وصل أمس الإثنين إلى العاصمة الأميركية واشنطن، وزير المالية في الحكومة السورية الانتقالية محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، للمشاركة في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تعقد مائدة مستديرة بشأن دعم سوريا، على هامش الاجتماعات تستضيفها الحكومة السعودية بالتعاون مع البنك الدولي، بحسب ما كشف مسؤول أممي، وسط تساؤلات كثيرة بشأن انعكاس هذا الدعم المتوقع على الأوضاع في سوريا، وما هي التداعيات المترتبة عليه بالنسبة لاقتصاد البلاد، ومن حيث الالتزام بشروط معينة يتعين على السلطات تنفيذها.
جهود سعودية
نقلت وكالة رويترز عن عبدالله الدردري، الأمين العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوم الجمعة الماضي، أن “الاجتماع رسالة إلى العالم وإلى الشعب السوري بأن أكبر المؤسسات المالية بالعالم مستعدة لتقديم الدعم”، مشيراً إلى أن السعودية سددت نحو 15 مليون دولار من المتأخرات المستحقة على سوريا لصالح البنك الدولي، ما يمهد الطريق لتقديم منح مالية محتملة بملايين الدولارات لصالح جهود إعادة الإعمار والدعم الاقتصادي.
وقال الدردري، إن “الخطوة السعودية ستسمح للبنك الدولي بدعم سوريا عبر المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك المخصصة للدول ذات الدخل المنخفض، وهذا إنجاز كبير لسوريا في مفاوضاتها مع البنك الدولي”، لافتاً إلى أن “سوريا تمتلك أيضاً حقوق سحب خاصة بقيمة 563 مليون دولار في صندوق النقد، لكنها لا تستطيع استخدامها من دون موافقة الدول الأعضاء التي تمتلك 85 في المئة من الأصوات، وهو ما يمنح الولايات المتحدة التي تمتلك 16.5 في المئة من الأصوات حق النقض الفعلي”.
اقرأ أيضاً: سوريا بعد الأسد الابن: هل تعود الأموال المهاجرة؟
وذكر المسؤول الأممي، أن الأمم المتحدة ستقدم مساعدات لسوريا بقيمة 1.3 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، لدعم جهود إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، موضحاً أن “الخطة لا تقتصر على تقديم الأموال فحسب، بل تشمل استراتيجية شاملة لدعم جميع جوانب التعافي الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، وستتضمن إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإطلاق برامج للحماية الاجتماعية وإعادة تأهيل البنية التحتية، وسيعتمد تمويلها على مصادر متعددة بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودولاً بالمنطقة مثل السعودية وتركيا”.
ويأمل السوريون أن يسهم الدعم المقدم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في دفع جهود التعافي الاقتصادي والتخفيف من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها سوريا منذ أكثر من عقد، وصولاً إلى انطلاق عجلة الاقتصاد وعمليات إعادة الإعمار، في ظل تأخر رفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، والتي تعيق أي جهود للاستثمار الأجنبي، بحسب خبراء اقتصاديين.
استفادة محدودة
يقول الاقتصادي السوري الدكتور عماد الدين المصبح، المقيم في السعودية، إن “إمكانية استفادة سوريا من دعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتحفيز الاقتصاد وتمويل إعادة الإعمار تبقى نظرية إلى حد كبير بالوقت الراهن، فرغم أنه يمكن لهذه المؤسسات تقديم موارد مالية وخبرات فنية، إلا أن العقبات القائمة تبدو هائلة”.
ويشير خلال تصريحات لموقع “963+”، إلى أن “هذه العقبات تشمل عدم الاستقرار السياسي والحاجة إلى الاعتراف الدولي الواسع بالإدارة الانتقالية، إلى جانب العقوبات الدولية الصارمة، خاصةً قانون “قيصر” الأميركي الذي يعرق إعادة الأعمار، إضافةً للشروط الصعبة التي تفرضها هذه المؤسسات عادةً والتحفظات المحتملة المتعلقة بطبيعة الإدارة الحالية”.
