خاص – قتيبة عزام/السويداء
كشك. مكدوس. زيت وزيتون. دبس البندورة. هذه كلمات “قيد الاندثار… بكل أسف”، كما يقول المواطن سمير حمد من مدينة السويداء في جنوب سوريا، معبّراً لـ”963+” عن خوفه من زوال تقليد “مونة الشتاء” بسبب الغلاء.
ومونة الشتاء في السويداء من أساسيات الحياة، تجهزها الأسرة في الصيف لأنها تعتمد عليها غذائياً في الشتاء، “لذا نبدأ رحلة التموين في منتصف آب/أغسطس من كل عام”، كما يقول حمد.
أبرز مفردات مونة الشتاء هو “الكشك” الذي يعدّ من البرغل ولبن الزبادي، و”المكدوس” الذي يعد بالباذنجان الذي يحشى بالفليفلة والثوم والملح والجوز والزيت ويكدّس في إناء زجاجي محكم الإغلاق بعد غمره بزيت الزيتون، والملوخية التي تُيبّس تحت الشمس وتخزن في أكياس من الكتان، والزيتون الأخضر والأسود الذي يسميه أهل السويداء “شيخ السفرة”، ومربى البندورة ويطلق عليه هنا اسم “دبس البندورة”، الذي يعدّ منزلياً باليد، فيستعمل في الطهو، ويؤكل في خبز مرقوق على الصاج ومغطّس بالزيت البكر.
حسابات دقيقة
الغلاء الفاحش يحرم أهل السويداء من مونتهم، ومن يستطيع تخزين بعض المونة، فإنه يخزّن القليل منها. “فعلى سبيل المثال، كانت الأسرة الواحدة تخزن ما لا يقل عن 50 كيلوغرام من المكدوس، أما الآن فالكمية تتراوح بين 10 و30 كيلوغراماً، حتى هناك أسر تموّن 5 كيلوغرامات فقط… للتذوق”، كما يقول حمد، مضيفاً: “سعر كيلوغرام الباذنجان اليوم 2000 ليرة سورية، فإن أرادت العائلة تموين 100 كيلوغرام، فثمنها 200 ألف ليرة سورية (13.5 دولاراً)، ويتراوح سعر لتر الزيت النباتي في السويداء بين 25 ألف و30 ألف ليرة سورية (بين 1.7 دولار ودولارين)، وقد ارتفع سعره في موسم تحضير المكدوس، ووصل سعر كيلوغرام الجوز إلى 150 ألف ليرة سورية (10 دولارات)”.
ويتابع هذا المواطن حساباته الدقيقة: “وصل سعر أسطوانة الغاز ’الحر‘ إلى 300 ألف ليرة سورية (20 دولاراً)، وإلا علينا أن ننتظر بين 40 و70 يوماً كي تأتينا رسالة الغاز عبر البطاقة الذكية، ولذلك تلجأ الأسر في السويداء أحياناً إلى سلق الباذنجان للمكدوس على الحطب”.
ويساعده تاجر الخضار كمال نصار قائلاً لـ”963+”: “قفز سعر الفليفلة من 7000 إلى 8000 ليرة سورية، فيما ارتفع كيلوغرام الثوم من 65 ألفاً إلى 80 ألفاً”.
وهكذا، ربما تصل كلفة كل كيلوغرام من مكدوس الباذنجان إلى نحو 350 ألف ليرة سورية (24 دولاراً).
ويعقّب المواطن عامر أبو غازي على حسابات حمد، فيقول لـ”963+”: “الأوضاع المعيشية في السويداء سيئة جداً، وما يزيد الطين بلة هو تزامن موسم المونة مع موسم العودة إلى المدارس، والأولوية للكتب والملابس المدرسية والقرطاسية”.
الشعب قايم
يعمل أبو غازي عاملاً مياوماً، أكثر من 12 ساعة يومياً، “والإيراد يكاد لا يكفي قوتنا اليومي، وفي كل عام نمنّي أنفسنا أن العام المقبل سيكون أفضل، لكن الحال ذاهب من سيء إلى أسوأ”. فيوميته تتراوح بين 40 أو 50 ألف ليرة سورية (بين 2.6 و3.5 دولارات)، “لذلك لا مكدوس على مائدتنا، ولا دبس بندورة، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه”.
“بسبب هذا الغلاء وهذا القهر، ’الشعب قايم’”، كما يقول محمود أبو صعب، الذي يملك “بسطة” خضار صغيرة في “ساحة الكرامة” وسط مدينة السويداء. ويضيف لـ”963+”: “الغلاء ليس جديداً، لكن الأسعار ترتفع أكثر فأكثر، ودخل المواطن لا يتيح له أن يشتري كل ما يريده، ولهذا على الناس أن تهتم بالتغيير… ’ولما تكون المعيشة غالية بيحسّ الإنسان بالذل، وبإنه كرامتو مهدورة‘”.
أما مؤيد فياض، وهو رب أسرة في السويداء وعاطل عن العمل وأحد المشاركين في احتجاجات ساحة الكرامة، فيصف غلاء الأسعار بـ”المصيبة التي حلت على المواطن”، متهماً الحكومة السورية باتباع أسلوب التجويع لتهجير الناس خارج سوريا.