مع الساعات الأولى من فجر اليوم الأحد، استيقظ العالم على تصعيد غير مسبوق في الشرق الأوسط، بعد أن نفّذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية دقيقة استهدفت ثلاثة مواقع نووية حساسة داخل إيران، هي منشأة نطنز، ومنشأة قرب أصفهان، ومنشأة فوردو المحصنة تحت الأرض. وبينما وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها “ضربة وقائية” و”هجوم ناجح جداً”، أثارت الضربة تساؤلات كبرى حول أهدافها الحقيقية ومدى تأثيرها على قدرة إيران النووية.
قدرات عسكرية فائقة، لكن ماذا عن النتائج؟
يؤكد العميد الركن المتقاعد جلال العبادي، الخبير العسكري الاستراتيجي، في تصريحاته لـ”963+”، أن الضربة الأميركية شُنّت باستخدام طائرات قاذفة من الطراز الثقيل مثل B-52 وربما B-2، مع احتمال كبير لاستخدام قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU-57، المصممة لاختراق المواقع شديدة التحصين تحت الأرض.
ويوضح العبادي أن الهجوم أصاب المدخل الرئيسي لمنشأة فوردو دون أن يتمكن من الوصول إلى المناطق العميقة أو إلى أجهزة الطرد المركزي.
ويشير الخبير العسكري إلى أن الضربات التي طالت محيط مفاعلي نطنز وأصفهان اقتصرت أيضاً على إصابة البنية التحتية فوق الأرض، دون القدرة على اختراق التحصينات العميقة.
ويقول: “هناك تباين في التقديرات حول نتائج الضربة؛ البعض يرى أنها حققت أهدافها، بينما يصفها آخرون بأنها ضربة سياسية لإرضاء بعض أعضاء الكونغرس وإسرائيل”.
ويضيف: “توقعي أنها لن تؤثر كثيراً على المفاعلات النووية، خصوصاً أن بعضها يقع على أعماق تزيد عن 500 متر”. ويؤكد العبادي أن “إيران نقلت نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب إلى أماكن آمنة، مما يعزز فرضية بقاء البرنامج النووي الإيراني قيد الاستمرار”.
اقرأ أيضاً: أميركا تنفذ “ضربة ناجحة” وإيران ترد بعمق إسرائيل – 963+
إنهاء النووي الإيراني أم فرض الشروط الأميركية؟
من جهته، يعتبر الكاتب والباحث السياسي يوسف دياب، في تصريح لـ”963+”، أن الضربة الأميركية تتجاوز مجرد محاولة إنهاء البرنامج النووي الإيراني.
ويوضح دياب أن “الهدف الحقيقي هو حرمان إيران من أي أوراق قوة يمكن أن تساوم بها في أي مفاوضات مقبلة”.
ويقول: “الضربة محاولة لإفهام إيران أن الولايات المتحدة مستعدة للذهاب أبعد من ذلك. إنها رسالة أولية للنظام الإيراني للقبول بالشروط الأميركية والإسرائيلية”.
ويؤكد أن “الضربة تأتي في سياق مطلب أميركي أشمل يشمل وقف تطوير الصواريخ الباليستية وإنهاء نفوذ التنظيمات الموالية لإيران في المنطقة، مثل حزب الله وحماس والحشد الشعبي والحوثيين”.
ويشير دياب إلى أن الولايات المتحدة رغم إعلانها عدم نيتها تغيير النظام الإيراني، فإنها عملياً “تضغط لإحداث تغيير جذري في الموقف الإيراني”.
ويلفت إلى أن الموقف الأميركي ما زال في طور “الرسالة الأولية”، وأن تبعاته ستتوقف على ردّ إيران: “إذا أبدت إيران ليونة، سيكون الموقف الأميركي السياسي أكثر انفتاحاً، أما إذا واجهته بتصعيد، فسيكون الرد الأميركي أشدّ”.
اقرأ أيضاً: بعد الضربة الأميركية للمنشآت النووية.. هل يكون هناك اتفاق جديد “تحت النار”؟ – 963+
هل الضربة غيّرت المعادلة؟
في أعقاب الضربة، أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية صباح الأحد، أنه لا يوجد أي خطر إشعاعي يهدد السكان، مؤكدة أن المواقع المستهدفة كانت قد أُخليت من المواد المشعة قبل الضربة.
وذكرت وكالة “إيرنا” أن “المواقع التي ادعى ترامب استهدافها لا تحتوي على مواد قد تسبب إشعاعاً”، في حين شدد مركز النظام الوطني للسلامة النووية في إيران على أن الهجوم الأميركي “مخالف للقوانين الدولية”.
على المستوى الدولي، لم تُسجل أي مؤشرات لتلوث إشعاعي في دول الجوار، إذ أعلنت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية الأحد، عدم رصد أي آثار إشعاعية في المملكة أو في دول الخليج.
كما أكدت صور الأقمار الصناعية وجود نشاط غير معتاد قبيل الضربة، مع تحريك شاحنات ومعدات قرب منشأة فوردو، وهو ما يشير إلى استعدادات إيرانية محتملة.
هل ما زالت إيران قادرة على استئناف برنامجها النووي؟
رغم الضربة الأميركية، يرى العبادي أن قدرة إيران على استئناف برنامجها النووي “ما زالت قائمة بقوة. فالمنشآت النووية موزعة على ثمانية مواقع رئيسية، بعضها غير معروف للرأي العام، وبعضها يقع تحت تحصينات هائلة يصعب اختراقها حتى بأقوى القنابل الأميركية. كما أن اليورانيوم المخصب نُقل إلى أماكن آمنة، ما يعني أن المادة الأساسية لتخصيب الوقود النووي لم تُدمَّر”.
ووفق دياب والعبادي، فإن “الضربة الأميركية لم تكن كافية لإنهاء البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل. فهي من جهة لم تُلحق ضرراً حاسماً بالمنشآت الأكثر عمقاً، ومن جهة أخرى حملت رسالة سياسية واضحة بأن واشنطن تريد استدراج طهران إلى التفاوض على قاعدة جديدة من دون أوراق ضغط إيرانية”.