برلين
في خطوة مفاجئة، أطلقت أوكرانيا هجومًا كبيرًا استهدف مدينة كورسك الروسية. ويمثل هذا الهجوم، الذي بدأ في أواخر تموز/يوليو الماضي، تصعيدًا كبيرًا للصراع واستراتيجية جديدة محتملة للقوات الأوكرانية “ربما تساهم في تعديل ميزان القوى في الميدان، تحسيناً لموقف كييف العسكري، في ظل كلام متفائل عن إمكانية جلوس طرفي الصراع إلى مائدة المفاوضات”، وفقاً لما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين أميركيين، مطلعين على الملف الأوكراني.
“إنها خطوة خطرة تخطوها أوكرانيا، لكنها قد تؤتي ثمارًا كبيرة إذا استمرت في تحقيق الإنجازات الميدانية”، كما يقول مايكل كوفمان، الخبير في الشؤون الروسية في مركز الدراسات الأميركية الجديدة، لموقع “ريسبونسيبل ستايتكرافت” الأميركي، مضيفاً: “كورسك عقدة لوجستية ومحورية للروس، وسيكون حفاظ كييف عليها ضربة كبيرة للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كونها تمثل حديقة خلفية لروسيا”.
أشد عدوانية
ويمثل قرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استهداف كورسك “انحرافًا عن الاستراتيجية الأوكرانية، والتي ركزت بشكل كبير حتى الساعة على الدفاع عن أراضيها”، كما تقول صحيفة “صانداي تايمز” البريطانية، مضيفة أن زيلينسكي دفع باتجاه نهج “أشد عدوانية، مستفيداً من أسلحة أوروبية حديثة، ومن غض أميركا الطرف عن استخدام الصواريخ الأميركية لاستهداف مواقع داخل الأراضي الروسية، الأمر الذي لم يكن مسموحاً به من قبل، ومؤكدًا أن الوقت قد حان لنقل المعركة إلى الأراضي الروسية نفسها”.
ويقول مسؤول أوكراني كبير لصحيفة “الغارديان” البريطانية إن زيلينسكي وقادته العسكريين يعتقدون “أن لديهم فرصة سانحة لشن ضربات عميقة داخل روسيا، وتعطيل خطوط إمداد الروس وتعزيزاتهم”، مضيفاً: “القيادة الأوكرانية مستعدة لتحمل المزيد من المخاطر من أجل تحقيق إنجاز يعدّ ميزة حاسمة في الميدان، كما في أي جولة مفاوضات قد تلوح في الأفق”.
ومع ذلك، الهجوم على كورسك لا يخلو من المخاطر. فالمنطقة محصنة، وفيها حاميات روسية معززة، تستطيع الصمود ولو قطع عليها الأوكرانيون طرق الإمداد بتفجير الجسور التي تربط المنطقة بالبرّ الروسي، “كما ستضطر القوات الأوكرانية إلى التعامل مع تحديات الحركة في أراضي العدو، وربما تواجه صعوبات لوجستية ومقاومة على شكل حرب عصابات، فتتلقى ضربات صاعقة على شكل كمائن”، كما يقول كوفمان لموقع “ريسبونسيبل ستايتكرافت”.
استفزاز الكرملين
وعلاوة على ذلك، قد تستفز الخطوة ردة فعل قوية من الكرملين، الذي حذر من أنه سيدافع عن الأراضي الروسية بكل ثمن، خصوصاً أن الإعلام الروسي يحمل حلف شمال الأطلسي المسؤولية عن “هذه المغامرة التي تحمد عقباها”، بحسب ما تقول صحيفة “واشنطن بوست”، التي تضيف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بنشر قوات مجهزة بأسلحة حديثة في منطقة كورسك، ما يرفع من حدة الصراع، “وما يزيد من مخاطر الردّ الروسي باستعمال أسلحة غير تقليدية”، بحسب الصحيفة نفسها.
وتقول أولغا أوليكر، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية: “هذه مغامرة عالية المخاطر تُقدم عليها أوكرانيا”، مضيفة لموقع “ريسبونسيبل ستايتكرافت”: “إذا نجح الأوكرانيون، فقد تكون هذه نقطة تحول كبيرة في الحرب. وإذا لم ينجحوا، فقد تؤدي إلى معركة مكلفة تستنزف موارد أوكرانيا”.
وعلى الرغم من المخاطر، لا يزال المسؤولون الأوكرانيون واثقين من قدرتهم على الذهاب إلى ما بعد كورسك، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، التي تعترف بأن هذا الهجوم “تلقى دعماً غربياً، بالسلاح والدعم الاستخباري”، وبأن العالم سيراقب عن كثب هذه المعركة “ليعرف إذا كانت الاستراتيجية الأوكرانية الجريئة ستؤتي ثمارها، حرباً أم سلماً”.
أوكرانيا ـ كييف ـ روسيا ـ موسكو ـ الكرملين ـ زيلينسكي