الحرب في درعا بالجنوب السوري جبهات، لكن الجبهة الأكثر اشتعالاً اليوم هي الجبهة الصحية، وأكثر ما يُشعلها اليوم هو داء السرطان، “وحربي مستمرة منذ عام ونصف، وأنا صامد حتى اليوم، لكن السؤال: هل أنا قادر بعد على الصمود؟”. يسأل فادي خلف (40 عاماً) هذا السؤال راوياً معاناة لا تنتهي.
يقول خلف لـ”963+”: “الشجاعة والإصرار مهمان، لكن هل يكفيان؟ أبداً”. وخلف مدرّس في المرحلة الإعدادية بإحدى مدارس ريف درعا الغربي، أخبروه قبل عام ونص تقريباً أنه قبل مصاب بسرطان الرئتين من الدرجة الثالثة. بدأ رحلة العلاج لدى أحد الأطباء المختصين في مشفى البيروني بضواحي العاصمة دمشق، “فهو الوحيد الذي يقدم علاجاً مجانياً للأمراض السرطانية، ويأتيه المرضى من محافظات سورية عدة، وما زلت أقصده كل 15 يوماً لتلقي جرعة العلاج الكيميائية وبعض الأدوية المساعدة الأخرى”.
بعد الجرعة، يحتاج خلف ليومي راحة، يقول: “يرتاح الجسد قليلاً، لكن النفس لا تطمئن، خصوصاً كلما أنظر إلى نفسي في تلك المرآة، فأجد شعر رأسي وحاجبيّ قد تساقط”. وينبّه خلف إلى أن الدواء لا يتوفر دائماً في المشفى، “فقد اضطررت لشراء 3 جرعات من حسابي، ويصل ثمن الجرعة إلى 50 دولاراً، وهذا مبلغ مالي كبير جداً بالنسبة إلى مريض بالسرطان، له 4 أولاد، ولا يعمل”.
إلى أهوال المرض والفقر، عليه أن يعاني أهوال المرور على الحواجز العسكرية التي نصبتها القوات الحكومية، وقد تزايد خوفه بعد اعتقاله اسبوعين كاملين في دمشق رغم حالته الصحية والتقارير الطبية التي يحملها.
إلى دمشق
لا يوجد في محافظة درعا مركز لعلاج الأمراض السرطانية، وعلى المريض أن يقصد مشافي البيروني وابن النفيس والطب النووي ومشفى الأسد الجامعي و المواساة في دمشق بحسب ما قال الطبيب مروان الزعبي، الذي يقيم في ريف درعا الشرقي، مضيفاً لـ”963+”: “لا نعرف عدد مرضى السرطان في درعا، لأننا ببساطة لا نملك في المحافظة مشفى متخصص يأتيه هؤلاء المرضى. أحياناً، يذهب المريض إلى دمشق متحملاً مشقة الطريق، ومتكلفاً أجور المواصلات، فيدفع أحياناً أكثر من 60 دولاراً، فلا يجد جرعة متوفرة، إذ لا تبلغهم إدارة المشفى بذلك إلا بعد وصولهم”، وهذا يتكرر مع عدد كبير من المرضى، “فهذا وحده يسيء إلى حال المريض النفسية”.
وبحسبه، يتراوح سعر الجرعات اللازمة لعلاج السرطان في القطاع الخاص بين عشرين مليون ليرة سورية (1300 دولار تقريباً) وخمسين مليون ليرة (3400 دولار تقريباً)، بحسب الحالة الورمية، مضيفاً: “التكاليف لا تتوقف على ثمن الدواء، إنما هناك تكاليف أخرى مثل الاستقصاءات التي يطلبها الطبيب لتشخيص الحالة أو خلال فترة العلاج مثل صورة الرنين المغناطيسي التي يتجاوز سعرها في المشافي الخاصة أكثر من أربعة ملايين ليرة سورية (270 دولار تقريباً) وصور الطبقي المحوري و التحاليل الروتينية، ويمكن المريض إجراء صورة بالرنين المغناطيسي مجاناً في مشفى المجتهد بدمشق لكن عليه انتظار دوره، وقد ينتظر ثلاثة أشهر”.
وإذا تم التشخيص المتأخر، “على المريض أن يدخل المستشفى فترات طويلة، ولا مشافي حكومية في درعا مجهزة لاستقبال مرضى السرطان”، كما يقول الزعبي، فيضطر الأطباء تحويله إلى مشافي العاصمة، لافتاً إلى أن عدد الأطباء انخفض بشكل كبير في الأعوام الماضية، ولهذا يرتفع أجر الطبيب في درعا كما في دمشق.
مرض بلا أدوية
أصيبت فادية محمد تروي بمرض “ليمفوما ساركوما هودجكين”، وهو أحد الأمراض السرطانية المعروفة، ولم تكتشفه إلا بعد عام كامل من ظهور كتلة في ظهرها. تروي لـ”963+”: “بدأت العلاج في درعا، وعالجني طبيب خاص استعان بالتحاليل المخبرية والصور الشعاعية لتحديد مرضي بشكل دقيق، وكنت أدفع في كل مرة أزوره نحو 50 دولاراً للسيارة التي تقلني”.
توضح المريضة أن ما يتلقاه مريض السرطان من أدوية “هو المتوفر في السوق، ولا خيارات بديلة، ولا دعم من أي مؤسس حكومية أو أهلية في محافظة درعا، فأنا وغيري نتحمل مصاريف العلاج على نفقتنا الخاصة، إضافة للمواصلات… فقد دفعت 8 ملايين ليرة (540 دولاراً تقريباً) مقابل جرعة الدواء، والسعر في تصاعد، ولا يقل عدد الجرعات اللازمة عن 10 جرعات”.
وبحسبها، يضطر المريض أحياناً إلى تأجيل الجرعات، بسبب عدم توافر المال اللازم للدواء أو للمواصلات، منوّهة بأنها استطاعت تأمين تكاليف العلاج من خلال مساعدات قدمها أقاربها وأصدقائها خارج سوريا.
يقول الزعبي: “في الحقيقة، لا نعرف أي أدوية وعقاقير يتناول مرضى السرطان في محافظة درعا، ولا نعرف إن كانوا يتناولون الدواء الصحيح، خصوصاً أن ثمة توجه نحو أدوية هندية أو كورية لأنها أرخص وتسد فجوة شحّ الأدوية وهي غير فعالة، وهناك ملاحقات أمنية للحد من الأودية المهربة من لبنان والأردن”.