بعد الحرب في غزة، كشفت الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الغربية المستور في سوريا. فقد وجد السوريون أن ما ظنّوها “ماركات” مستوردة ليست كذلك، بل هي إنتاج محلي، يباع زوراً على أنّه مستورد، وأدركوا أنّهم كانوا ضحية استغلال دام سنوات، ولم يحمهم منه أحد، وكلفهم مبالغ طائلة.
تم إغراق السوق السورية بالمئات من هذه الماركات العالمية “المزيّفة”، بافتتاح فروع لمتاجر دولية بدت نظامية. والحقيقة أن لا صلة لها بالماركات العالمية، أراد أصحابها التلاعب بالناس، ونجحوا في إيهامهم أنّهم يدفعون أموالاً طائلة “للاحتفاظ بإمكانية استيراد هذه الماركات متجاوزين العقوبات الغربية”.
مفاجأة ونكران
نور غزال سيّدة أربعينية في دمشق، لم تشترِ منذ نحو عشرين عاماً إلا من متاجر كانت تبيع البضائع الإيطالية منذ قبل الحرب، واستمرت في ذلك بعد الحرب. لم تخفِ غزال مفاجأتها بالمعلومة، “فطيلة 14 عاماً وأنا أعتقد أنّني أشتري ملابس أوروبية، وأبرر أمام نفسي أنّ لا بد لهذه البضائع أن تصل بطريقة أو بأخرى”.
تقول لـ”963+”: “هل تضحي علامةٌ تجارية كبيرة باسمها في عشرات الفروع لو لم تكن تدعم التجار السوريين بالأنسجة والاستشارات والمبيع، ولو كانت بضائعهم كغيرها لماذا أسعارها مضاعفة؟ وأين مسؤولية وزارة التموين؟”.
وتحاول غزال إيجاد مبررات أخرى، فهي لا تريد أن تخسر امتياز 20 عاماً من التشبث بـ “ماركة ملابس” واحدة: “قد تكون البضائع سوريّة، لكن يمكن أن يكون هناك تواصل بين المتاجر المحلية والعالمية لتنسيق القصّات والموديلات وشروط التسويق ومواسمه”.
مدين سنان شاب يعمل بالبورصة ويقيم في دمشق، أدمن اقتناء ملابسه من متاجر “البراندات” العالمية. يقول لـ”963+”: “هذا مستحيل. بالتأكيد لن يجرؤوا على ذلك”.
ويضيف خائباً: “ملمس القطعة مختلف، ويكفي أن تلبس من البراندات العالمية لتسألك الناس من أين اشتريت ملابسك، ولترى نظرات الإعجاب تحوم حولك، وهي تعبّر مباشرة كم هي باهظة الثمن…. ومستحيل أن تكون هذه البضائع وطنية، والتشكيك بهذه المتاجر طعن بقيم التبادل الصناعي في مجال الألبسة مع الخارج وفتح باب ذرائع للتنبيه لبعض ضعاف النفوس المختبئين الذين قد يستغلون أسماء الماركات العالمية، أما متاجرها التي نشتري منها فهي في أرقى الأحياء والأسواق وأهمها”.
يشتري شعاراً
كان سنان أكثر في حالة نكران تامة. تقول وفاء الدمري، المتخصصة في علم النفس التحليلي الأكاديمية، لـ”963+” إن الحرب خلّفت فراغات نفسية متنوعة وكثيرة، أحدها احتياج الشخص لإثبات نفسه بالطريقة الأقرب إليه.
وتضيف: “هناك أناس تثبت نفسها بالألعاب القتالية، أو بناء الأجساد، أو الفنون، وفي عشرات المجالات، ومن بينها أناسٌ تستعرض بسياراتها، وبأملاكها، وبحمل السلاح، وهناك من يثبت نفسه معتقداً أن التميّز يمر بشرائه حصراً من المتاجر المعروفة، وهذا يجعله متفوقاً على أقرانه”.
بحسبها، لا يشتري سنان وأمثاله الخامة أو الجودة أو “الموديل” حتى، “بل يشتري الشعار الموضوع على اللباس، وهذا لا يعيبه، وهذا مفهوم في علم النفس، فتراه يذكّر الآخرين من أين اشترى ملابسه وكم هي باهظة الثمن، وهذا أثرٌ نفسي عميق يرتبط بنقص فادح في تكوين الشخصية التي احتلت الحرب قرابة عقد ونصف من تشكيلها، ولذلك لن يصدق أنّها بضائع مزيفة ولو قال لهم أصحابها أنفسهم تلك الحقيقة، ستراه يدافع عن فكرته لئلا يفقد تميزه”.
انتحال صفة عالمية!
قبل سنوات، اشترى رائد زيتون قميصاً من أحد المتاجر “العالمية” في حمص. بعد مدّة، التقى بأحد أصدقائه من تجّار سوق “الحريقة” في دمشق، وكان يرتدي القميص نفسه، فسأله صديقه من أين اشتراه.
