بيروت
تقول جهات حقوقية إيرانية إن السلطات الإيرانية كثّفت ممارسة القمع لإيقاف ازدياد الأنشطة النسائية في البلاد في آخر عامين، إذ تستمر حالة حقوق الإنسان في التدهور، رغم وعود الرئيس الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان.
وتعهد بزشكيان، في مؤتمر صحفي أمس الإثنين بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية على مقتل مهسا (جينا) أميني، بألا تضايق شرطة الأخلاق للنساء الإيرانيات خصوصاً في مسألة الحجاب الإلزامي.
وتبرز قضية المرأة والحجاب والحقوق مجدداً في إيران، مع احتفاء الناشطات والحقوقيين بالاحتفاء بالذكرى السنوية الثانية لأطول احتجاجات في عهد الجمهورية الإسلامية، بينما تستمر السلطات في سياساتها الداخلية التقليدية.
وقتلت أميني في 16 أيلول/ سبتمبر عام 2022 بعد أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران، على خلفية عدم التزامها قواعد اللباس الصارمة، ما أشعل احتجاجات حملت شعار “المرأة، الحياة، الحرية” واستمرت لأكثر من 80 يوماً في أنحاء البلاد،
وأول أمس الأحد، أعلنت مؤسسة نرجس محمدي الحائزة على جائزة نوبل للسلام والمسجونة منذ العام 2021 في طهران، أن 34 سجينة أضربن عن الطعام في سجن إيفين، في ذكرى مرور عامين على مقتل مهسا (جينا) أميني في السجن.
قرارات واحتجاجات
وتعود قصة القيود على لباس المرأة في إيران إلى العام 1979 حين أعلن الخميني أن النساء مطالبات بارتداء الحجاب أثناء ارتيادهن أو عملهن في الوزارات والمؤسسات الحكومية.
إلزام الإيرانيات بلبس الحجاب، بعد عهود من حريتهن في ألبسة مختلفة كالعباءة أو غطاء الرأس أو إظهار شعرهن، أدى لاندلاع تظاهرات لم تتجاوز مدتها أسبوعاً أمام عنف وتهديد السلطات التي تبنّت شعار “الحجاب أو الحجاب”.
وعام 1982، أصدرت الحكومة في طهران قوانين تعاقب النساء إذا لم يلتزمن بقواعد اللباس الصارمة ومن بينها الحجاب الإلزامي، ما أدى لاعتداءات واعتقال بحق عدد من الإيرانيات.
وعام 2006، قادت ناشطات ومنظمات حقوقية حملة بهدف جمع مليون توقيع للمطالبة بإصلاح القوانين التمييزية ضد المرأة في إيران.
وعام 2016، انطلقت حركة باسم الأربعاء الأبيض، شجّعت النساء على مقاومة التمييز والقيود من خلال ارتداء الأوشحة والملابس البيضاء، كأسلوب سلمي للمطالبة بالتحرر من القيود الإلزامية الحكومية على ملابس النساء.
وتُعتبر احتجاجات (المرأة والحياة والحرية) عام 2022 الأكثر جرأة واتساعاً، إذ تناولت بالإضافة لحقوق المرأة، القوانين القمعية والنظام الحاكم في إيران.
وبحسب وكالة أنباء “هرانا” الحقوقية الإيرانية، عمّت الاحتجاجات 31 مقاطعة و160 مدينة و143 جامعة كبرى، بينما استخدمت السلطات العنف والغاز المسيل للدموع والرصاص لقمع المظاهرات.
وقُتل 530 شخصاً، بينهم 68 طفلاً، واعتُقل أكثر من 18 ألف متظاهر خلال الاحتجاجات التي جذبت تضامن الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، والتجمعات العمالية والشركات التجارية ومشاهير الفن والثقافة والسياسة في البلاد والعالم.
وتقول وكالة الأنباء “هرانا” إن هوية مهسا أميني الشابة الكردية السنية، أصبحت رمزاً لتقاطع التمييز الجنسي والعرقي والديني في إيران، ما وحّد شرائح المجتمع المشاركة في الاحتجاجات، بما فيها الطبقة الوسطى الحضرية والطبقات الدنيا والعليا ومختلف المجموعات العرقية والدينية.
قوانين أشد
وما بين سبتمبر 2022 ونهاية أغسطس الفائت 2024، اعتقلت السلطات الإيرانية 682 امرأة لأسباب تتعلق بالحجاب، و18 ناشطة مدافعة عن حقوق المرأة، بحسب وكالة “هرانا”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، في تقريرها عن إيران للعام 2023، إن السلطات الإيرانية استخدمت “القوة المفرطة والقاتلة والتعذيب والاعتداء الجنسي والإعدامات” لمواجهة الاحتجاجات والمطالبة بالحقوق.
وفي 15 أبريل الماضي، جدد المرشد الأعلى علي خامنئي التأكيد على أن الحجاب “حكم شرعي إلزامي للمرأة”، وعلل عدم الالتزام بالقانون والاحتجاجات ضده بـ “تدخلات أجنبية”.
