بيروت
بدت ضاحية بيروت الجنوبية الأربعاء أشبه بـ”مدينة أشباح”، مع نزوح الأغلبية العظمى من سكانها بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة التي تستهدفها منذ أيام، ولا تُرى إلا أكوام من الركام، وأبنية متصدعة، وسحب دخان في كل مكان.
وبدت الحركة في شوارع الضاحية، المكتظة عادة بالسكان والمارة، شبه معدومة بعد قصف جوي كثيف. فالأزقة خالية إلا من شبان على دراجات نارية، وبعض السكان جاؤوا يتفقدون منازلهم ويأخذون ما أمكن من حاجيات، مستغلّين توقّف الغارات نسبياً. ويقول محمّد شعيتو (31 عاماً)، وهو من بين قلة تلازم منازلها في الشياح، لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس): ، “خلال الليل، اهتزّت بنا الأرض.. وأضاءت السماء من الغارات”.
ويضيف: “تحوّل الحيّ الى ما يشبه مدينة أشباح”، مشيرا الى أنه أرسل والديه وشقيقته مع أولادها النازحين من الجنوب الى منطقة أكثر اماناً. ويروي أنه يحاول خلال ساعات النهار الاطمئنان على من بقي من جيرانه من كبار السن. ويستذكر الحياة التي كانت تدبّ في المنطقة منذ أسابيع: “كان الحي يعجّ بالناس: كنا نجلس في القهوة وفي الشارع، يلعب المسنون الطاولة، وصاحب متجر الخضار ينادي”، كما تقول “فرانس برس”.
أما الآن، فكلّ شيء “مغلق، الدكاكين والمطاعم أوصدت أبوابها، أخرج من الضاحية لأشتري المواد الغذائية، حتى الصيدليات مغلقة”.
وعاد عناصر من الجيش اللبناني صباح الأربعاء إلى نقاط عسكرية عند مداخل الضاحية الجنوبية كانت أخليت الجمعة حين قتلت إسرائيل بسلسلة غارات جوية مدمّرة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وآخرين. وفرّ الآلاف من سكّان الضاحية منذ ذلك اليوم، منهم من لجأ إلى مراكز إيواء في بيروت أو الى شقق مستأجرة أو لدى أقارب في مناطق أخرى، بينما لم يجد آخرون ملاذاً سوى الشارع.
وكان الجيش الإسرائيلي قد شنّ غارات متتالية على ضاحية بيروت الجنوبية فجر اليوم الأربعاء، بعد إنذارات لسكان مبان في بعض أحيائها بالإخلاء الفوري، في حين أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 55 شخصاً وإصابة 156 آخرين بجروح جراء غارات إسرائيلية على مناطق مختلفة من لبنان منذ فجر أمس الثلاثاء.
“لا حياة”
سمع صحافيون في “فرانس برس” الليلة الماضية دويّ انفجارات لناتجة من القصف، وأحدث بعضها وميضاً هائلاً.
ونشر إعلام “حزب الله” شريط فيديو قال فيه مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف من أمام ركام مبنى عائد لقناة تلفزيونية دينية طالتها الغارات الثلاثاء، “كل المباني التي قُصفت في الضاحية مبانٍ مدنية بحتة يسكنها مدنيون لبنانيون ولا تحتوي على أي أنشطة عسكرية”.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف “منشآت” أو “مصالح” لحزب الله، ويطالب إجمالاً سكان الأحياء التي سيقصفها بإخلائها قبل تنفيذ الغارات.
في حيّ آخر واقع على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية، شاهد مصوّر في فرانس برس دمارا كبيرا بعدما استهدف القصف مجمّعا سكنيا من أربعة أبنية ضخمة. وتفقّدت فرق الإسعاف المكان بحثا عن ناجين أو قتلى.
في موقع قريب، يمكن رؤية ألسنة نيران لا تزال مشتعلة، وتنبعث رائحة حريق من أكوام الردم.
وأغار الطيران الإسرائيلي اليوم على منطقة الرويس بالضاحية الجنوبية، أفادت المعلومات بأن عدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية بلغ حوالى 18 غارة وقد طالت حارة حريك وبرج البراجنة في الضاحية الجنوبية”.
في مجمع سكني بالشويفات الواقعة على تخوم الضاحية، سويّت 4 أبنية بالأرض، وتضرّر مبنى خامس. ويروي أحد سكّان منطقة الليلكي التي طالتها الغارات مراراً في الأيام الأخيرة، بعد تفقده منزله الذي نزح منه الأسبوع الماضي، إن مجمّعاً سكنياً مؤلفاً من 8 أبنية، تدمّر تماماً جراء الغارات.
ويقول الرجل الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ”فرانس برس”: “امتلأت شقتي بالغبار وبرائحة قوية غير مألوفة سبّبت لي ضيقا في التنفس، فأسرعت لإحضار هويات أفراد عائلتي ثم المغادرة بسرعة معهم”. ويضيف إن الحي بات مكانا غير صالح للسكن بسبب انقطاع الكهرباء والمياه. “أبنية خالية ومتاجر مغلقة، تكسر زجاج واجهات بعضها”. ويضيف “لم أرَ سوى شخص أو شخصين في طريقي إلى المنزل، ما من حياة”.
بين ركام مبنى مدمّر، علق علم أصفر لحزب الله كتب عليه “لن تسقط لنا راية”، قربه صورة لحسن نصرالله.
ومنذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، تحصد الغارات الجوية الإسرائيلية اليومية عشرات الضحايا في الضاحية الجنوبية، أبرز معاقل حزب الله في لبنان، بعدما إسرائيل عملية “سهام الشمال” على مناطق عدة في لبنان، تهدف منها إضعاف “حزب الله” بحسب الجيش الإسرائيلي.
وأسفر هذا التصعيد عن “مقتل أكثر من ألف لبناني، بينهم نساء وأطفال”، إضافة إلى آلاف الإصابات، بحسب بيانات وزارة الصحة اللبنانية.