دمشق
يثير تجنّب إيران التدخل المباشر ضد الضربات الإسرائيلية التي تنهال على حليفها حزب الله اللبناني، تساؤلات عن موقف طهران الحالي، وما تنويه سراً أو علناً للأيام المقبلة، رغم أنها أقلقت العالم قبل شهرين فقط بوعيد الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران.
إسرائيل، التي لم تتبنَّ اغتيال “هنيّة” ولم تنفه أيضاً، قتلت بعد ذلك أبرز القادة في “حزب الله” في الغارات الجوية وتفجير أجهزة الاتصال، بينما تبدو إيران بعيدة عن تنفيذ وعيدها الآن.
وأدى التصعيد الإسرائيلي إلى نزوح أكثر من 70 ألف لبناني منذ الإثنين الماضي، وقُتل المئات من المدنيين أيضاً إضافة إلى عناصر “حزب الله”.
وتتضمّن التصريحات على لسان كبار المسؤولين الإيرانيين في آخر أسبوع، ذرائع مختلفة تدفع طهران للاكتفاء بالتضامن مع حليفه إعلامياً، وربما مالياً ولوجستياً، دون أي مشاركة رسمية في الهجمات.
وأبرز الأسباب التي أعلنها قادة إيران هو الثقة في قدرات حزب الله، وتجنب الوقوع في فخاخ إسرائيل، بالإضافة إلى سعي طهران لبدء مرحلة علاقات إقليمية ودولية جديدة.
“سينتصر وحده”
واعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة على منصة إكس أن “حزب الله منتصر”.
وقال في تغريدة سابقة إن خسارة حزب الله قادة وأفراداً مؤثرين، لا يصل لدرجة النيل من بنيته التنظيمية والبشرية، “فهو أقوى بكثير من ذلك”.
ويبدو تعليل نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، للموقف الإيراني قريباً من تغريدات “المرشد الأعلى” حيث قال لشبكة “سي إن إن” الأميركية “إننا نعتقد أن حزب الله قادر على الدفاع عن نفسه”.
لكن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قد تساءل في تصريح للشبكة نفسها: “ماذا يستطيع حزب الله أن يفعل في مواجهة القصف الجوي؟”.
وأضاف: “لقد أُجبروا على الدفاع عن أنفسهم لكن الخطر قائم”.
وفي الواقع، تلقّى “حزب الله” ضربات شديدة أضعفت قدراته العسكرية والتسليحية وجهازه للمخابرات ونظام اتصالاته، إلى جانب فقدانه قادة بارزين.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس الخميس، استهداف قائد الوحدة الجوية والمسؤول عن الطائرات المسيرة في “حزب الله” اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ونقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية عن مصدر بالجيش، أن طائرة إسرائيلية نفذت ضربة “محددة الهدف” استهدفت مسؤول المسيرات في “حزب الله” حسين برجي.
ورغم كل خسائره، تمكّن “حزب الله” من إطلاق صواريخ نحو المدن البعيدة عن الحدود مثل حيفا والناصرة، بالإضافة لاستهدافه الأربعاء الماضي تل أبيب، بينما تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراض غالبية تلك الصواريخ.
وقبل يومين قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” إن حزب الله يبدو غير متأثر بالضربات الإسرائيلية، على الأقل في الوقت الحالي، و “لا يوجد أدنى شكّ في أنّه يريد الانتقام”.
“فخّ إسرائيلي”
ورداً على سؤال مباشر من شبكة “سي إن إن” حول إذا ما كانت إيران ستتدخل بشكل مباشر في الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله، قال جواد ظريف إن إسرائيل تعمل جاهدة لجرّ الآخرين للحرب، “وربّما إدخال الولايات المتحدة، وتغيير ديناميكيات الموقف”.
وأضاف: ” لقد أدرك الجميع في المنطقة هذا الأمر وحاولوا، من خلال دعم الناس في غزة الذين كانوا تحت وطأة نظام الحرب الأكثر وحشية في تاريخ البشرية، تجنب الوقوع في فخ الإسرائيليين”.
وفي جلسة مجلس الأمن الخاصة بالوضع في لبنان الأربعاء الماضي، قال وزير خارجية إيران، سيد عباس عراقجي، إن الوضع في المنطقة قابل للانفجار، وإن عدم اتخاذ إجراء بهذا الشأن سيؤدي إلى “كارثة شاملة غير مسبوقة”.
وأضاف أن “أفعال إسرائيل تؤكد أنها كيان إرهابي حقيقي لا يعطي قيمة للسلم وحقوق الإنسان، وإنها تهدف إلى جر المنطقة إلى حرب شاملة”.
