بيروت
في ظل التوترات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، يواجه اللاجئون السوريون أوضاعاً صعبة للغاية، إذ يعيش أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري في ظروف محفوفة بالمخاطر. هذه الأزمة تتفاقم مع تصاعد التحريض ضدهم، ومخاطر الترحيل القسري الذي يلوح في الأفق، ليزيد من تعقيد وضع اللاجئين الذين فروا من الحرب والاضطهاد في سوريا.
وفي الأشهر الأخيرة من هذا العام، تصاعدت حدة التوترات بين اللاجئين السوريين والمجتمع اللبناني. تعاني لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث تتجاوز نسبة التضخم الحدود الطبيعية، مما دفع البعض إلى تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية عن تدهور الوضع الاقتصادي.
ففي نيسان/ أبريل 2024، دعا وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي إلى تشديد تطبيق القوانين على اللاجئين السوريين في هذا البلد، وذلك بعد حادثة مقتل مسؤول محلي في حزب القوات اللبنانية. تم توقيف سبعة سوريين للاشتباه في ضلوعهم في الجريمة.
وأدى ذلك إلى أحداث عنف ضد اللاجئين شملت الاعتداءات الجسدية، وحرق المخيمات، وتصاعد العداء الاجتماعي بشكل عام.
مخاطر الترحيل القسري
رغم التحذيرات الدولية، لا يزال ملف الترحيل القسري على طاولة الحكومة اللبنانية. تقوم السلطات اللبنانية بترحيل السوريين الذين لا يحملون تصاريح إقامة قانونية، مستندة إلى قوانين صادرة عام 2019.
وفي جلسة عقدت في 15 مايو 2024، قدم البرلمان اللبناني توصيات للحكومة تتضمن إعادة اللاجئين إلى سوريا بمهلة أقصاها سنة واحدة. كما تم التأكيد على أهمية التعاون مع الجانب السوري لتنظيم عمليات العودة الطوعية، عبر لجنة وزارية تم تشكيلها.
ومن جانب آخر، تتصاعد الحملات الإعلامية والسياسية في لبنان الداعية لترحيل السوريين، وقد أصدرت بعض البلديات أوامر بإخلاء السوريين من منازلهم ومناطق سكناهم، مما يزيد من معاناتهم ويجعلهم عرضة للاعتقال والترحيل.
ومنذ بداية عام 2024 وحتى الآن، رحل لبنان 433 لاجئاً سورياً واعتقل تعسفياً 685 آخرين. هذه الأرقام موثقة من قبل مركز وصول لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى أن العدد الفعلي للمرحلين قد يكون أعلى بكثير، حيث يُقدر أن يكون عدد المرحلين هذا العام بنحو ألف سوري.
وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى ترحيل 13,772 فردًا من لبنان أو إرسالهم إلى الحدود السورية في عام 2023.
ووفقًا لتقارير حقوقية، فإن اللاجئين المرحلين يواجهون مخاطر كبيرة مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب على يد الأجهزة الأمنية السورية.
وأصدر مركز وصول لحقوق الإنسان تقريرًا في كانون الثاني/ يناير 2024، كشف عن حملة أمنية عشوائية تنفذها السلطات اللبنانية لترحيل اللاجئين السوريين قسرًا.
ونفذ الجيش اللبناني مداهمات لمنازل يقيم فيها لاجئون سوريون، ورحل العديد منهم بموجب إجراءات موجزة، مما أثار انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية.
ووثق التقرير 1080 حالة اعتقال تعسفي و763 حالة ترحيل قسري إلى سوريا خلال عام 2023. وأشار التقرير إلى تعرض اللاجئين لمعاملة قاسية وتعذيب أثناء الاعتقال.
وتؤكد منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، أن هذه الانتهاكات تعرض حياة هؤلاء اللاجئين للخطر، في ظل انعدام الأمان في سوريا.
ماذا عن مخاطر العودة إلى سوريا؟
في 17 أيار/ مايو 2024، أكدت قبرص أنها من بين ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تدعم إعلان مناطق آمنة في سوريا للسماح بإعادة اللاجئين. هذه الدول تشمل النمسا، جمهورية التشيك، الدنمارك، اليونان، إيطاليا، مالطا، وبولندا. دعت هذه الدول إلى إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا بعد 13 عامًا من الصراع.
وتواجه دول الاتحاد الأوروبي ضغوطًا لإعادة النظر في علاقاتها مع النظام السوري كجزء من جهود مواجهة تدفق اللاجئين.
إيطاليا كانت قد بدأت بالفعل في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مما يشير إلى تحول محتمل في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا.
ورغم التصريحات الرسمية للحكومة السورية التي تعلن ترحيبها بعودة اللاجئين، إلا أن الوقائع على الأرض مختلفة تمامًا.
وتشير العديد من التقارير إلى أن العائدين يواجهون خطر الاعتقال والتعذيب. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش، حالات عديدة لأفراد تم اعتقالهم فور عودتهم إلى سوريا، خصوصًا في المناطق الحدودية مثل معبر المصنع، حيث يتعرضون للتحقيقات الأمنية القاسية.