وفي مايو، أعلن قائد الحرس الثوري في طهران، حسن حسن زاده، تشكيل مجموعات مدرّبة لفرض الحجاب الإلزامي في الأماكن العامة، دون توضيح تفاصيل عن عمل المجموعات الجديدة أو تبعيتها المؤسسية.
وقبل أيام، قالت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن إيران إن السلطات الإيرانية زادت من التدابير والسياسات القمعية، منذ أبريل الماضي، من هذا العام، من خلال تنفيذ ما أسمته بخطة نور “التي تشجع وتقر وتؤيد انتهاكات حقوق الإنسان ضد النساء والفتيات اللاتي ينتهكن قواعد الحجاب الإلزامي”.
وأشارت إلى أن أنماط العنف الجسدي قائمة مسبقاً، بما في ذلك “ضرب وركل وصفع” النساء والفتيات المتهمات بعدم الامتثال لأنظمة الحجاب الإلزامي.
وعززت السلطات الأمنية التابعة للدولة أنظمة المراقبة للالتزام بالحجاب، بما في ذلك المركبات والطائرات المسيّرة، بحسب الأمم المتحدة.
وعبّرت البعثة الأممية عن مخاوفها من مشروع قانون جديد باسم “الحجاب والعفة”، الذي يوشك مجلس صيانة الدستور الإيراني على الموافقة عليه، ويحتوي عقوبات أشد صرامة على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، بما في ذلك غرامات مالية باهظة، وأحكام بالسجن أطول من السابق، وقيود على العمل والتعليم والسفر.
وعود ولا تغيير
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن بزشكيان، أمس الإثنين، أنه وجّه الوزراء لتعيين المزيد من النساء وأبناء العرقيات كمعاونين، وأنه تحدّث عن “مأسسة الانسجام في إطار القانون”، دون توضيح التفاصيل.
وشهدت إيران، هذا العام 2024، أحداثاً بارزة كوفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته ومسؤولين آخرين في أيار/ مايو الماضي، وانتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان خلفاً له، ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو الماضي.
وكان الرئيس الإيراني الجديد “بزشكيان” قد تعهد خلال حملته الانتخابية بالقيام بإصلاحات، من بينها تمثيل النساء والأقليات والشباب في حكومته وتحسين الحريات، وإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
لكن الديبلوماسي الإيراني محمد جواد ظريف أعلن، في 11 أغسطس الماضي، استقالته من منصبه كمعاون استراتيجي للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وذلك بعد أقل من عشرة أيام على اقتراح اسمه كوزير للخارجية.
وعلل “ظريف” استقالته بأن القائمة المقترحة للوزراء، “لا تمثل الأقليات والنساء والشباب في إيران”.
وقدم الرئيس الإيراني قائمة مقترحاته للوزراء، والتي تضمنت فرزانه صادقي كوزيرة للطرق والإسكان، وهي المرأة الثانية فقط التي يتم تعيينها وزيرة في عهد “الجمهورية الإسلامية”.
وفي 21 أغسطس، وافق البرلمان الإيراني على جميع الوزراء الذين اقترحهم الرئيس مسعود بزشكيان لحكومته الجديدة.
ويبدو أن الأحداث الخطيرة في البلاد مؤخراً، بما فيها الرئيس والحكومة الجديدين، لم تؤثّر في عزيمة المدافعين عن الحقوق عموماً والمرأة خصوصاً، كما أن انشغال السلطات بتصعيد التهديدات ضد إسرائيل التي تزيد هجماتها على غزة وجنوب لبنان ومواقع في سوريا لم يمنعها من الحفاظ على قبضتها الأمنية وتنفيذ المزيد من الاعتقالات والإعدامات.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إن السلطات في إيران أعدمت 87 شخصاً على الأقل خلال مدة شهر واحد أعقب انتخاب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان الذي يعتبر “إصلاحياً”.
وفي السادس من آب/ أغسطس الماضي، أعدمت السلطات الإيرانية رضا رسايي البالغ 34 عاماً، والذي ينتمي إلى الأقلية العرقية الكردية وأقلية يارسان الدينية، من دون إبلاغه أو إخطار أسرته أو محاميه.
وقالت منظمة العفو الدولية إن إعدام رسايي تم على خلفية انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية” التي اندلعت عام 2022، وفي وقت تمحور اهتمام وسائل الإعلام على التوترات الإقليمية مع إسرائيل.
وصفت المنظمة تنفيذ الإعدام السريّ بـ “عملية تعسفية مقيتة بحق شاب تعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي، قبل أن يُحكم عليه بالإعدام بعد محاكمة صورية”.
وعرضت وكالة “هرانا” في تقريرها بمناسبة الذكرى الثانية لمقتل مهسا أميني شهادات للمعتقلات في سجن إيفين والانتهاكات بحقهن.
ودعت المجتمع الدولي لدعم حركة “المرأة، الحياة، الحرية” ليس فقط عندما تتصدر عناوين الأخبار، بل بشكل دائم، معتبرة أنها جزء حيوي من النضال العالمي من أجل العدالة والكرامة الإنسانية وسيادة القانون.