خاص – حلب
تزداد معاناة السوريين في مناطق سيطرة الحكومة السورية من معاناة الحرب المستمرة منذ 13 عاماً. فالاقتصاد المنهك جعلهم لقمة سائغة أمام الغلاء، ولا سيما في الأمور الضرورية.
مع اقتراب العام الدراسي الجديد الذي يبدأ في 8 أيلول/سبتمبر المقبل، تحتار أم رضوان (47 عاماً) في شراء تجهيزات المدرسة لطفليها ميس وخليل. فلا الأسواق الشعبية تناسب دخلها المحدود كحال أغلب السوريين، ولا القرارات الحكومية التي تلزم الطالب بلباس المدرسة تراعي وضعها الاقتصادي، ولا الحكومة تسعفها بأي مساعدة.
مجاعة مدرسية
تعمل أم رضوان في ورشة خياطة، راتبها شهري 800 ألف ليرة سورية (53 دولار تقريباً)، وقتل زوجها في الحرب. تقول لـ”963+”: “جئت إلى سوق سيف الدولة لأشتري الملابس المدرسية لطفلَي في الصف الثالث لخليل والسابع لميس، لكنني تفاجأت بالأسعار الجنونية التي لا ترحم، فلباس المدرسة لكل طفل يكلف اليوم بين 700 ألف ومليون ليرة سورية (بين 47 و67 دولاراً)، بين بنطال وصدرية وحذاء وجاكيت مدرسي، وأنا لي طفلان وبحاجة إلى مليوني ليرة سورية (135 دولاراً تقريباً) للباس والحذاء والحقيبة فحسب، وجودتها رديئة جداً”.
وتقول مديرية التربية بحلب إن عدد المدارس العاملة حالياً هو 1390 مدرسة، وعدد الطلاب 534 ألف طالب وطالبة، وعدد العاملين في المدارس 4,200 عامل في المدينة والريف، فيما وصل عدد المدارس قبل الحرب إلى 4,040 مدرسة وعدد طلابها أكثر من 1,260,000 طالب.
وتضيف أم رضوان: “أسعار الدفاتر والأقلام يثقل كاهل الأهالي جميعاً، فالدفتر المؤلف من 100 صفحة سعره 40 ألف ليرة سورية (2.5 دولار تقريباً) وكل طفل بحاجة إلى 3 دفاتر على الأقل، يعني 160 ألف ليرة ( 7.5 دولارات تقريباً)… فمن أين نأتي بالأموال؟!”.
وبحسبها، كل شيء مطلوب، وكل شيء أولوية… من القرطاسية إلى اللباس، “ونحن نعاني مجاعة مدرسية في حلب!”.
غلاء الضعفين
في استطلاع ميداني لـ”963+” في أسواق حلب، كان سعر الصدرية المدرسية للمرحلة الابتدائية يتراوح بين 200 و250 ألف ليرة سورية (بين 13 و14 دولاراً)، وسعر البنطال 230 ألف ليرة (15.5 دولاراً)، فيما بلغ سعر الحذاء المدرسي نحو 250 ألف ليرة سورية (17 دولاراً).
والملاحظ أن كل هذه الملابس المدرسية مصنوعة في سوريا بجودة رديئة. ومقارنة بأسعار العام الماضي، فإن تضخم الأسعار زاد الضعفين على الأقل.
يقول محمد الرفاعي (55 عاماً)، وهو صاحب محل ألبسة مدرسية في سوق سدّ اللوز في حي الشعار شرق حلب لـ”963+”: “يعود غلاء سعر اللباس المدرسي إلى ارتفاع سعر القماش، بعدما منعت الحكومة السورية استيراد قماش الستائر والمفروشات، فبدأ التجار يشترون كميات كبيرة من قماش الصداري، فزاد سعره”، مؤكداً أن العائلات الحلبية تحاول تأمين الحدّ الأدنى من المستلزمات المدرسية، معتمدة على “إعادة تدوير” الحقائب والملابس من العام الماضي، فتشتري القرطاسية الضرورية لا أكثر.
ويضيف الرفاعي: “هناك 4 أو 5 تجار في سوريا يحتكرون القماش الذي يُقصّ منه اللباس المدرسي، فيتحكمون بسعره، ولا سبيل إلى مكافحة الاحتكار. وأكثر… إن وجدت دورية الجمارك في متجرك هذا القماش، تسطر بحقك مخالفة بمئات الملايين، بحجة ’دعم الاقتصاد الوطني‘”.
يضحك ويتابع: “هل في بلدنا اقتصاد لندعمه؟ ألا يصنّع هذا القماش من أجل أبنائنا الطلبة؟ فلماذا تحاربنا الحكومة؟”.
جنون الحقائب
وكان السيد حبزة، أمين سر جمعية حماية المستهلك في سوريا، قد تحدث في تصريح إعلامي عن ارتفاع حاد في أسعار القرطاسية والحقائب المدرسية في سوريا، بنسبة 100% مقارنة بالعام الماضي، مع تسجيل الحقائب أعلى نسبة في الزيادة.
وقال حبزة: “تبدأ أسعار الحقائب من 150 ألف ليرة سورية (10 دولارات)، لكنها غالباً ما تكون سيئة، لا تصمد أكثر من نصف عام دراسي، فيضطر الأهالي لشراء حقيبة جديدة خلال العام”، مضيفاً أن سعر الحقائب المصنوعة من الجلد الطبيعي فيصل إلى 700 ألف ليرة سورية (47 دولاراً)، وهذا مبلغ يعجز معظم المواطنين عن تحمّله.
وبحسبه، يضطر صانعوا الحقائب لاستخدام مواد أقل تكلفة، كالمشمع بدلاً من الجلد، مع إضافة بعض الزخارف البسيطة لرفع السعر، مشيراً إلى انتشار ورشات غير مرخصة تعمل سراً في الأقبية لصنع هذه الحقائب، “وهذا يساهم في تفاقم مشكلة الجودة والاحتيال في الأسعار”، كما يقول حبزة.
إلى سوق العمل
كذلك، ارتفعت أجور الخياطة، وأدى غياب الكهرباء الحكومية إلى ارتفاع سعر الأمبيرات… “كل شيء محسوب، وعلى المستهلك أن يدفع الثمن”، كما تقول أم رضوان، لكن ما هو ليس محسوباً هو أن تجبر هذا الأسعار المرتفعة أهالي حلب إلى إبقاء أولادهم في البيوت، مضحّين بمستقبلهم العلمي “على مذبح الاحتكار”، كما يقول المواطن أبو نزار (45 عاماً)، مضيفاً لـ”963+”: “أخطر ما في هذا الأمر انصراف الأطفال إلى العمل، فالناس تفكر في قوتِها، وأنا أرغمت أبنائي على ترك الدراسة وتعلم مهنة تدر المال، فالمعيشة صعبة”.
كثيرون مثل أبو نزار، يكتمون غيظهم ويرفضون الكلام عن معاناة فظيعة اليوم، “وأفظع غداً، عندما تجد العائلة أولادها قد كبروا بلا علم ولا شهادات، فيعلّقون كل بؤسهم على شماعة الحرب”، التي دمرت سوريا منذ 13 عاماً، كما يقول أبو نزار.
وتلزم الحكومة السورية طلاب المدارس بارتداء لباس موحد، وعلى الرغم من أن أكثر من 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعلى الرغم من وجود أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
حلب ـ اللوازم المدرسية ـ العام الدراسي ـ المدراس ـ سوريا ـ الفرقان