دمشق
اختتم وزير الخارجية السوري الجديد، بسام الصباغ، اليوم الثلاثاء، زيارته لنيويورك بعد تقديمه جملة من المعلومات المضللة حول الوضع في سوريا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في كلمة لم تخرج عن الخطاب الإعلامي المألوف للحكومة السورية.
وقال وزير الخارجية السوري، بسام الصباغ، في الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الإثنين، إن حكومة بلاده تعاملت “بمسؤولية وروح بنّاءة” مع جميع مبادرات دعم الحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة أراضي البلاد.
وعلى المسار السياسي الداخلي، اعتبر الوزير أن الحكومة تتعامل “بانفتاح” مع كل الجهود والمبادرات المطروحة، وذلك في وقت تُحمّل فيه القوى الدولية والمنظمات الحقوقية، وحتى الأمم المتحدة نفسها، نظام الحكم في سوريا مسؤولية إفشال مسارات الحل السياسي.
وتسلّم بسام الصباغ حقيبة الخارجية خلفاً لفيصل المقداد في الحكومة السورية الجديدة في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي والتي ترأسها محمد غازي الجلالي.
لكن الديبلوماسي، الحاصل على بكالوريوس من المعهد العالي للعلوم السياسية من جامعة دمشق، ليس غريباً عن أروقة الأمم المتحدة، فهو نائب وزير الخارجية منذ آب/ أغسطس الماضي، وقبل ذلك مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة.
ومثّل الصباغ الحكومة السورية سابقاً في تعاملها مع ملفات هامة، فكان المندوب لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتزامنت كلمة الصبّاغ في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع أحداث ساخنة على الساحة السورية والإقليمية أبرزها ازدياد الغارات الإسرائيلية على الداخل السوري، والضربات العنيفة على لبنان المجاور.
يُرجَّح أنَّها إسرائيلية.. غارات تستهدف مواقعاً للقوات الحكومية جنوبي سوريا
“للحكومة إجراءات لحل الأزمة”
ورغم أن الأزمات في سوريا تتعمّق أكثر مع ظهور مخاطر جديدة، لم يغيّر الصباغ التعابير التي اعتادت الحكومة على تكرارها منذ العام 2011، إذ بدا كأنه يخطب وسط حشد من المناصرين في العاصمة دمشق.
فوصف المواجهة مع المعارضة بـ “حرب إرهابية شرسة”، وقال إنها فشلت في جعل الحكومة تتخلى عن “مبادئها الثابتة، ومواقفها الراسخة، وعن خياراتها الوطنية الصلبة”، على حد ما نقل موقع أخبار الأمم المتحدة.
وأشاد بإجراءات الحكومة لحل الأزمة في البلاد بما فيها “حماية المواطنين من الإرهاب وتحسين الظروف المعيشية للسوريين”.
لكن أرقام الأمم المتحدة، التي ألقى الصباغ فيها كلمته، تؤكّد أن أكثر من 16 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن أكثر من ثلث الأطفال السوريين (1.6 مليون) يواجهون تأثيراً مدمّراً هذا العام بسبب تركهم الفصول الدراسية.
وقبل عشرة أيام، كشف مدير قسم التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، راميش راجاسينغام، أن الصراع والأزمات في الأعوام الـ13 الماضية دفعت السوريين “إلى ما هو أبعد من حدود التحمل العادي”.
وأضاف أن أكثر من نصف مليون طفل يحتاجون إلى علاج سوء التغذية هذا العام، في ظل ارتفاع مستويات سوء التغذية الحاد لدى الأمهات والأطفال ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس الماضية.
كما يعيش نحو 2.5 مليون طفل كنازحين في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك ما يقارب مليون طفل يعيشون في المخيمات، واصفاً الأمر بـ”أزمة أجيال” عانت من الحرمان ولم تعرف حياة الأمن والاستقرار.
ونقلت حسابات وزارة الخارجية السورية على وسائل التواصل الاجتماعي أن الوزير اختتم زيارته لنيويورك، اليوم الثلاثاء، باجتماع مع عدد من السوريين في الولايات المتحدة الأميركية، “وناقش مع أبناء الجالية أوضاعهم”.
“التنظيمات الإرهابية”
وقال الصباغ أمام الجمعية العامة، أمس الإثنين، إن الحكومة حشدت “كافة الجهود للقضاء على التنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائم مجلس الأمن”.
ويبدو أن الوزير تجاهل أن الجماعات التي استخدمتها حكومته لقمع معارضيها، أبرزهم الحرس الثوري الإيراني، مدرجة على لوائح الإرهاب والعقوبات لدى بعض الدول الأعضاء، بالإضافة إلى آليات الأمم المتحدة التي تدعم محاكمة كبار مسؤولي الحكومة السورية على جرائمهم منذ العام 2011.
وقبل أيام، كشفت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة – سوريا (IIIM) التابعة للأمم المتحدة، في نشرتها رقم 12، إنها ساعدت في جهود قضائية لمحاكم دولية وأوروبية قضت بأحكام وأوامر اعتقال ضد مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وشملت الأحكام مسؤولين كبار في الحكومة السورية، بما فيهم الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد وعلي مملوك وجميل حسن وغيرهم.