كما أن البنية التحتية في سوريا لا تزال متدهورة في معظم المناطق، ما يجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة.
وأكد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، أن البلاد لا تزال في حالة صراع عميق، حيث يعاني المدنيون من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان. وأضاف: “الوضع الأمني المتدهور يساهم في خلق بيئة من الخوف والعنف، مما يزيد من صعوبة عودة اللاجئين بأمان”.
مساعدات مالية ودعوات لوقف الترحيل
على الصعيد الدولي، يحظى لبنان ببعض الدعم المالي لتخفيف وطأة أزمة اللاجئين. فقد أعلنت المفوضية الأوروبية، عن تقديم مساعدات مالية تصل إلى مليار يورو حتى عام 2027 لدعم استقرار لبنان والحد من الهجرة غير الشرعية.
وزارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبنان وقدمت مساعدة مالية بقيمة مليار يورو لدعم الاستقرار، لكن هذه المساعدة اعتبرت من قبل البعض “كرشوة” لإبقاء اللاجئين السوريين ومنع هجرتهم إلى أوروبا.
وأصدرت 19 منظمة لبنانية ودولية بيانًا مشتركًا يدعو لبنان إلى وقف عمليات الترحيل القسري للسوريين، مشيرة إلى أن هؤلاء الأفراد يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب في سوريا. وأكد البيان أن السلطات اللبنانية تستخدم اللاجئين ككبش فداء للتغطية على إخفاقاتها الاقتصادية.
وعلى الرغم من ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي، ومعه العديد من المنظمات الدولية الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في الوقت الراهن، مشددين على أن الظروف الأمنية والإنسانية في سوريا لا تزال غير ملائمة للعودة الآمنة والطوعية.
وأعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها بشأن عمليات الترحيل القسري، مؤكدة على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين من الإعادة القسرية.
التحديات التي يواجهها اللاجئون في لبنان
تتفاقم مشاكل اللاجئين السوريين في لبنان، إذ يعيش أكثر من 90٪ منهم تحت خط الفقر. الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان جعلت من الصعب عليهم الحصول على فرص عمل قانونية أو حتى البقاء بشكل شرعي.
وخلال الفترة من 4 أيار/ مايو 2023 إلى 24 تموز/ يوليو 2024، واجه اللاجئون السوريون في لبنان العديد من التحديات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
إذ يعاني 80٪ من اللاجئين من عدم امتلاكهم تصاريح إقامة شرعية، ما يعرضهم لخطر الاعتقال والترحيل.
كما أن اللاجئين يواجهون تمييزًا عنصريًا وتضييقات قانونية، منها منعهم من التجول في بعض المناطق، وهو ما يعمق من عزلتهم الاجتماعية.
إلى جانب ذلك، يواجه اللاجئون تحديات في الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم. الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان انعكست سلبًا على الخدمات الأساسية، مما يجعل الوضع أكثر سوءًا بالنسبة للاجئين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية بشكل كبير.
ومع انخفاض تلك المساعدات بسبب نقص التمويل، ازداد الوضع سوءًا، حيث تضاءلت فرص الحصول على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية.
التوزيع الجغرافي للاجئين السوريين في لبنان يتركز بشكل رئيسي في عدة مناطق رئيسية، حيث يعيش معظم اللاجئين في ظروف صعبة. وفقًا للمصادر المتاحة، فإن التوزيع الجغرافي للاجئين السوريين في لبنان هو كما يلي:
البقاع: تعتبر منطقة البقاع من أكثر المناطق كثافة باللاجئين السوريين، حيث يعيش فيها حوالي 35.8% من اللاجئين. هذه المنطقة تشهد تواجدًا كبيرًا للاجئين بسبب قربها من الحدود السورية وسهولة الوصول إليها.
شمال لبنان: تضم هذه المنطقة حوالي 26.1% من اللاجئين السوريين. المناطق الشمالية مثل عكار تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين نظرًا لكونها من أفقر المناطق في لبنان.
بيروت: يعيش في العاصمة اللبنانية بيروت حوالي 26.1% من اللاجئين السوريين، حيث يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بالعمل والسكن
جنوب لبنان: تحتوي هذه المنطقة على حوالي 12% من اللاجئين السوريين، وهي أقل كثافة مقارنة بالمناطق الأخرى.مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان يظل غامضًا في ظل استمرار التوترات السياسية والاجتماعية.
وفي ظل غياب الحلول السياسية في سوريا، يبقى هؤلاء اللاجئون عالقين بين مخاطر العودة القسرية إلى وطنهم والمصاعب الاقتصادية والإنسانية التي يواجهونها في لبنان.
وتتطلب الحلول الدائمة تدخلًا دوليًا شاملًا يأخذ في الاعتبار احتياجات اللاجئين وحقوقهم الإنسانية، مع ضمان عدم عودتهم إلى بيئة قد تعرضهم للخطر.
اللاجئين السوريين ـ سوريا ـ لبنان ـجنوب لبنان ـ بيروت ـ شمال لبنان ـالبقاع