ويروي زيتون لـ”963+”: “قلت له من متجر كذا في حمص، فسألني بكم؟ أخبرته أني دفعت ثمنه 32 دولاراً، فكاد ينهار من الضحك. وقال لي ’هذا القميص من إنتاج معملي وأنا أورّده للتاجر في حمص بسعر 6 دولارات”.
شعر زيتون بصدمة فعلية، “ليس لأنّني وقعت ضحية عملية احتيال مملوءة بالإبهار البصري والضوئي والديكور الفخم واسم الماركة اللامع، فإن كان انتحال الفرد صفة ما جريمة في القانون، فكيف إذاً انتحال ماركة عالمية والضحك على الشعب؟”.
وأبرز الماركات العالمية مزيفة في سوريا (زارا – بوما – نايك – مانغو – ريبوك – كالفن كلاين – أندر آرمور – بولو – فانز – جوردن – لاكوست – هوغو – فيلا – ليفايز – ماجيلا وغيرها)، ويشار إلى أنّ بعض منتجات هذه الماركات لا تباع في محلات مخصصة تحمل اسمها، بل يمكن أن تباع في متاجر عامة، والأغرب أن تبيع “بسطات” أحذية تحمل شعارات عالمية مثل “أديداس”.
ما موقف القانون؟
يجيب المحامي سمعان صابر بإيضاح المواد القانونية التي نظمها المشرع في هذا السياق. يقول لـ”963+”: “تقول المادة 688 من القانون السوري إن كل من أقدم عن معرفة على تقليد علامة فارقة تخص الغير ولو أضاف إليها ألفاظاً أخرى مثل تشبيه أو مشبه أو صنف أو نوع أو صفة، أو على وضع علامة تخص غيره أو علامة مقلدة على محصولاته أو سلعه التجارية، أو على بيع محصول علامة مغتصبة أو مقلدة أو عرضة للبيع، يُعاقب بالغرامة من 2000 ليرة سورية (13 سنتاً) إلى 10 آلاف ليرة سورية (67 سنتاً) وبالحبس مع الشغل من 3 أشهر إلى 3 سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين إن كان عمله من شأنه أن يغش المشتري”.
كذلك، تقول المادة 689 إن كلّ من شبه علامة بغيرها بنية الغش من دون أن يقلدها وكل من استعمل مثل هذه العلامة أو باع أو عرض للبيع محصولاً وضعها عليه، يُعاقب بالغرامة من 2000 إلى 10 آلاف ليرة سورية وبالحبس مع الشغل من شهرين إلى سنتين أو بإحدى هاتين العقوبتين أن كان عمله من شأنه أن يغش المشتري، بحسب صابر.
ويضيف: “تقضي المادة 690 بأن الأشخاص الذين يبيعون أو يعرضون للبيع أو الذين يستعملون علامة مقلدة أو مشبهة بنية الغش يمكنهم دون سواهم أن يتذرعوا بحجة جهلهم تسجيل العلامة إذا كانوا لم يرتكبوا الفعل بالاتفاق مع من قلدها أو شبهها”.
“دعه يعمل… دعه يمر”
لا ترتبط أسماء مالكي المتاجر التي تبيع ماركات مزيفة بأسماء متنفذة في الغالب، بقدر ما يكون أصحابها أنفسهم مقتدرين ويملكون من المال ما يكفي لهذه المغامرة التجارية. فافتتاح متجر يحمل اسم ماركة عالمية ولو مزيفة يتطلب بذخاً في نسخ الديكور الخاص بالماركة، والمعتمد في متاجرها حول العالم.
وينفي أكثر من مصدر في وزارتي الصناعة والتجارة الداخلية لـ “963+” أن يكون ثمة تواصل مباشر بين المتاجر السورية التي تزعم أنها تبيع ماركات عالمية وبين أصحاب هذه الماركات في العالم.
إلى هذا النفي، يمكن بسهولة ملاحظة غضّ الجهات الرقابية والوصائية السورية، من تموين وصناعة وحماية ملكية فكرية وغيرها، طرفها عن استباحة الأسواق الاستهلاكية بهذا التزييف، لأسباب عدة، منها ما تصفه الدمري بأنه “استغلال ميول خاصة نحو التميز في شريحة واسعة من السوريين، في مقدمها الأثرياء الجدد الذين استفادوا من الحرب”، ومنها مثلاً القاعدة الاقتصادية الفرنسية الليبرالية التي تقول: “دعه يعمل… دعه يمر”.
رفض سبعة من أصحاب تلك المتاجر الحديث لـ”963+” عن مسألة التزييف، فيما قال ثامن باقتضاب رافضاً كشف هويته: “لا نجبر أحداً على الشراء من متاجرنا”، متسائلاً: “هل ستلتفت كبرى الشركات العالمية لدولارات قليلة نجنيها؟”.
البراندات ـ السوريون ـ سوريا ـ غزة ـ الماركات العالمية ـ زارا – بوما – نايك – مانغو – ريبوك – كالفن كلاين – أندر آرمور – بولو – فانز – جوردن – لاكوست – هوغو – فيلا – ليفايز – ماجيلا