الحسكة
سيّرت الدول المتدخلة في الحرب في سوريا، هذا الأسبوع، دوريات عسكرية في محافظات الحسكة والرقة وإدلب شمالي البلاد، بالتزامن مع قيامها باستقدام تعزيزات أو شن هجمات في المنطقة.
وعادت الدوريات الروسية المشتركة في مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرقي سوريا، بعد نحو عام من انقطاعها، بالتزامن مع دوريات أميركية جابت منطقة الرقة، ودوريات تركية معتادة في إدلب.
ورغم أن لكلّ من هذه الدول أهدافها الخاصة وغير المنسجمة مع سياسات الأخرى، إلا أنها تتمكن من تسيير دورياتها والقيام بأنشطتها العسكرية في الوقت نفسه، بما فيها إيران التي تتكتّم نسبياً على تواجدها وأهدافها على حد سواء.
وبعد مرور أكثر من 13 عاماً على الحرب في البلاد، لا يزال التساؤل البارز هو إلى أين يتمّ اقتياد الشمال السوري؟ هل ستشهد البلاد المزيد من التمزق خلال الفترة القادمة؟ أم أن هذه القوى ستلجأ لخيارات جديدة لضمان تحقيق أهدافها؟
دوريات روسية تركية
والإثنين الماضي، سيّرت الشرطة العسكرية الروسية دورية مشتركة مع الجيش التركي في ريف كوباني شمال الرقة، وهي الدورية الثانية في كوباني خلال أسبوع، وبعد نحو عام من توقف الدوريات المشتركة بين الجانبين.
وكان الجانبان قد سيّرا مئات الدوريات المشتركة منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 2019 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، قبل توقفها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
والخميس الماضي، عرقل محتجون في قرية ديرونا آغي، شرق القامشلي، تسيير دورية روسية تركية مشتركة، ما دفع الجنود الروس لإطلاق الرصاص لتفريق المحتجين، كما دهست عربة عسكرية روسية
فتاة تم نقلها للمشفى
وقبلها بأيام، اشترك الجانبان الروسي والتركي في تسيير دورية بريف الدرباسية، قرب الحدود السورية التركية شمال الحسكة.
وتضطر تركيا للاستعانة بالقوات الروسية لتتمكن من تسيير دورياتها في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، بينما يمتلك جيشها القواعد العسكرية والنفوذ المباشر في منطقة سيطرة فصائل الجيش الوطني الموالي لها.
ولا يوجد استثناء في الأراضي السورية بالنسبة للتنسيق بين روسيا وتركيا وإيران، وهي المتشاركة في صيغة أستانا، فقد سيّرت تركيا دورية على طريق إدلب- سرمين الإثنين الماضي، واجتمعت قبلها مع ممثلين للقوات الروسية والإيرانية في سراقب الخاضعة لقوات الحكومة السورية.
ذلك رغم أن الحكومة السورية توافق على تدخل موسكو وطهران في أراضيها وتعتبر تدخل أنقرة انتهاكاً للسيادة السورية، وهو ما يعكس مجدداً الواقع المتأزّم في البلاد.
ويأتي استئناف الدوريات الروسية التركية بالتزامن مع ازدياد الحديث عن اجتماع مرتقب بين الرئيسين السوري والتركي لتطبيع العلاقات بين البلدين، وهو ما تؤيده موسكو وترفضه واشنطن.
في ظل أزمة التصريحات.. ماذا نعرف عن ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق؟
دوريات أميركية
وخلال الأيام القليلة الماضية، سيّرت القوات الأميركية دوريات في مدينة الرقة وريفها بحثاً عن 5 عناصر لتنظيم “داعش”، عقب فرارهم من أحد مراكز الاحتجاز في الرقة الأسبوع الماضي.
وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي، الثلاثاء الماضي، أن قوات سوريا الديموقراطية ألقت القبض على اثنين من الفارين الخمسة، وهما ليبي وروسي، بينما يستمر البحث عن 3 آخرين، هم
روسي وأفغانيّان اثنان
ويتركّز الاهتمام الأميركي في سوريا على خطر تنظيم “داعش” وضمان عدم ظهوره من جديد، وذلك عن طريق عمل التحالف الدولي مع شركائه في “قسد” شمال وشرق البلاد، وشن غارات جوية على قياديي التنظيم في مناطق سيطرة المعارضة أو الحكومة.
أعلنت قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، في 20 آب/ أغسطس الفائت، القبض على 4 عناصر لـ”داعش” في الحسكة وريفها، ومصادرة صواريخ محلية الصنع كانت معدّة لاستهداف قواعد التحالف الدولي.
وأعلنت “قسد” بعد أيام مقتل عمر الشامي، أحد متزعمي التنظيم في بلدة البصيرة بريف دير الزور، قالت إنه كان مشاركاً في الهجوم الذي نفذه “داعش” على سجن “الصناعة” في الحسكة بداية العام 2022.
خصومات وحسابات
وتضم 20 منشأة احتجاز تابعة لـ”قسد” أكثر من 9000 معتقل من عناصر وقياديي تنظيم “داعش”، “وهو بالمعنى الحرفي جيش لداعش قيد الاحتجاز”، على حد تعبير الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية.
وواشنطن ليست على وفاق أيضاً مع روسيا لا سيما في فترة ما بعد الحرب في أوكرانيا، وكذلك القوات الإيرانية التي تعمل مع فصائل سورية موالية لها على زيادة نفوذها في عدة مناطق داخل البلاد، أحدها غرب الفرات في دير الزور المتاخمة لمنطقة عمل قوات التحالف الدولي على الضفة الشرقية للنهر.
