محمد الواوي ـ درعا
يتصدّر المليحي قائمة المطبح الحوراني، ويندرج الطبق عموماً ضمن التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية في محافظتي درعا والسويداء بجنوب سوريا. إنه وجبة تقليدية متوارثة عبر الأجيال، تقدم للضيوف وفي المناسبات تعبيراً عن كرم أهل حوران وسخائهم.
والمليحي طعام مكون من البرغل، ولحم الخروف، وحساء اللبن الحامض (الجميد المجفف ويسمى أيضاً الكثي أو الهقط)، والسمن العربي (الحيواني)، وبعض التوابل، وقد تضاف إليه الكبة للتزيين.
ويُصنع الجميد من لبن الماعز أساساً، أو لبن البقر مضافاً إليه الملح الصخري. يُصفى من الماء أياماً عدة، ثم يُدعك بعد ذلك على شكل مكعبات أو أقراص، ويعرّض لأشعة الشمس أسبوعاً تقريباً حتى يكتسب صلابته وقساوته، فيصبح جاهزاً للتخزين والاستعمال عند الحاجة.
ليس مجرد وجبة!
لا يُعدّ ياسر أبو نقطة (50 عاماً)، من مدينة طفس بريف درعا، المليحي مجرد وجبة طعام، “بقدر ما هو ظاهرة اجتماعية وشعبية تنبض بالحياة، خصوصاً في الأفراح والمناسبات المهيبة والحاشدة”، كما يقول لـ”963+”.
يتشارك الرجال والنساء في إعداد المنسف للولائم والأعراس، وترتبط عملية التحضير بطقوس وتقاليد موروثة ما زالت محفورة في الذاكرة الشعبية. ويشير أبو نقطة إلى أن المليحي وجبة رئيسية في الأعراس الحورانية، “يقدم للضيوف، وتشرف جموع من الناس على إعداد ما يكفي المدعوين كلهم، وقد يحفظ الباقي للعشاء وحتى الغداء في أيام لاحقة”.
أهازيج حورانية
في أثناء تحضير المليحي، اعتاد الأهالي ترنيم الأهازيج المختلفة، المستنبطة من الموروث الثقافي المحلي، يغني أبو عمار منها: “ذبحنا ذبايحنا على المرج الأخضر، واللي مو مصدقنا ييجي اليوم ويحضر”… ومن الأغاني أيضاً: “صبوا القرى يلّي معلم على القرى”، تمجيداً للضيافة وإشارة إلى أهل الكرم والشهامة.
يشكّل طبق المليحي رمزاً للتآلف والتماسك المجتمعي بين أبناء المجتمعات المحلية في الأفراح، حيث يوضح أبو نقطة أن المناسف توزع على بيوت الجيران كي تكون قادرة على استيعاب الضيوف كلهم، على أن يتولى صاحب كل بيت مهمة تقديم الضيافة للمدعوين، جنباً إلى جنب مع أصحاب الفرح.
وبعد الانتهاء من تناول المليحي والقهوة “المرّة” والشاي، يكمل الجميع مراسم العرس، فيغنون الأغاني الشعبية المرافقة، كما يصف أبو عمار.
الوصفة والإعداد
تتألف الوصفة بشكل أساسي من لحم الضأن والجميد والبرغل (الطبيخ) والملح ومرق اللحم، فضلاً عن الماء والبصل وورق الغار وحبّ الهال. تتجزأ طريقة الإعداد في ثلاث مراحل أساسية: اللحم والبرغل ولبن المليحي.
تشرح وردة الأصفر (64 عاماً) من درعا البلد لـ”963+” هذه المراحل: “نبدأ بطهو اللحم المقطع في قدر على موقد النار ساعة فأكثر، يُسكب فوقه الماء، ثم البصل وورق الغار وحبّ الهال والملح، وتضاف التوابل كالكمون والفلفل. وبعد السلق يُستخرج اللحم ويُصفى المرق”.
يطلق على البرغل محلياً اسم “الطبيخ”. تقول أم العبد لـ”963+” إن كل زبدية برغل تتطلب زبديتين من مرق اللحم، “ويُغسل البرغل قبل استعماله أولاً مع إضافة القليل من الأرز القصير التيلة كي يتماسك مع الملح ومرق اللحم، ويُتبع لاحقاً بملعقة كبيرة من السمن العربي”.
10 دقائق تقريباً
تضيف الأصفر: “بعدها، نحرك المكونات حتى الغليان، فنغطي القِدر على نار هادئة، وما أن تجف الماء بعد 10 دقائق تقريباً، نقلّب جيداً ثم نغطي القِدر مجدداً فوق نار ضعيفة جداً. وبعد ربع ساعة، نتأكد من نضوج البرغل، فنطفئ الموقد، وندع الوعاء مغطى نصف ساعة. وفي خطوة قادمة، ندعك المكونات إلى أن تتماسك جيداً وتصبح طرية”.
بالنسبة إلى تجهيز الجميد، تكمل وردة الأصفر حديثها بالقول: “نمزج نصف كيلو جميد مع ليتر ونصف ماء حتى يذوب، بعدها نصفي المكونات، ونحرّكها باستمرار إلى حين غليان اللبن، فنلحقه باللحم مدة 5 دقائق ثم نطفئ النار. وفي المرحلة الأخيرة، نسكب البرغل في المنسف وفوقه اللحم، ونصب حساء المليحي والسمنة العربية على وجهه”. بعد هذه المراحل كلها، يصبح منسف المليحي جاهزاً.
وتجدر الإشارة إلى أن اليونسكو أدرجت عناصر جديدة على قائمة التراث الثقافي غير المادي في عام 2022، بينها المنسف الأردني والرغيف الفرنسي.