خاص – أحمد قطمة / أربيل
منذ بداية آب/أغسطس الجاري، تعزز القوات الأميركية قواعدها في شمال شرق سوريا بأسلحة ومعدات متقدمة، بينها مروحيات “أباتشي”، لتوفير “حماية إضافية لإسرائيل”، بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية، فيما تقول وسائل إعلام أميركية أن هذه الخطوة تأتي في سياق تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في الشرق الأوسط بنشر السفن الحربية وإرسال غواصة نووية، في إجراء لتقوية الاستجابة الأميركية للتغيرات الأمنية في المنطقة، ولتأكيد التزام واشنطن حماية حلفائها في المنطقة.
وكان الحرس الوطني الأميركي قد أعلن في 10 أغسطس عن تجهيز 230 جندياً من مشاة البحرية للانتشار في سوريا والعراق، مدعمين بالمدفعية الثقيلة، “في إطار مهمة ’العزم الصلب‘ لمحاربة تنظيم “داعش”، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي دول آسيوية وعربية أخرى.
تزامنت هذه التعزيزات الأميركية في سوريا مع أمرين: الأول، تصاعد وتيرة التهديدات بتوسّع حرب غزة إلى حرب أقليمية، ستنجر إليها إيران والولايات المتحدة، ما يضع القواعد الأميركية بسوريا في مرمى نيران الفصائل المدعومة من طهران؛ والثاني، الخشية من أن تدفع مناطق شمال شرق سوريا ثمن التقارب التركي – السوري المزمع.
أهمية استراتيجية
حين أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب في سوريا في عام 2014، وهو مسمّى حربها على “داعش”، بدأت حملتها بغارات جوية على مواقع التنظيم، وتعاونت براً مع “وحدات حماية الشعب” في المنطقة، ليشمل هذا التعاون حماية المنشآت النفطية.
وكان مارك آسبر، وزير الدفاع الأميركي آنذاك، قد قال في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 إن القوات الأميركية “لا تعسكر في هذه المنطقة لحماية المنشآت النفطية من داعش فحسب، ولكن أيضاً من القوات الحكومية السورية، ومن القوات الروسية أيضاً”، وهذا مؤشر إلى “الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها هذه المنطقة في الصراع الجيوسياسي الراهن”، بحسب زكي حاجي، الحقوقي ، مضيفاً لـ”963+”: “إن ’الإدارة الذاتية‘ لمناطق شمال وشرق سوريا، و’قوات سوريا الديموقراطية‘ (قسد) تؤمنان الحماية للمجتمعات المحلية ضد التهديدات المختلفة، بما فيها ’داعش‘ والفصائل المدعومة من أنقرة “.
وتضم مناطق شمال وشرق سوريا التي تديرها “الإدارة الذاتية” أجزاء من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، وأجزاء من ريف حلب.
أما سير الدين يوسف، وهو ناشط سياسي ينحدّر من شمال سوريا، يقول لـ”963+”: “كمواطن من شمال شرق سوريا، لا أعتقد أن إنساناً عاقلاً يريد أن يجرّ منطقته إلى هذا الصراع العقيم”، مضيفاً أن الصراع الإسرائيلي – الإيراني طويل الأمد، تعود بداياته إلى ما قبل تشكيل الجمهورية الإيرانية الحالية، أي منذ إطاحة الخميني بحكم الشاه، ومنذ ذلك الحين هذا الصراع مستدام وطويل الأمد”.
ويضيف: “لا مصلحة لنا في شمال شرق سوريا بالتورط في هذا الصراع، ونتمنى ألا تُجرّ مناطقَنا إليه، كما حدث في دير الزور على الضفة الشرقية لنهر الفرات قبل أيام”، إذ يعتقد أن الاشتباكات التي جرت محاولة لزج هذه المناطق في أتون الصراع، من طريق القصف الذي وجهته الفصائل الموالية للحكومة السورية وإيران من مواقعها بالضفة الغربية من نهر الفرات نحو مواقع “قسد”، مؤكداً: “نحن ضد التصعيد، ونتمنى أن تبقى مناطقنا آمنة ومستقرة، فلسنا جزءاً من هذا الصراع الإقليمي”.
وكانت اشتباكات قد اندلعت في 7 آب/أغسطس الجاري في هذه المناطق، بسبب هجوم ما يسمى بـ “جيش العشائر” على مواقع تابعة لـ”قسد”، وعلى قرى وبلدات على الضفة الشرقية لنهر الفرات، قاده إبراهيم الهفل المتحدّر من عشيرة العكيدات، وردّته “قسد” على أعقابه، ومنعت المهاجمين من التمركز في أي من بلدات المحاذية للشريط النهري، بحسب ما قال نوري خليل، القيادي في مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، مضيفاً لـ”963+” في حديث سابق: “هذا هجوم إيراني بواجهة محلية، تمّ من خلال بعض “مقاتلي جيش العشائر” الذين تربطهم علاقات وثيقة بإيران والفصائل التي تمولها طهران في سوريا”.
التغلغل الإيراني في سوريا: من التغيير المذهبي إلى البناء المسلح
بارقة أمل
إن كان يوسف يرفض أن يكون مسقط رأسه، في شمال شرق سوريا، ساحة في الصراع الإقليمي المستعر حالياً، فإن وجود قوات التحالف الدولي فيها لا يستجيب لهذا الرفض.
