أثار إعلان الإدارة الانتقالية في سوريا عن استثمارات أجنبية لإنشاء واستثمار الموانئ الجافة، تساؤلات حول مصطلح الموانئ الجافة كونه مصطلح غير متداول في البيئة الاقتصادية السورية سابقاً رغم أنه أصبح جزءاً أساسياً من البنية اللوجستية في العديد من دول العالم، فما المقصود بالموانئ الجافة وكيف ستسهم في دعم الاقتصاد الوطني السوري؟
ما المقصود بالموانئ الجافة؟
تُعد الموانئ الجافة نمطاً حديثاً ومتطوراً تعزز من قدرات الدول في تعزيز حركة البضائع وتقليل التكاليف وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتُنشأ في المناطق الداخلية مثل المدن الصناعية أو بالقرب من الحدود، وتعمل كامتداد للموانئ البحرية ولكن في البر، وتُستخدم لتفريغ وتخزين وفحص البضائع قبل إرسالها لوجهاتها النهائية.
وبدأت سوريا في اتخاذ خطوات فعلية في هذا المجال، حيث وقعّت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا، خلال أيار/مايو الماضي، مذكرتي تفاهم استراتيجيتين مع شركتي “CMA CGM” الفرنسية و”Fidi Contracting” الصينية، بهدف إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية- الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق، والمنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص.
كما أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا عن بدء أولى خطوات تنفيذ مشروع المنطقة الحرة في محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وقالت الهيئة أن ‘‘المشروع يشمل منطقة صناعية وتجارية وميناءً جافاً حديثاً’’، وأشارت إلى أن الميناء الجاف المزمع إنشاؤه يمثل أحد الأعمدة الرئيسية للمشروع، حيث سيوفّر للتجار والصناعيين والمزارعين في إدلب، خدمة تصدير منتجاتهم بشكل مباشر إلى الأسواق الخارجية.
كما يتيح الميناء لأبناء المحافظة استيراد المواد الأولية والبضائع من مختلف دول العالم، دون الحاجة للتوجه إلى المرافئ البحرية، ما يختصر الزمن والتكاليف، ويعزز من تنافسية المنتج الوطني في الأسواق الإقليمية والدولية، بحسب الهيئة.
اقرأ أيضاً: منطقة صناعية وميناء جاف.. بدء تنفيذ مشروع المنطقة الحرة بريف إدلب
أهمية الموانئ الجافة
في تصريحات لـ‘‘963+’’ أوضح المحلل الاقتصادي، محمد وهاب، المقيم في دمشق، أن الموانئ الجافة تمتاز بأهمية كبيرة انطلاقاً من دورها في استكمال وربط حلقات النقل متعدد الوسائط والذي يعني نقل بضائع بواسطتين مختلفتين على الأقل (بحري، بري، نهري، جوي) من الباب إلى الباب وبسند شحن واحد بين دولتين على الأقل.
واعتبر وهاب أن فكرة إنشاء الموانئ الجافة في سوريا مهمة، نظراً لموقع سوريا الاستراتيجي، والذي يعد صلة وصل وربط بين دول الجوار لما تملكه من شبكة نقل طرقي وسككي.
بينما أشار الخبير والمستشار في الشؤون الاقتصادية والمصرفية، عامر شهدا، إلى أن فكرة الاستثمار في الموانئ الجافة بسوريا ليست بجديدة وإنما طُرحت منذ عام 2006، قائلاً: ‘‘كان هناك جهود لإنشاء ميناء جاف في كل مدينة صناعية، وتم وضع مخططات لميناء في المدينة الصناعية بحسياء في حمص ولكن توقف التنفيذ’’.
وأضاف شهدا في تصريحات لـ‘‘+963’، أن تجربة الموانئ الجافة إن تمت ستكون تجربة جديدة في سوريا وبالتالي وفق شهدا، ذلك يستوجب الاطلاع على تجارب الدول التي تملك موانئ جافة والاستفادة منها، كما إن إنشاء واستثمار الموانئ الجافة يحتاج لخبرات قانونية واقتصادية ونقدية ومالية، إضافة لخبرات في عمليات الشحن والترانزيت والعبور.
اقرأ أيضاً: عودة سوريا لنظام ‘‘سويفت’’.. بين المكاسب الاقتصادية والتحديات
المكاسب والفوائد الاقتصادية
الخبير السوري والمستشار في الشؤون الاقتصادية والمصرفية، أوضح أيضاً أن للموانئ الجافة أهمية كبيرة في عمليات الشحن والتخزين، خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وبالتالي رفع مستوى معيشة المواطن وتخفيض نسبة البطالة الذي يعاني منه الاقتصادي السوري، إضافة لزيادة حركة تصدير المنتجات السورية المحلية والتي لها انعكاسات كبيرة على الوضع الاقتصادي السوري وبالتالي دخول المنتج السوري بأسواق خارجية إضافة.