وتأسست الآلية في ديسمبر 2016 من قبل الجمعية العامة للمساعدة في التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن “أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية” ومقاضاتهم منذ مارس 2011.
سيادة ووحدة الأراضي السورية
ولم يُسمِّ الصباغ مبادرات دعم السيادة التي قال إن الحكومة السورية تعاملت معها “بمسؤولية وروح بنّاءة”، في وقت تشنّ فيه قوات خمس دول أجنبية الضربات العنيفة على الأراضي السورية، إلى جانب تنظيمات أجنبية مختلفة التوجهات والولاءات.
وتندلع المعارك ويتمّ تنفيذ الغارات أحياناً على خلفية صراعات خارجية بين تلك الجهات التي اتخذت من سوريا ميداناً لتصفية حساباتها.
ويوم أمس الإثنين، قُتل ستة عناصر من فصيلي “فاطميون” و”حراس القرى” الموالين لإيران في هجومين نفذهما تنظيم “داعش” على موقعين بريف حمص ودير الزور شرقي سوريا.
وأسفر الهجومان عن مقتل ثلاثة عناصر من “فاطميون” وثلاثة آخرين من “حراس القرى”. بحسب ما أفاده مصدران مقربان من الفصائل الموالية لإيران لموقع “963+”.
وقبل يومين، أعلنت القيادة المركزية الأميركية “سينتكوم” عن تنفيذها ضربتين في سوريا خلال سبتمبر الحالي، أسفرتا عن مقتل 37 “عنصراً للتنظيمات المتشددة، بينهم عدد من “كبار قادة تنظيمي داعش وحراس الدين”.
كما تستمر الهجمات التركية ضد الأكراد في الشمال الشرقي ومعارضي التطبيع مع النظام السوري في الشمال الغربي.
وأصبحت الضربات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية شبه يومية أو أكثر من مرة في اليوم الواحد، بالتزامن مع تصعيد الهجمات ضد حزب الله في لبنان.
وطالب الوزير بوضع حدّ لعدوان إسرائيل على سوريا ولبنان وفلسطين، ومساءلتها، وضمان “عدم إفلاتها من العقاب”.
وربط الصباغ الضربات الإسرائيلية في الأراضي السورية “بالدور التخريبي الذي انتهجته بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بحق بلادي”.
وللحكومة مسارها السياسي
وقال بسام صباغ إن الحكومة السورية تتعامل “بانفتاح” مع كل الجهود والمبادرات المطروحة، وإنها حققت نتائج ملموسة في اجتماعات أستانا، وتتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون.
ويعود آخر اجتماع لمسار “أستانا” إلى الجولة الـ21 في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي في العاصمة الكازاخية أستانا، بمشاركة وفود “الدول الضامنة” روسيا وتركيا وإيران، إضافةً لوفدي الحكومة والمعارضة السورية.
وقبل يومين على هامش اجتماعات الجمعية العامة، بحث وزراء خارجية روسيا، سيرغي لافروف، وتركيا هاكان فيدان، وإيران عباس عراقجي، تطورات الأزمة السورية، دون مشاركة الوزير الصباغ الذي كان بالقرب منهم.
وكان المبعوث الأممي غير بيدرسون قد قال بعد فشل محاولات سابقة لعقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية إن “الجانب السوري رفض القدوم إلى جنيف، وباءت محاولات عقد الاجتماعات في عدة عواصم بالفشل، ورُفضت غالبيتها من قبل دمشق”.
وأشار الصباغ في كلمته إلى “المصالحات الوطنية والتسويات المحلية”، وهي تدابير أمنية، كمسار للحل في سوريا.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية قد قالت إن مرسوم العفو الصادر في سوريا مؤخراً هو “عفو فارغ” ولا يحل مشكلة المعتقلين في البلاد.
ويوم أمس الإثنين، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان على منصة “إكس”: “عدد الأشخاص الذين عبروا إلى سوريا من لبنان هرباً من الغارات الإسرائيلية بلغ 100 ألف”.
وأضاف أن “الفارين هم من اللبنانيين واللاجئين السوريين في لبنان”، مشيراً إلى أن تدفق النازحين باتجاه المعابر لايزال مستمراً.
ويواجه بعض اللاجئين السوريين العائدين فراراً من الحرب من لبنان مخاطر السوق للقتال في صفوف الجيش السوري أو الاعتقال بسبب مواقف سياسية سابقة.
وفي الوقت الذي تستمر الحكومة السورية في شعاراتها التقليدية للتعامل مع الأزمات والمخاطر، يواجه السوريون عموماً مخاطر الانزلاق للحرب التي تتسع في الشرق الأوسط بعد اغتيال حسن نصر الله والتدخل البري جنوب لبنان وإطلاق الصواريخ الإيرانية صوب إسرائيل.
وتحذر الأمم المتحدة وجهات دولية من أن واقع سوريا ومعاناة السوريين التي كانت في تفاقم خلال الأعوام الـ13 الماضية لا تحتمل الدخول في صراع جديد.