خاص – أحمد عبد الرحمن/إدلب
في مخيم الأندلس بلدة زردنا بريف إدلب الشمالي، تقطن أكثر من 350 عائلة نازحة من مناطق سورية مختلفة، “تعاني غالبيتها من هجمة الأمراض الجلدية، كالجرب وحبة اللاشمانيا، التي اجتاحت المخيم قبل 3 أشهر”، كما يقول محمد دعيمس، مدير المخيم، لـ”963+”.
ومخيم الأندلس هذا عينة فحسب لما تمر به مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا من ظروف صعبة، تنذر بكارثة بيئية وصحية، بعد خفض الدعم الدولي المقدم لخدمات “الووش” لتزويد المياه الصالحة للشرب وترحيل النفايات والصرف الصحي إلى أماكن مخصصة لذلك، “ما أدى إلى تراكم القمامة في شوارع المخيمات وأزقتها، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، ما نتج عنه انتشار أمراض جلدية وتنفسية بين الأهالي، وسط عجز المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية عن اجتراح حلول تحدّ من هذه الكارثة”، بحسب دعيمس.
ويردّ مدير مخيم الأندلس هذا الوضع المأساوي في المخيم إلى تراكم النفايات ومخلفات الصرف الصحي بعدما أوقفت منظمة “إحسان” الإنسانية خدماتها، مناشداً الجهات المختصة والمنظمات المحلية “إيجاد حلّ سريع وإسعافي للتخلص من الأوساخ التي تهدد حياة الصغار والكبار، وتؤثر سلباً في البيئة المحيطة”.
أحمد الحسن مسنّ رمته مصائب الحياة في مخيم الأندلس نفسه، نزح إليه من ريف حماة الشرقي. يروي لـ”963+”: “لقد أوقفت المنظمات الأهلية والإنسانية مساعداتها التي كانت في الأصل هزيلة، فتراكمت القمامة بجانب الخيام، فحام الذباب وانتشرت الحشرات، فنقلت الأمراض الجلدية إلى الأطفال، وترى الناس ’رايحة جاي‘ إلى المستوصف، ليعالجوا أطفالهم من داء الجرب”.
كأولادنا وأعزّ!
“وأزيدك من الشعر بيت يا بني”… هكذا قاطعنا ياسر حبوب، وهو كفيف يقطن المخيم نازحاً من محافظة حلب، مضيفاً لـ”963+” بلهجة ساخرة: “البعوض أكلنا، والصراصير تعيش بيننا مثل أولادنا وأعزّ، والقوارض تأكل طعامنا فنتناول ما تتركه لنا من فتات، والروائح الكريهة تزكم أنوفنا، حتى ألِفناها وصارت كأي عطر فاخِر، خصوصاً في هذا الصيف الحار، حين تتحلّل النفايات بسرعة فائقة… وأنا أرى (يضحك) أن لا مستقبل أمامنا”، مذكراً بابنه المعوّق الذي يحتاج إلى عناية صحية غير متوفّرة.
بالضبط.. شرّ البلية ما يضحك. يعود الحسن المسنّ إلى استلام دفة الحديث: “نقل النفايات خارج المخيم بحاجة إلى تمويل يأتي من السلطات والمنظمات، إضافة إلى إشراف مباشر من المسؤولين، فأغلبية النازحين يعيشون تحت خط الفقر، ولا نستطيع أن نلبي طلبات التبرّع التي تُطلق هنا وهناك”، إذ تعمل لجنة مستقلة في مخيم الأندلس على جمع بعض التبرعات من الأهالي، لترحيل القمامة كل عشرة أيام، “لكن المطلوب ترحيلها بشكل يومي في ظل الكثافة السكانية في الخيم، والمبادرة إلى تقديم الطبابة اللازمة للمرضى قبل أن ندخل في مرحلة التفشي الوبائي للجرب والليشمانيا”، كما يقول دعيمس.
يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن 41% من هذه المخيمات، أي ما يعادل 460 من بين 1100 مخيم، “تفتقر إلى دعم أساسي لخدمات الووش، وأن نقص التمويل يهدد أكثر من 190 مخيماً آخر للنازحين في إدلب وريف حلب لخطر انقطاع المساعدات والخدمات بحلول شهر أيلول/ سبتمبر المقبل. إضافة إلى ذلك، قد يتوقف 50٪ من جميع المرافق الصحية العاملة في شمال غرب سوريا عن العمل بشكل كامل أو جزئي بنهاية العام الجاري.
المراهم لا تنفع
ويلاحظ خالد خطاب، من أهالي ريف إدلب الجنوبي، في حديثه لـ”963+” إن علاج الحالات المصابة بهذين المرضين “يتم بالمراهم التي تقدمها المستوصفات الصحية، لكنها لا تجدي نفعاً مهما كانت فعاليتها وتأثيرها، فالمرضان يتفشيان سريعاً بالعدوى، ولا حلول جذرية لمعالجة المشكلة الرئيسية التي تسبب المرض، أي تعميم السلامة البيئية والصحة العامة في المخيم، من خلال حملة نظافة موسّعة وشبه يومية”.
يعقّب الطبيب جمعة اليسوف، مدير مديرية الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة التابعة لـ”حكومة الإنقاذ السورية”، على ملاحظة خطاب مسلطاً الضوء على المخاطر الصحية الكبيرة التي يسببها تراكن القمامة وسوء إدارة الصرف الصحي المكشوف داخل المخيمات، قائلاً لـ”963+”: “لا يؤدي هذا إلى انتشار أمراض جلدية وطفيلية فحسب، مثل الليشمانيا والجرب، ولكن أيضاً إلى تفشي الأوبئة الجرثومية مثل الملاريا والتيفوئيد والزُحار، والمطلوب فعلياً عمل سريع على جبهتي النظافة العامة والسلامة البيئية”.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “OCHA” قد قال في وقت سابق إن أكثر من 4 ملايين شخص في شمال غرب سوريا، يمثلون 80% من السكان، بحاجة إلى دعم في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة خلال العام الحالي، لافتاً إلى أن هذا القطاع هو الأقل تمويلاً.
لا تحرقوها
فماذا لو أحرقناها؟ سؤال مطروح دائماً في المخيم، يُجيب عنه اليسوف قائلاً: “حرق القمامة في شوارع المخيمات أو قرب خيامها يسبب انبعاثاً لغازات سامة في الهواء، وهذا يهدد بإصابة الجهاز التنفسي عند الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص بأمراض خطيرة، منها ذات الرئة”.
يضيف: “فقدان النظافة الشخصية والبدنية والآثار البيئية غير الصحية تؤدي إلى الإصابة بالأمراض الجلدية والطفيلية، ولها تأثير كبير على الصحة النفسية، وهذه الحالات المرضية غير سهلة، تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً من الجهات الحكومية، بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية، والأولوية لتحسين إدارة النفايات والصرف الصحي في مخيمات شمال غرب سوريا”.
فقد محمد جمعة، النازح من معرة النعمان، طفلاً رضيعاً نتيجة مضاعفات مرضية داخل خيمته قبل أقل من عام، وهو يعاني اليوم في تأمين العلاج الكافي لإثنين من أطفاله المصابين بالجرب واللاشمانيا. وهذا مثال يتمسك به اليسوف ليؤكد “أن الأمر لا يحتمل أي تأجيل أو إهمال، فنحن نقف على مشارف كارثة صحية لا تقلّ خطورتها عن خطورة الحرب نفسها، وتوزيع أدوية للجرب وللتخلص من القمل ومتابعة الحالات المصابة بالجلدية لا يكفي، متى استمرت الأسباب”.