ويقول حاجي إن وجود قوات التحالف الدولي، وتحديداً القوات الأميركية، في شمال شرق سوريا “ضمانة للمجتمعات المحلية من إرهاب ’داعش‘، وتجاوزات الفصائل المدعومة من أنقرة وتهديدات الحكومة السورية، والهجمات التركية”، مضيفاً: “باختصار، وجود قوات أميركية في منطقة شمال شرق سوريا اليوم بارقة أمل وسلام لسكانها”.
وكان التحالف الدولي لمحاربة “داعش” قد تشكّل في أيلول/سبتمبر 2014 من 87 دولة، لمواجهة تهديد “داعش” الذي كان يزداد توسعاً في العراق وسوريا. وتعهد التحالف بمحاربة “داعش”، ومواجهة البنية التحتية المالية والاقتصادية لتنظيم داعش وعرقلتها، والتصدي لتدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار وإعادة الخدمات العامة الأساسية للمناطق المحررة من قبضة داعش، ومواجهة دعاية التنظيم.
بين إيران وإسرائيل
تقول المعارِضة السورية لمى الأتاسي لـ”963+”، إن “الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران يصبّ في صالح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أي معارضي حكومة الرئيس جو بايدن. وبهذا، تدفع إسرائيل ’الإدارة الأميركية‘ إلى اتخاذ قرار تعزيز بقائها في شمال وشرق سوريا”.
وتتطرق الأتاسي إلى سيناريوهات محتملة لردّة فعل إيران وحلفائها على تعزيز القوات الأميركية في المنطقة، وتؤكد: “لا تستطيع إيران الردّ على إسرائيل في حال تعزز الوجود العسكري الأميركي، وهذا يشير إلى تقييمها للوضع الاستراتيجي في المنطقة، والتوازنات القائمة”، متحدثة عن التأثيرات المحتملة للتحركات الأميركية على خطط القوى الإقليمية، وتقول: “قد تضحي إيران بسوريا وبالحكومة السورية إن كان المقابل ليناً غربياً ورفعاً للعقوبات عنها”.
من جانبه، يقول يوسف إن عداء إيران وفصائلها في سوريا والعراق واليمن لأميركا لأنها حليفة إسرائيل “لا يمنح هذه الفصائل المبرر لضرب استقرار مناطق شمال شرق سوريا وأمنها، باعتبار أن فيها قواعد عسكرية يتمركز فيها أميركيون”، مطالباً حكومتي الولايات المتحدة وروسيا بأن تقفا بحزم ضد جرّ هذه المناطق إلى حلبة الصراع الإيراني – الأميركي المرير، “فإنهما تؤثران مباشرةً في المشهد السياسي السوري، وتمتلكان قوات عسكرية على الأراضي السورية، وتحديداً في مناطق شمال شرق سوريا، ومن هنا تقع عليهما مسؤولية ترسيخ الأمن والاستقرار في هذه المناطق”.
أنقرة أخطر من موسكو
توافق أنقرة على الاتهامات التي تسوقها موسكو للوجود العسكري الأميركي في سوريا، إذ تصفه بأنه “غير قانوني”، وترى فيه عاملاً مزعزعاً للأستقرار في البلاد،
يردّ حاجي التفاهم التركي مع روسيا في هذه المسألة “إلى أن تركيا تتلطى وراء المنطق الروسي لإنهاء دور ’الإدارة الذاتية‘، وتصفية ’قسد‘، مستفيدة من المحاولات الروسية لفرض سيطرة الحكومة السورية على شمال شرق سوريا”، مضيفاً: “كذلك، تسعى تركيا إلى إحداث تغيير ديموغرافي في شمال سوريا، بتغيير التوازن العرقي والثقافي في المنطقة بإنهاء ’الإدارة الذاتية‘، لما لذلك من تأثير في الديموغرافيا والحكم في المنطقة”، مؤكداً “أن الوجود الأميركي ضمانة للأمن والاستقرار، وأن شمال شرق سوريا جزء من سوريا كجغرافيا ودولة، تحكمها ’الإدارة الذاتية‘ وتحميها ’قسد‘”.
يأتي سعي تركيا هذا فيما تستمر الوساطة العراقية في محاولة التقريب بين دمشق وأنقرة، من دون أن تتوقف القوات التركية عن استهداف مناطق عديدة في شمال سوريا وشرقها، فتقصف بشكل شبه مستمر مناطق في ريف حلب، وفي ريف تل أبيض الغربي شمالي الرقة، وتقصف الفصائل الموالية لأنقرة الأراضي الزراعية في قرى ريف منبج الغربي، وفي ريف القامشلي شمال شرقي سوريا.
ويعبّر يوسف عن خوفه من الدور التركي أكثر من خوفه من الدور الروسي. يقول: “لا مصلحة لروسيا في زعزعة استقرار أي منطقة داخل سوريا، خلافاً لتركيا التي لا تدخر جهداً في زعزعة أمن مناطق شمال شرق سوريا واستقرارها”، مستدلاً على ذلك بالتصريحات العلنية للقيادات السياسية والعسكرية التركية في هذا الإطار.
أما الأتاسي فرأيها واضح بالنسبة إلى روسيا: “إن خيرتها بين سوريا وأوكرانيا، ستختار أوكرانيا بلا تردد”.