لبنان بعد تهديدات إسرائيل بضرب أي طائرة إيرانية تهبط في مطار رفيق الحريري، هي أن “طهران ترفض الهدنة مع تل أبيب”.
والجمعة الماضي، نقلت وكالة” تسنيم” الإيرانية، عن السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، قوله إن “إيران لن تسمح أن يصبح قرار المنطقة بيد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأن مستقبلها ستقرره دول المنطقة وجبهة المقاومة على رأسها”.
نأي بالنفس
وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الحكومة السورية نأت بنفسها عن محور المقاومة، رغم الهيمنة الإيرانية على السلطة في دمشق، وحشودها في الأراضي السورية”.
وقال إن “دمشق منذ سنوات اكتفت بالتصريحات الكلامية رداً على أي هجوم إسرائيل على الأراضي السورية، وهذا الأمر ليس جديداً بل كان قبل اندلاع الحرب في سوريا، وبات الأسد أكثر حرصاً على عدم مواجهة إسرائيل بعد الحرب، لأن دمشق تعرف قدراتها العسكرية مقارنة بقدرات تل أبيب”.
ولفت المحلل الإيراني إلى أن الأسد منذ هجوم السابع من أكتوبر، “اختار النأي بالنفس لأن دمشق كانت على علم بأنها ستتلقى ضربات موجعة وتحمّلت ذلك، خاصة أن معظمها كانت تستهدف مصالح إيران، التي لا ترغب دمشق بوجودها لكنها مجبرة”، مشدداً على أن دمشق تعرف قدراتها بمواجهة إسرائيل ولا تريد خسارة أرضٍ أخرى بعد الجولان.
لكن رغم ذلك، فإن “إيران تعتبر محور المقاومة الذي تقوده وتعتبر دمشق أحد أعضائه، أذرعاً لها رفقة “حزب الله”، وهي لن تتخلى عنه، إلا أن شللاً قد أصابها بدعمه بسبب الاستهداف الموجع للقياديين”، وفقاً لعبد الرحمن.
وأضاف أن استهداف خطوط الربط بين إيران و”حزب الله” في الأراضي السورية، وتدمير مخازن الأسلحة للحزب، “جعل طهران في حالة عجز عن تقديم الدعم، إضافة إلى ذلك، فقد أصبحت تركز على التهديدات التي تستهدف عمقها”.
وتهدد إسرائيل بأنها سترد بشكل قاسٍ على إيران، بعد أن قصفتها الأخيرة بعشرات الصواريخ فرط الصوتية، ورغم أن تل أبيب خففت من تأثير الهجمة التي شنتها طهران، إلا أنها تقول إنها سترد “حفاظاً على أمنها”.
دمشق خارج “المحور”
استبعد عبد الرحمن، تدخل الحكومة السورية، وقال إن “دمشق عندما تعرضت لاستهداف مباشر من إسرائيل لم ترد، فكيف إذا كان هذا الرد لصالح طهران”، منوهاً إلى أنه “ربما تضغط إيران لإدخال مزيد من الفصائل لاستهداف إسرائيل، لكن دمشق لن تسمح باستهداف تل أبيب من أراضيها”.
وتحاول إيران جر الحكومة السورية إلى خط المواجهة مع إسرائيل، لإشغالها وإبعاد طهران من النيران الإسرائيلية، “لكن نظام بشار الأسد مدرك لهذه اللعبة”، وفق قول عبد الرحمن.
وأضاف أن دمشق ستبقي نفسها بعيدة عن المحاولات الإيرانية لإقحامها في حرب ضد إسرائيل، لاسيما أن طهران أشعلت الحرب في غزة وخسرتها وتتجه لخسارة في لبنان واليمن، وبقي لديها العراق وسوريا اللذان يحاولان النأي بالنفس.
ويعتقد المحلل الإيراني أن دمشق، وخلال السنوات الماضية “كانت مرغمة على تسهيل حركة عبور الأسلحة إلى “حزب الله”، في ظل حاجتها للتواجد الإيراني الذي ساهم بالحفاظ على النظام في دمشق”.
يستبعد عبد الرحمن التهدئة في لبنان في الوقت الحالي، خاصة أن التصعيد الإسرائيلي سبقه مفاوضات باءت الفشل، كما أن إسرائيل لا تبحث عن تهدئة كونها “في حالة نشوة” بعد ما حققته ضد خصومها.
وقضت إسرائيل على كامل هرم قيادة “حزب الله” اللبناني، فيما تلاحق الخليفة المتوقع لحسن نصر الله، هاشم صفي الدين، والذي لا يزال مصيره مجهولاً منذ ليل الجمعة الماضي، بعد غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية.
تنسيق مواقف
في المقابل، تقول ميس كريدي، وهي سياسية سورية، لـ”963+” إن توقيت الزيارة يأتي في ظل تصعيد إسرائيلي في المنطقة، لافتةً إلى أن عراقجي زار دمشق بهدف تنسيق المواقف بين الحلفاء، وبحث خيارات التصعيد، وترتيب ردود الأفعال والتفاهم على التحركات المشتركة.
وتنفي السياسية السورية أي خلافات بين “محور المقاومة”، مبررة التصعيد الإسرائيلي بإيفاء دمشق وطهران بالتزاماتهما تجاه “المقاومة” وتقديمهما لكل أشكال العون والمساندة، الأمر الذي “أربك إسرائيل”، على حد قولها.
واستبعدت كريدي، فرضية أن طهران تحاول جر دمشق لتواجه إسرائيل بالإنابة عنها، مشيرة إلا أن العلاقة التي تجمع إيران والحكومة السورية ذات طبيعة مختلفة عن نسق العلاقات بين الدول الغربية، ويجمعهما “تحالف وجودي مصيري”، وفق وصفها.
وأضافت أن الرئيس السوري لم ينأ بنفسه عن مواجهة إسرائيل، قائلة إن “الأسد هو الوحيد الذي يدافع عن المقاومة والقضية الفلسطينية، والأخير من الذين يتصدون للغرب وأميركا”.
وعن احتمالية أن تستخدم إيران الأراضي السورية، قالت كريدي إن “ذلك يخضع لطريقة تفاهم كلا الطرفين القائم على احترام السيادة”، مؤكدةً على أن “دمشق تُقصف من قِبل تل أبيب بسبب تحالفها مع طهران”.
وكانت قد أشارت مصادر مقربة من القوات الحكومية السورية لموقع “963+”، إلى أن الفصائل المدعومة من إيران و”حزب الله” اللبناني أخلوا 37 موقعاً ومقراً في سوريا منذ بدء التصعيد الإسرائيلي في لبنان.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تتوزع الفصائل الإيرانية في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية السورية، بعدد لا يقل عن 65 ألف مقاتل، من بينهم 11 ألفاً من الجنسية السورية، ونحو 18 ألفاً من الجنسيات العربية والآسيوية.