أحمد الجابر/دمشق
تلقى “حزب الله” اللبناني هذا الأسبوع، صدمة كبيرة، خسر فيها عشرات العناصر، وإصابة الآلاف، في هجوم إلكتروني تسبب بتفجير أجهزة اتصالات في وقت متزامن.
ولم يفق “الحزب” المدعوم من إيران ما أطلق عليه “مجزرة البيجر” حتى ضربته إسرائيل بـ “ووكي توكي” على مدى يومين متتالين، أسفر عن مقتل 37 شخصاً وجرح 3250 آخرين، بحسب وزارة الصحة اللبنانية.
وقال وزير الصحة اللبناني فراس أبيض، الأربعاء الفائت، إن حجم هجوم أجهزة النداء كان “أكبر بكثير” من حجم انفجار مرفأ بيروت، الذي يُعدّ أكبر انفجار غير نووي في تاريخ البشرية، والذي خلّف أكثر من 7000 جريح.
وقال طبيب فضّل عدم ذكر اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، إن الإصابات لم تكن مثل أي شيء رأوه من قبل، “هي غالباً عيون وأيد مصابة”، نتيجة نظر المرضى إلى أجهزة النداء الخاصة بهم قبل انفجارها.
https://963media.com/24625/
ماهي الأجهزة التي انفجرت؟
يُرجح أن المخابرات الإسرائيلية نفذت هجومين استهدفا أجهزة النداء (البيجر، ووكي توكي) التي يستخدمها عناصر “حزب الله”، ما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى مدنيين من محيط “الحزب” من عائلات وعاملين وعاملات.
و”البيجر” هو جهاز لاسلكي صغير كان يُستخدم بشكل شائع قبل انتشار الهواتف المحمولة لإرسال واستقبال رسائل نصية قصيرة أو تنبيهات.
ويعتمد عمل “البيجر” على إرسال إشارات عبر الشبكات اللاسلكية، وكانت تستخدم بشكل رئيسي في المستشفيات، والشركات، وبين رجال الأمن، وأحياناً قليلة بين الأفراد.
ونُفذ الهجومين في توقيت متزامن وخلال يومين متتاليين، ولم يستطع “الحزب” التخلي عن الأجهزة اللاسلكية حتى جاءت الهجمة الثانية في التوقيت ذاته يوم الأربعاء، حيث انفجرت أجهزة “ووكي توكي”.
“الووكي توكي” جهاز اتصال لاسلكي يدوي محمول، يعتمد على إرسال واستقبال موجات راديو تتم ترجمتها إلى رسائل صوتية، ويحتاج استخدامها إلى أبراج إرسال واستقبال توفر لها التغطية والإشارة اللازمة.
ويعود تاريخ اختراعها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وأثناءها طورت شركة “موتورولا” وحدة اتصال بموجات الراديو يمكن للجنود حملها والحديث عبرها وهم يتحركون، بعد أن كانت مثل هذه التجهيزات من قبل ذات حجم كبير وتُحمل على عربات، وتحتاج إلى ما يُعرَف بشيفرة “موريس” للتواصل.
وتعمل الأجهزة على ترددات راديوية ولا تتواصل عبر الإنترنت، وهي سهلة الاستخدام لأنها محمولة، وتطور حجمها حتى صار بعضها أصغر من بعض الهواتف المحمولة.
ويمكن تعقبها لكن عبر تقنية صعبة ومعقدة تحتاج إلى تجهيزات متطورة يمكنها اعتراض وتحليل موجات الراديو.
3 قتلى و100 جريح في حصيلة أولية لتفجيرات أجهزة اتصال في لبنان
هل هو هجوماً سيبرانياً؟
استبعد المختص في أمن المعلومات والجنايات الرقمية، دلشاد عثمان، في حديث لموقع “963+” أن يكون تفجير الأجهزة اللاسلكية هجوماً سيبرانياً، لأن “الهجوم السيبراني يشمل أي جهاز متصل بشبكة، وينطبق هذا الشيء على ما حصل في لبنان”.
وقال عثمان إن “الأجهزة جداً بدائية وبسيطة. إسرائيل استطاعت استهداف حزب الله عبر ما نسميه هجمات سلالية التوريد”.
وأوضح أن “إسرائيل أقنعت شركة تايوانية بافتتاح فرع لها في أوروبا، والفرع كان مخترق من الإسرائيليين، والذي بدوره وفر الأجهزة لحزب الله”.
فيما قال ناجي ملاعب، وهو خبير عسكري لبناني، إن إسرائيل تستطيع القيام بهجمات سيبرانية، وهي ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها هجمات من هذا النوع، معتبراً أن تفجير الأجهزة “هجوم سيبراني”.
وأضاف لموقع “963+” أن تل أبيب تستطيع تفخيخ الأجهزة، وسبق أن اغتالت المهندس يحيى عيّاش الفلسطيني عام 1996، وكذلك اغتالت محمود الهمشري في باريس.