اقرأ أيضاً: عقوبات وغياب إعادة الإعمار.. ما هو واقع البنية التحتية في سوريا؟
ما تأثير الصراع التجاري بين الدول؟
ويؤكد مدير مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية في مصر أحمد هارون، أن “سوريا تمتلك أموالاً في صندوق النقد الدولي بقيمة 563 مليون دولار ويحق لها سحبها، لكن ذلك يصطدم مع الحصة الِأميركية الكبيرة وتأثيرها في عمليات تصويت الدول على هذا السحب”، ويقول لموقع “963+”، إنه “نظراً لدخول أميركا في صراع تجاري مع دول كثيرة خاصةً الصين، فمن المتوقع أن تأخذ بعض الدول منحىً مغايراً لرغبات واشنطن وهذا بحد ذاته ورقة يمكن التفاوض بشأنها”.
لكن الدعم المقدم من البنك الدولي وصندوق النقد، يترتب عليه تبعات سلبية ومخاطر كثيرة، بحسب أغلب الخبراء الاقتصاديين، خاصةً في ظل الوضع الاقتصادي المتردي بسوريا رغم الحاجة الملحة للدعم المالي والتقني، ومن هذه التبعات، القيود والشروط الاقتصادية والسياسية، فالبنك الدولي غالباً ما يفرض شروطاً صارمة على الدول التي تتلقى دعم منه، مثل إلغاء دعم السلع الأساسية، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، ويزيد الضغط على المواطنين.
وإلى جانب ذلك، فإنه من المحتمل أن تفرض إصلاحات اقتصادية قسرية على البلاد، مثل تحرير الأسعار والخصخصة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إضافةً إلى أنه يمكن أن تترافق المساعدات مع ضغوط سياسية دولية تؤثر على سيادة القرار الاقتصادي والسياسي للحكومة، وزيادة الديون والأعباء المالية، حيث أن المساعدات المقدمة من البنك الدولي هي على شكل قروض.
الاعتماد على الاستثمارات
ويشير هارون، إلى أن “سوريا تمتاز بالتنوع الاقتصادي، وهي دولة زراعية وصناعية وسياحية وتمتلك ثروات طبيعية وسمكية، كما أن مفتاح النمو والتطور هو الاستثمار بكافة أشكاله، لذلك على السلطات البدء بوضع آليات لدعم الاستثمار المحلي والأجنبي”، لافتاً إلى أن “أهم محاور جذب الاستثمارات هي التشريعات المحفزة والضامنة، والإعفاءات الضريبية والجمركية، والتسهيلات والإعفاءات المرتبطة ببعض المناطق التي كانت محرومة سابقاً من برامج التنمية”.
وفي ظل ما تعانيه سوريا من أزمة اقتصادية، يتعذر معها الاستثمار في البنى التحتية والبشر والتكنولوجيا والبيئة، بتمويل يعتمد على المدخرات والموارد المحلية، وصعوبة الاعتماد على مشاريع تستند إلى تمويل حكومي في ظل الأزمة والعقوبات، فإنها تجد نفسها مضطرة للاستدانة من البنك الدولي، بل تعتبر ذلك أحد أطواق النجاة، بحسب محللين.
ويعتبر المصبح، أن “التحول عن التصريحات السابقة لرئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بشأن رفض اللجوء للبنك الدولي، فإنه يعكس توجهاً براغماتياً لمواجهة الأزمة، لكنه قد يثير أيضاً تحديات داخلية، لكن مع ذلك وبالنظر إلى مجمل الظروف والتحديات، فإن السيناريو الأرجح هو استمرار صعوبة حصول سوريا على دعم مالي دولي كبير، ما يضع عبئاً ثقيلاً على الإدارة الانتقالية في البحث عن مصادر تمويل بدلية لتلبية الاحتياجات الهائلة للبلاد”.
وكان التقرير السنوي للبنك الدولي الصادر في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قد سلّط الضوء على المخاطر المترتبة على الديون الدولية، وأشار على استنزاف مصادر التمويل المحلية لخدمة الديون المتراكمة بعد ارتفاع أسعار الفائدة لأعلى مستوى منذ عشرين عاماً، حيث أنفقت الدول النامية 1.4 تريليون دولار في خدمة الديون، وسحب دائنو القطاع الخاص من هذه البلدان تمويلاً فاق ما قدموه بمقدار 141 مليار دولار منذ عام 2022.