أصدر رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل الحكومة الجديدة، متضمناً قراراً مفصلياً تمثل في دمج ثلاث وزارات رئيسية، وهي وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووزارة الصناعة، في وزارة واحدة تحت اسم “وزارة الاقتصاد والصناعة”.
القرار الذي أثار اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية السورية، اعتُبر من قبل العديد من الخبراء والمراقبين خطوة استراتيجية نحو إعادة هيكلة الدولة الاقتصادية بما يتماشى مع متطلبات مرحلة ما بعد الحرب والتحول إلى اقتصاد السوق الحر.
أهداف الدمج
بحسب مصادر حكومية، فإن الهدف الأساسي من الدمج هو تعزيز كفاءة العمل الحكومي وتسريع آلية اتخاذ القرار الاقتصادي، في ظل توجه البلاد نحو اقتصاد منفتح قائم على آليات السوق. ويأتي هذا في إطار برنامج شامل للإصلاح الإداري والاقتصادي تتبناه الحكومة الجديدة، يُعنى بكسر التشابكات البيروقراطية وتوحيد السياسات المتفرقة.
وسبق أن جرت تجربة مشابهة في الفترة بين عامي 2003 و2012، حين تم دمج بعض هذه الوزارات ضمن التوجه نحو تحرير الأسواق، لكن التجربة آنذاك واجهت تحديات هيكلية، مثل تضخم الجهاز الإداري وضعف فعالية الرقابة على الأسواق.
وفي تصريح لـ”963+” قال حسن الأحمد، من المكتب الصحفي في وزارة الاقتصاد، إن “خطوة الدمج تُعد من أهم القرارات الاستراتيجية للحكومة”، مشيراً إلى أن الدمج يعزز الأداء المؤسساتي ويوحّد الرؤية الاقتصادية، ويضع نهاية لما وصفه بـ “تداخل الصلاحيات بين الوزارات”.
وأكد الأحمد أن الوزارة الجديدة بدأت منذ اليوم الأول في إنشاء غرف عمليات مشتركة، وهيئات تنسيق أفقية وعمودية، مع تعيين مستشارين متعددين لضمان اتخاذ قرارات مبنية على تنوع الخبرات والكفاءات. كما تم تشكيل لجنة مركزية تشرف على مواءمة الهياكل التنظيمية، وإعادة توصيف المهام، وتوزيع الموارد البشرية لتحقيق الأهداف الجديدة.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تصدر ترخيصاً لتخفيف العقوبات عن سوريا – 963+
الانفتاح بحذر وحماية الإنتاج الوطني
فيما يخص السياسات الاقتصادية، شدد الأحمد على أن الانفتاح لا يعني الانفلات. وأوضح أن الوزارة تعتمد سياسة تحرير تدريجي للتجارة، مع استخدام أدوات مثل الرسوم الحمائية والمعايير الفنية لحماية المنتجات الوطنية من المنافسة غير العادلة، خاصة في مرحلة التعافي الاقتصادي.
وأضاف أن القطاع الخاص سيكون شريكاً أساسياً في عملية التنمية، مشيراً إلى تواصل مستمر مع غرف الصناعة والتجارة والمستثمرين المحليين.
كما تعمل الوزارة حالياً على تطوير مصفوفة تقييم أداء تعتمد على مؤشرات إنتاجية وفرص العمل، بهدف توجيه الدعم الحكومي نحو القطاعات ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، ضمن خطة مراجعة دورية للنتائج
وفيما يتعلق بالشفافية، أكد الأحمد أن الوزارة تدرس رقمنة كافة الخدمات والإجراءات الإدارية، بما يسهم في الحد من الاحتكاك المباشر بين الموظف والمواطن، وبالتالي تقليص فرص الفساد، في خطوة وصفها بـ “الأساسية” ضمن خطة الإصلاح الإداري.
التعاون الدولي والانفتاح على الشراكات
أما على الصعيد الدولي، فقد شدد المصدر على أن سوريا منفتحة على أي تعاون قائم على احترام السيادة والمصالح المتبادلة، كاشفاً عن برامج جارية مع “دول صديقة” تتضمن نقل التكنولوجيا والتدريب وتأهيل البنية التحتية الاقتصادية.
وفي ختام تصريحه، أكد أن التحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالبنية المالية، لكن الوزارة تعتمد على ثلاث ركائز لمواجهتها: الإرادة السياسية، الكفاءات الوطنية، والدعم الشعبي لفكرة التغيير.
من جانبه، قال علي حلاق، المدير التنفيذي لمؤسسة IDEA 2020 للدراسات والأبحاث، إن الدمج يمثل خطوة استراتيجية في سياق التحول السياسي والاقتصادي في سوريا، حيث يهدف إلى تنسيق السياسات الاقتصادية وتحسين مناخ الاستثمار، خاصة مع استمرار رفع بعض العقوبات الاقتصادية تدريجياً.
وأوضح لـ”963+” أن من أبرز مبررات الدمج هو ترشيد الإنفاق الحكومي في ظل تراجع الإيرادات العامة، حيث “كانت الوزارات الثلاث تستهلك موارد كبيرة بسبب التكرار الإداري”، معتبراً أن الدمج سيُفضي إلى توفير موارد يمكن إعادة توجيهها نحو دعم الصناعات الإنتاجية والاستراتيجية.
كما أكد حلاق أن التجزئة السابقة بين الوزارات أدت إلى تناقضات في التخطيط وضعف الاستجابة للأزمات الاقتصادية، في حين أن الوزارة الموحدة ستُسهم في تبسيط الإجراءات، وتحسين تخطيط الإنتاج، وتيسير التصدير والاستيراد عبر نافذة موحدة للخدمات.
اقرأ أيضاً: مسؤول إسرائيلي: الإدارة الانتقالية قدمت بوادر حسن نية تجاه تل أبيب – 963+
البيروقراطية والاستثمار
وحول مناخ الاستثمار، أشار حلاق إلى أن الدمج سيساعد على محاربة البيروقراطية التي كانت تعرقل المشاريع الاستثمارية، إذ كانت الموافقات تحتاج إلى عدة جهات وزمن طويل، بينما يُمكن الآن تقليص المدة بشكل كبير.
وأضاف أن توحيد السياسات وتبسيط الإجراءات سيساهم في تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب، مع التركيز على فرص الاستثمار الإقليمي، خاصة مع دول الجوار مثل تركيا والعراق.
واستشهد حلاق بتجارب ناجحة لدمج الوزارات الاقتصادية في دول مثل تونس، مصر، الإمارات، والصين، والتي أدت إلى تحسين فعالية صنع القرار وتقليص النفقات، لكنه شدد على أن النجاح في الحالة السورية مرهون بوجود هيكل إداري واضح، والمحافظة على التخصص الفني، وإشراك أصحاب المصلحة في صياغة التوجهات الجديدة.
وختم حديثه قائلاً: “رغم التحديات مثل مقاومة التغيير وتَركُّز السلطة، إلا أن الدمج، إذا نُفذ بكفاءة، يمكن أن يكون نقطة انطلاق حقيقية لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري وتعزيز الشفافية والنمو المستدام”.