في يوم الأحد 22 حزيران/يونيو 2025، شهدت العاصمة السورية دمشق واحدة من أكثر الهجمات دموية خلال السنوات الأخيرة، حينما استهدف تفجير انتحاري كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة شرقي المدينة، ونفّذ الهجوم انتحاري اقتحم الكنيسة أثناء تجمع نحو 200 مصلٍّ، وأطلق النار بشكل عشوائي قبل أن يفجر نفسه، ما أودى بحياة 22 شخصاً وأسفر عن إصابة 53 آخرين.
ومنذ اللحظة الأولى، وجّهت أصابع الاتهام إلى تنظيم “داعش”، وأعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان صدر الأحد، أن منفذ الهجوم هو انتحاري تابع لتنظيم “داعش”، “ونفّذ الهجوم وفق سيناريو دموي معروف: إطلاق النار بشكل عشوائي ثم تفجير نفسه باستخدام سترة ناسفة”.
اقرأ أيضاً: إدانات دولية وعربية واسعة لتفجير كنيسة في دمشق – 963+
“ بصمات داعش واضحة”
وفي قراءة تحليلية للهجوم، يقول مصطفى أمين عامر، الباحث المصري المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب، إن “التنظيم يقف وراء الهجوم بنسبة 99%”، موضحاً أن “تفاصيل العملية من بدايتها حتى نهايتها تحمل بصمات داعش بشكل لا لبس فيه”.
ويضيف عامر لـ”963+”: “ما جرى في كنيسة مار إلياس ليس سوى نسخة مكررة من هجمات داعش على الكنائس، كما حدث في سريلانكا ومصر. التنظيم يعتمد هذا التكتيك: الهجوم الانغماسي المسلح، ثم التفجير الانتحاري، لتحقيق أكبر قدر من الخسائر بين المدنيين”.
ويعكس هذا الهجوم، بحسب المختص في شؤون الجماعات المتطرفة، “مساعي التنظيم لإثبات وجوده في قلب العاصمة دمشق، بعد أن كان نشاطه متركزاً بشكل رئيسي في البادية والمناطق الريفية”.
ويقول: “داعش يرسل رسالة واضحة مفادها أنه لا يزال حاضراً في المشهد السوري، وأنه قادر على ضرب العمق السوري حتى في ظل القبضة الأمنية”.
ويضيف عامر: “هذا الهجوم لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة استغلال التنظيم لحالة الانشغال الدولي بملفات أخرى غير سوريا، ما مكّنه من التخطيط والتنفيذ رغم الإجراءات الأمنية المشددة”.
ويؤكد عامر أن اختيار كنيسة كمسرح للعملية “ليس صدفة، بل جزء من استراتيجية دعائية يتبعها التنظيم: الكنائس بالنسبة لداعش أهداف رخوة، لكنها في الوقت نفسه تحقق له زخماً إعلامياً كبيراً، فهو أي (داعش) يعلم أن مهاجمة دور العبادة ستثير ضجة محلية ودولية، وهو ما يسعى إليه لإثبات قدراته وإعادة تسويق نفسه كتهديد عالمي”.
كما يلفت إلى أن العملية تأتي امتداداً لهجماته المتزايدة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث وسّع التنظيم نطاق عملياته من البادية السورية ليصل إلى المدن الكبرى مثل دمشق وحمص وحلب.
ويقول: “ما نشهده اليوم هو توسع في نشاط داعش لا تراجع، ومحاولاته لاستقطاب عناصر جديدة مستمرة، مستفيداً من حالة التوترات القائمة وضعف التنسيق الدولي في ملف مكافحة الإرهاب في سوريا”.
وختم عامر تحليله بالقول: “لا توجد منظومة أمنية في العالم قادرة على توفير حماية بنسبة 100%. الهجوم يفرض واقعاً جديداً، قد يدفع النظام السوري إلى تشديد القبضة الأمنية بشكل أكبر، لكن ذلك يجب أن يتم بحذر حتى لا ينعكس سلباً على علاقات سوريا الخارجية أو يزيد من عزلة البلاد”.
اقرأ أيضاً: “قسد” والإدارة الذاتية تدينان الهجوم الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق – 963+
إدانات دولية وإقليمية واسعة
الهجوم استدعى إدانات واسعة من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية. فقد أدان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، التفجير ودعا إلى “إجراء تحقيق شامل واتخاذ التدابير اللازمة”، مؤكداً ضرورة التوحد لمواجهة الإرهاب والتطرف.
وفي منشور على منصة “إكس”، أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، عن إدانته الشديدة للهجوم، مؤكداً أن هذه الأفعال الجبانة والمروعة لا مكان لها في النسيج الجديد للتسامح والاندماج الذي يعمل السوريون على بنائه، وشدد على استمرار دعم بلاده للحكومة السورية في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار.
رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، ميخائيل أونماخت، أعرب عن صدمته وحزنه العميق، وأكد في منشور على “إكس” دعم حق السوريين في العيش بأمان وسلام وممارسة معتقداتهم الدينية دون خوف أو تهديد.
كما أدانت الخارجية الفرنسية الهجوم وأكدت استعدادها لدعم سوريا في مكافحة تنظيم “داعش”. وشملت الإدانات أيضاً ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، قطر، الإمارات، الأردن، البحرين، العراق وتركيا، فيما شدد السفير الإيطالي في دمشق، ستيفانو رافانيان، على أن “حماية الحريات الدينية واحترام كرامة الإنسان يجب أن تنتصر على التعصب والعنف”.
على الصعيد الإقليمي، أدانت الحكومة اللبنانية الهجوم، واعتبر رئيسها تمام سلام أن هذا العمل الإجرامي يستهدف الدولة السورية وشعبها ويهدف إلى زرع الفتنة. وقدّم الرئيس اللبناني جوزيف عون تعازيه الحارة لذوي الضحايا ودعا إلى حماية دور العبادة ومنع تكرار مثل هذه الهجمات.
وفي الداخل السوري، أدانت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الهجوم في بيانات صدرت أمس الأحد، مؤكدتين أن “الإرهاب عدو مشترك لكل السوريين”.
وفي سياق الإجراءات، دعت وزارة الخارجية السورية البعثات الديبلوماسية إلى التنسيق المسبق قبل زيارة موقع الهجوم، حرصاً على سلامة الديبلوماسيين وتفادياً لأي خرق للإجراءات الأمنية في المنطقة التي ما تزال قيد التحقيق والمعالجة.