وتابع شهد، أن الموانئ الجافة ستوفّر الوقت والجهد على أصحاب المصانع والشركات، وتقلل من الاعتماد على النقل البري المكثف، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تقليل استهلاك الوقود والازدحام المروري، إلى جانب ذلك، تفتح هذه الموانئ آفاقاً جديدة للمناطق غير الساحلية تمكّنها من الوصول إلى التجارة العالمية، وتعزز من فرص التنمية والاستثمار فيها.
والهدف من إقامة الموانئ الجافة وفق وهاب، لتخفيف الضغط على الموانئ البحرية، تقليل الازدحام في المدن الساحلية، تسريع عمليات التخليص الجمركي، إيصال البضائع إلى مستلمها بكفاءة وفي الوقت المناسب، تقليل تكلفة النقل والتخزين، وخدمة المناطق الداخلية البعيدة.
اقرأ أيضاً: الليرة السورية تسأل: هل يكفي رفع العقوبات؟
التحديات الاقتصادية والسياسية
ورغم أن إنشاء الموانئ الجافة ستصب في مصلحة عجلة الإنتاج الاقتصادي، إلاّ أن هناك تحديات اقتصادية وسياسية قد تواجهها، وفق وهاب، فعقّب قائلاً: ‘‘مشروع إنشاء موانئ جافة يتطلب مراسيم دستورية وبتفاصيل عديدة للموافقة عليها من قبل مجلس الشعب والذي لليوم لم يتم تشكيله’’.
كما أن تكلفة إنشاء موانئ جافة مرتفعة جداً وقد تكون مرهقة للاقتصاد السوري خاصة وأن الإدارة السورية لليوم تتبع سياسية حبس السيولة لاستقرار سعر الصرف، ومشروع ضخم كالموانئ الجافة يتطلب إنفاق حكومي كبير لإنجازه، وفق وهاب.
وتابع المحلل الاقتصادي السوري، أن ‘‘وجود بنية تحتية مجهزة من طرق وسكك حديدية وجسور ومطارات للربط ما بين الميناء البحري والميناء الجاف سيكون أيضاً من أحد التحديات’’.
أما الخبير الاقتصادي عامر شهدا يرى أن من أهم المقومات والبنى التحتية للاستثمار في الموانئ الجافة هو وجود استقرار سياسي، وتابع قائلاً: ‘‘على الحكومة السورية الجديدة أن تتبنى منهجية سياسية متوافقة مع منهجيات السياسات العالمية حتى لا تكون الدول حذرة في التعامل معها، كما كان بالنسبة للنظام السوري السابق حيث كانت تصطدم كافة الاتفاقيات الاقتصادية بمعوقات سياسية’’.
وأضاف: ‘‘نحن نرى العالم كيف يلجأ إلى استخدام القوة لتغيير منهجيات الدول من أجل انفتاح تجارة عالمية لدخول الشركات الضخمة لإدارة الاقتصاد، وهذا مؤشر أن الدول أو الحكومات لن يكون لها دور في إدارة الاقتصاد وإنما الشركات العالمية هي الأساس وهذا سنشهده في سوريا قريباً جداً، حيث ستكون الكيانات والشركات العالمية متحكمة في اقتصاد الدولة’’.
ولفت شهدا، إلى أن إنشاء واستثمار الموانئ الجافة في سوريا يحتاج إلى عدة اتفاقيات بينها وبين الدول، منها اتفاقيات تسمح بمرور الشاحنات السورية في الطرقات الدولية لهذه الدول، واتفاقيات مع مصارف دولية من أجل تحويل قيم الصادرات السورية من مصارف الدول المستوردة للمنتج السوري إلى المصارف السورية وهذا يحتاج لضوابط معينة لعدم الانجرار إلى عمليات تصدير وهمي وبالتالي ظهور عمليات تبييض الأموال.
لذا مشروع الموانئ الجافة في سوريا يحتاج لمهنيين واختصاصيين وخبرات مصرفية لضبط عمليات التحويلات والشحن، كما يحتاج لدراسات معمقة من أجل التوازن ما بين احتياجات السوق الداخلية والفائض عن الاستهلاك الداخلي لتلافي الاختناقات التي ممكن أن تقع فيها الدولة نتيجة عدم توفر المنتج وبالتالي هذا يدفعها لاستيراده وبالتالي سيؤثر على الانتاج الوطني، وفق شهدا.
وأردف الخبير السوري والمستشار في الشؤون الاقتصادية والمصرفية قائلاً: ‘‘هناك تحدي آخر أمام مشروع الموانئ الجافة يتمثل بالعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا، فإلغاء العقوبات المرتبطة بقانون قيصر وغيرها من العقوبات التي أدت تشديد المقاطعة الاقتصادية على سوريا يلزمه وقت ونقاشات، كما أن هناك معوقات قانونية في سوريا، حيث الاستثمار في الموانئ الجافة يلزمه قوانين تحكم عمليات الشحن والترانزيت والعبور وتحديد نوع التشابكات الداخلية والخارجية وهي غير موجودة’’.