وفي الخامس من كانون الثاني/يناير 1996، اغتال جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يحيى عياش القيادي في “كتائب القسّام” عبر وضع 50 غراماً من المتفجرات في هاتف محمول كان يستعيره من صديقه.
بينما اغتال الموساد ممثل “منظمة التحرير الفلسطينية”، محمود الهمشري، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1972، عبر تفخيخ الهاتف الذي كان يستخدمه، وتفجيره عن بعد، انتقاماً لمقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في أولمبياد ميونيخ.
وقال ناجي ملاعب إن “هذا الأمر ليس جديداً على التقنيات الإسرائيلية. لديها وحدات متخصصة وتصرف الكثير من الأموال في هذا المجال. ويكفيها ما يردها من وثائق”.
وأشار إلى أن تل أبيب بقيت تعمل وتجهز وتخطط لمدة 6 أشهر لتنفيذ عملية تفجير الأجهزة، “ليس سهلاً استخدام أشعة الإلكترومنياميغناتيك من طائرة مسيّرة أرسلت إلى المشغل في غرفة عمليات التي مررت ذبذبات إلى هذه الأجهزة لتفجيرها”، وفق قوله.
واستبعد الخبير العسكري قدرة بطاريات تلك الأجهزة على التفجير في هذه القوة، إلا أنه من الممكن أن تكون مزودة بكمية من المتفجرات “تقول الروايات إن هناك 20 غراماً من المتفجرات في الأجهزة مخبأة بطريقة حرفية”.
ورجح أن تكون المتفجرات قد أُخفيت بحرفية عالية، “ربما كنا سنقول أن تلك الأجهزة تم استلامها بعشوائية من قبل جماعة وليس دولة، لكن أن تدخل إلى السفارة ويستخدمها السفير الإيراني فهذا يعني أنها مخبأة بحرفية عالية إما داخل البطارية أو ملصقة بطريقة لا تلفت النظر”.
خاصة أنها استُخدمت لحوالي 5 أشهر على الأقل وهذه الفترة ليست قليلة، بالنسبة لتفقد الأجهزة سواء لإصلاحها أو اختبارها”.
وشدد على أن إدخال الأجهزة يجب أن يخضع لتحقيق رسمي من قبل الدولة اللبنانية، لوضع الجميع أمام مسؤولياته، ومحاسبة الدولة المصدرة، لا سيما أن الشركة الحاصلة على ترخيص يجب أن تنتج بمواصفات معينة ويخضع هذا المنتج لرقابة الجمارك.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” عن عدد من مسؤولي الدفاع والاستخبارات، أن إسرائيل “لم تتلاعب بأجهزة حزب الله، بل صنعتها كجزء من خدعة متقنة”.
ماذا تقول الروايات؟
حامت شكوك حول شركة “غولد أبوللو” التي تصنّع أجهزة “البيجر، لكنها كشفت في بيان أن شركة (بي. أيه.سي كونسلتينج)، ومقرها العاصمة المجرية بودابست، لديها ترخيص لاستخدام علامتها التجارية وصنعت طراز أجهزة الاتصال اللاسلكية المستخدمة في التفجيرات.
كما أضافت أن “طراز جهاز البيجر أيه.آر-924 يتم إنتاجه وبيعه بواسطة بي.أيه.سي”.
فيما يقول إعلام إسرائيلي أن الشركة المجرية، التي أنتجت أجهزة الاستدعاء، التي انفجرت وباعتها “لحزب الله”، كانت شركة وهمية تم تأسيسها كجزء من عملية إسرائيلية، حسبما قال ثلاثة ضباط استخبارات أجانب لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وبحسب الضباط –الذين اطلعوا على تفاصيل العملية– فقد تم إنشاء شركتين إضافيتين على الأقل بهدف إخفاء الهوية الحقيقية لمصنعي جهاز النداء البيجر، وهم ضباط استخبارات إسرائيليين.
وأنتجت الشركة المجرية أجهزة النداء الخاصة بالعلامة التجارية التايوانية. كما أنتجت شركة BAC أجهزة استدعاء عادية لعملاء آخرين، لكن العميل الذي تأسست الشركة من أجله هو “حزب الله”.
وبحسب المصادر فإن الأجهزة المباعة للتنظيم تم إنتاجها في خط إنتاج منفصل، وتم وضع مادة PETN المتفجرة في بطارياتها.
وبدأ شحن الأجهزة إلى لبنان في صيف عام 2022، على نطاق صغير في البداية، لكن سرعان ما زادت كمية الشحنات بعد أن أمر حسن نصر الله عناصر “الحزب” بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة، بحسب تقارير.
وفي تقرير للقناة 13 الإسرائيلية، فقد أقام الموساد الإسرائيلي شركة وهمية في هنغاريا، حصلت على حقوق بيع أجهزة الاتصال في منطقة متفق عليها مع الشركة التايوانية “غولد أبولو”، واستطاع أيضاً إنتاج أجهزة خاصة به تحمل ذات العلامة التايوانية.