وفي الجلسة نفسها، ردّ السفير الإسرائيلي داني دانون بأن ما يحدث ليست مجرد حرب ضد إسرائيل، بل هي حرب “ضد الإنسانية يشنها وكلاء إيران لاحتجاز شعب لبنان كرهينة”.
وعقب وصوله إلى نيويورك قبل أيام قليلة، قال الرئيس الإيراني بزشكيان للصحفيين إن إسرائيل تسعى لصراع شامل، و”نحن نريد أن نعيش في سلام ولا نريد الحرب”.
وبالعودة للأسابيع الماضية، لم تكن هذه الاستراتيجية “عدم الانجرار للحرب” واضحة حين توعّد خامنئي إسرائيل بردّ قاس على اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران.
وكان مسؤولون إيرانيون قد قالوا، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عقب اغتيال “هنية” إن خامنئي أصدر تعليماته إلى القادة العسكريين في الجيش والحرس الثوري، لإعداد خطط هجومية ودفاعية، في حال توسعت الحرب.
ولم يعلن المسؤولون الإيرانيون فيما بعد إذا ما كانت الخطط المقررة هي أن “إيران تقرر وحزب الله ينفّذ”، على حد تعبير النائب اللبناني السابق فارس سعيد في تصريحه لصحيفة الشرق الأوسط.
وعلى الجانب الآخر، تمضي إسرائيل لتصعيد هجماتها أكثر، إذ أعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، تومر بار، أمس الخميس، أن سلاحه يستعد لدعم القوات في الشمال خلال عمليات برية ضد “حزب الله” في لبنان.
وأضاف أن الهدف هو “إيقاف أي نقل للأسلحة من إيران إلى حزب الله”.
بزشكيان وهيكلة العلاقات
لم يكن موقف التفاؤل والتأييد المعنوي أقصى ما يتمناه قادة حزب الله الذين حثوا إيران على شن هجوم ضد إسرائيل، بحسب ما نقل موقع أكسيوس الأخباري الأميركي عن اثنين من المسؤولين الإسرائيليين ودبلوماسي غربي.
وكان رد المسؤولين الإيرانيين أن الموقف غير مناسب مع تواجد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في نيويورك حالياً لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب الموقع.
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصف بزشكيان الهجمات الإسرائيلية في لبنان بـ”الهمجية البائسة”، وقال إن على المجتمع الدولي أن يوقف ذلك قبل أن تمتد إلى كل المنطقة والعالم.
وحتى بخصوص غزة، دعا الرئيس الإيراني إلى استفتاء يقرر فيه الفلسطينيون في الداخل والشتات مصيرهم، معتبراً أنه يمكن تحقيق السلام الدائم، “ليعيش المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في أرض واحدة في سلام بعيداً عن العنصرية والفصل العنصري”.
وأشار إلى أنه يسعى لدخول إيران مرحلة جديدة من العلاقات، “هدفي هو معالجة التحديات والعقبات القائمة مع هيكلة علاقات بلدي الخارجية إدراكاً لضرورات ووقائع العالم المعاصر”.
ونقلت وكالة “ارنا” الرسمية للأنباء أن الرئيس بزشكيان أجرى خلال ثلاثة أيام في نيويورك، لقاءات مع قادة أكثر من 15 بلداً، متناولاً الأوضاع في “غزة وفلسطين ولبنان”.
وانتقد معارضون إيرانيون ما قالوا إنه تناقض بين محتوى تصريحات بزشكيان والسياسات الحقيقية لإيران والتي يمليها مباشرة المرشد علي خامنئي والحرس الثوري.
ووصف موقع إيران انترناشيونال المعارض للنظام في طهران، في تحليل كتبه مراد ويسي، تصريحات الرئيس بـ”سَلَطة كلمات بلا مضمون حقيقي”.
ويعتقد الباحث الأميركي، راين بوهل، في حديث لموقع قناة الحرة الأميركية، أن إيران “ستظل تزيد من دعمها المادي لحزب الله، وتضمن حصوله على الترسانة التي يحتاجها لخوض حرب طويلة مع إسرائيل”.
وما لم تتحول هذه الحرب إلى وجودية ضد “حزب الله”، أو بشكل مباشر ضد المصالح الإيرانية، فإن إيران “ستظل مجرد مورّد وليس مشاركاً أو منخرطاً مباشراً”، وفق بوهل.
ورغم الأعذار التي تقدمها إيران لعدم تدخلها، فلا يمكن التكهّن بالقادم ولا تخلو التصريحات من تحذيرات من وقوع حرب شاملة إذا ما استمرت إسرائيل في شن الهجمات.