ولا تخلو الساحة من محاولات إيران الانتقام لتضرر مصالحها الإقليمية والدولية عن طريق دفع مجموعات عراقية وسورية لاستهداف القوات الأميركية.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 69 هجوماً نفذتها الفصائل الموالية لإيران على القواعد العسكرية الأميركية في سورية منذ مطلع العام الحالي 2024 وحتى نهاية الثلث الأول من آب/ أغسطس الماضي.
نموذج في الجنوب
وفي غضون رسم الأطراف الإقليمية والدولية أهدافها المباشرة في البلاد والدفع باتجاه تحقيقها، تبقى أطراف النزاع السورية تطمح لتحقيق حد أدنى مما كانت تسعى إليه، لكن القوى الداعمة لكل منها لا تتحرك إلا وفق مصالحها الخاصة.
ويعلن نظام الرئيس بشار الأسد كل فترة الانتصار على “الإرهابيين والانفصاليين”، ويحلم باستعادة الشمال وعودة البلاد إلى ما قبل عام 2011، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن حلفاءه الروس والإيرانيين لن يحققوا ذلك حرفياً.
ويبدو الجنوب السوري تجربة لما ينتج عن انتصار الحكومة، إذ أنتجت المصالحات بين الحكومة والمطلوبين لها بعد وساطة روسية، جماعات مسلحة متعددة، ومنطقة انتشر فيها السلاح وكثرت الجرائم وانتعشت تجارة المخدرات فيها.
كما تظهر البوكمال والميادين والبلدات الأخرى شرق دير الزور مسرحاً للقوات الإيرانية التي تستقدم المزيد من التعزيزات لتقوية نفوذها وتحقيق أهدافها.
لا حوارات في الداخل
وفي شمال شرقي سوريا تسعى”قسد” للتمتع بإدارة لا مركزية والاحتفاظ بخصوصية المنطقة المتنوعة عرقياً ودينياً، لكن تبدو حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، مهتمة بمحاربة تنظيم “داعش” ومنعه من تهديد الاستقرار الإقليمي والدولي.
وأعلنت الإدارة الذاتية الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، الخميس، تفويض إدارات المناطق التابعة لها إجراء انتخابات البلديات التي أرجأتها مرتين سابقاً بعد رفض وتهديدات من دمشق وأنقرة.
ولمرات عديدة، فشلت مفاوضات بين الإدارة الذاتية، والحكومة في دمشق، وتدهورت العلاقة بينهما في تموز/يوليو الفائت لأدنى مستوياتها حين هاجمت القوات الحكومية والمجموعات الموالية لها في دير الزور مناطق تسيطر عليها “قسد” شرق الفرات.
وردت “قسد” بمحاصرة المساحات المحدودة التي تسيطر عليها القوات الحكومية في مدينتي القامشلي والحسكة حتى تم التوصل بعد وساطة روسية لتهدئة لم يتم الإعلان عن بنودها رسمياً.
والإثنين الماضي، قالت الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية لدى الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، في مقابلة على قناة “الحدث” السعودية، إن علاقتهم مع واشنطن “تقتصر على مكافحة الإرهاب”.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد اتهم الأكراد بخضوعهم للقرارات الأمريكية أثناء طرح التفاوض مع الحكومة السورية، بينما ردت المسؤولة الكردية بأن “دمشق هي التي تبحث عن الحوار مع تركيا وترفضه معنا”.
قيادية في “الإدارة الذاتية”: دمشق غير منفتحة على الحوار معنا
ترقّب واحتجاجات
وتبدو المباحثات السورية التركية المرتقبة تهديداً لـ”قسد” والإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد، إذ نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة في دمشق عن ديبلوماسي لم تسمّه قوله إن من المحتمل تجديد اتفاقية أضنة الأمنية الموقعة عام 1998 والتي تسمح لتركيا بالتدخل ضمن الأراضي السورية دفاعاً عن أمنها.
ولا تبدو المخاوف في شمال غربي سوريا من لقاء الرئيسين السوري والتركي المرتقب أقل من الشمال الشرقي، فتخلي تركيا عن حماية الموالين لها داخل الأراضي السورية وتسليمهم للنظام هو خذلان برأي المعارضين، بالإضافة لمصير أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية.
ويدل موضوع بحث تحديد “الإرهابيين” بين سوريا وتركيا، إلى أن الوصف سيشمل كل معارضي الأسد وأردوغان إذا ما تمت الصفقة وتجاوزت العقبات أمامها.
وحتى قبل عقد اللقاء بدأت الاحتجاجات ضد التصريحات التركية شمال غربي البلاد، واستمر مسلحون تابعون للمعارضة منع عمل معبر “أبو الزندين” بريف حلب مع المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، بعد أكثر من أسبوعين من قرار افتتاحه.
وتجتهد القوى الإقليمية والدولية في سوريا في التوصل لنسيج يجمع أهدافها غير المنسجمة أصلاً، والتي يشكك البعض في إمكانية سيرها جنباً إلى جنب.
إلا أن دوريات هذا الأسبوع سارت متزامنة في الشمال، ما يعني أن ينتظر من يتكبدون المعاناة في مختلف مناطق النفوذ، وخاصة مع التدهور الاقتصادي وسط وجود أكثر من 6 ملايين نازح في البلاد.
#مسلحين #إرهابيين #سوريا #أمريكا