وكشف مصدر أمني لبناني لقناة الجزيرة القطرية عن أن تلك الأجهزة كانت مفخخة بشكل مسبق، عبر إضافة كمية لم تتجاوز 20 غراماً من المواد المتفجرة.
وذكرت عن مصادر أن المادة المتفجرة التي أضيفت للأجهزة يرجح أن تكون من نوع “آر دي إكس” أو “متفجرات التدمير الملكي” عالية التكسير، وتسمى أيضاً “الهكسوجين”، وهي مادة تحمل الاسم الكيميائي “سيكلوتريميثيلين ترينترامين”، وهي معروفة بثباتها الجيد وإنتاجها العالي للطاقة، مما يجعلها مناسبة لمجموعة متنوعة من التطبيقات العسكرية والصناعية، بحسب الجزيرة.
والأربعاء الماضي، اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الهجوم يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي من خلال استخدامه أجهزة النداء كـ “فخاخ”، وإنه يعرّض المدنيين للخطر.
سياقات التفجير
يقول حسن المومني وهو محلل أردني، أن مسألة التصعيد التدريجي بيت حزب الله وإسرائيل والذي من الممكن أن نسميه تصعيد حلزوني، والذي بدأ منذ اغتيال فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية وإسماعيل هنية في طهران.
وأوضح في تصريح لموقع “963+” أن ذلك التصعيد بدأت تدريجياً لكنه بقي في السياق الاستراتيجي الذي لا يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة أو شاملة.
واعتبر المومني أن تفجيرات أجهزة “البيجر” تطور نوعي في المواجهة المباشرة بين “الحزب” وتل أبيب، وهو نوع من التصعيد في سياق تكنولوجي، ويعتمد على رد فعل “حزب الله” إذا ما كان سيبقي على المواجهة التقليدية أم سينجر إلى حرب مع إسرائيل.
ورأى أن إسرائيل بعثت رسالة واضحة إلى “حزب الله” من ناحية التطور التكنولوجي، ولعلها وضعت “الحزب” في سياق أكثر تعقيداً من المواجهة المباشرة، أو تلك المعتادة على طرفي “الخط الأزرق”.
وقال إن تل أبيب تحاول أن تردع “حزب الله”، أو تفتح حرب باتجاه الشمال أي في الجنوب اللبناني، خاصة أن هناك إشكالية لدى إسرائيل تتمثل بنزوح سكان شمال فلسطين.
وفي الوقت ذاته، ترغب إسرائيل في فرض واقع جديد على لبنان و”حزب الله” بإقامة منطقة عازلة، خاصة أن حكومة بنيامين نتنياهو، تسعى إلى الحرب والهروب من استحقاقات غزة التي لم تحسمها إلى الآن، بحسب المومني.
من جهته اعتبر ناجي ملاعب، وهو خبير عسكري لبناني، أن تفجير أجهزة الاتصال تأتي في سياق المواجهة بين ممثل “محور المقاومة” في لبنان وإسرائيل.
وأشار إلى عدم وجود توازن قوى بين “حزب الله” المدعوم من إيران، وإسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة والغرب، لافتاً إلى استثمار إسرائيل وتطويعها الاكتشافات والتقنيات التكنولوجية والأبحاث في جامعات حلفائها لصالح حربها في المنطقة.
وتابع: “الرسالة أوصلتها تل أبيب هي التوجه إلى الشمال بأساليب جديدة، حسبما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.
وأشار إلى أن الهجوم أثر على عمليات “حزب الله” لأن الاتصالات هي عصبها الرئيس، وخلّفت التفجيرات أزمة كبيرة لدى “الحزب” يصعب تداركها، “لأن إسرائيل تتحكم بأجهزة الخليوي، لذا فإن “حزب الله” أمام أمرين كلاهما صعب إما الاعتماد على شبكة الهواتف الأراضي أو التنقل لتلقي الأوامر وإصدارها وهذا صعب بسبب السيطرة الإسرائيلية على الأجواء اللبنانية، وفق قول ملاعب.
توعدت “حزب الله” بثمن باهظ… إسرائيل تنقل المعركة إلى جنوب لبنان
ورأى أن ترميم “حزب الله” للفجوة التي أحدثها التفجيرات يحتاج إلى الكثير من الوقت، خاصة أن كل من أُصيب هو عنصر في “الحزب” أُعطي رقماً وأُنيطت له مهاماً ودوراً في العمليات، ونسبة كبيرة من هؤلاء خرجوا من الخدمة بسبب الإصابات.
وتوقع الخبير العسكري رداً من “حزب الله” قد يكون أقوى من رد “العنف والحكمة” الذي جاء انتقاماً لفؤاد شكر القيادي في “الحزب”.
في حين توعّد الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، يوم أمس الخميس، إسرائيل بـ “حساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون”، مضيفاً أنه لن يحدد مكان الرد أو زمانه.