بعد أكثر من أربعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، ما زالت سوريا تواجه تحديات مختلفة كثيرة، لعل أبرزها الاقتصاد الذي يعاني من تداعيات أزمات متعددة خلال السنوات الماضية، أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكلٍ كبير، إلى جانب انتشار الفساد وسوء الأحوال المعيشية، ووصولها لمستويات متدنية للغاية. وتمثل عملية إعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية حاجة ملحة للبدء بخطة إعادة إحياء البنية التحتية بمختلف القطاعات الخدمية الرئيسية، من كهرباء وماء واتصالات وطرق وغيرها بعد الدمار الهائل الذي وقع خلال حرب عصفت بالبلاد على مدار أكثر من عقد من الزمن.
وبلغت خسائر قطاع الكهرباء في سوريا، خلال سنوات الحرب الماضية نحو 40 مليار دولار بشكل مباشر، فيما تجاوزت الأضرار غير المباشرة 80 مليار دولار بحسب منصة “الطاقة المتخصصة” ومقرّها في واشنطن. كما وصلت قيمة أضرار قطاع المياه 1,2 مليار دولار، مع فقدان الكثير من مصادر المياه النظيفة.
ووفق أرقام حكومية رسمية حديثة، هناك ما لا يقل عن 10 آلاف مدرسة متضررة من أصل 20 ألف مدرسة في سوريا، منها مدارس مهدمة بنسبة 70%، فيما تحولت الأخرى إلى مبانٍ متردية لا تلبي الحد الأدنى من معايير التعليم.
ويأمل السوريون داخل البلاد وخارجها، أن تحمل الفترة المقبلة تحسناً في البنية التحتية والأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية بالتزامن مع إلغاء القيود المفروضة لتقديم الدعم المطلوب من قبل الجهات الإقليمية والدولية.
في لقاء خاص جاء في العدد السابع من صحيفة “963+”، يتحدث الباحث السوري سلام الكواكبي، مدير المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات في باريس، عن عملية إعادة الإعمار في سوريا ودور القطاع السوري المهاجر، والدول التي ستعتمد عليها الإدارة السورية الجديدة في إعادة بناء النظام الاقتصادي.
في ما يأتي الحوار كاملاً:
باتت عملية إعادة إعمار سوريا واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً وتعقيداً اليوم. ما هي برأيك الاستراتيجية الأفضل لمقاربة مسألة إعادة الإعمار؟
لا يمكن الحديث عن إعادة إعمار من دون تحقيق الاستقرارين، السياسي والأمني بشكل عام. حين يتم تحقيق ذلك، يمكن للمستثمرين السوريين والعرب والأجانب الدخول إلى الأسواق والمساهمة في عملية إعادة الإعمار التي يجب أن تخطط لها الدولة، فهي التي تعرف الاحتياجات وتقدرها، من دون أن تتداخل المصالح الشخصية والنفعية لبعض التكتلات.
يبدو المجتمع الدولي متردداً في تمويل إعادة إعمار سوريا. ما السبب؟
أبداً. المجتمع الدولي غير متردد في عملية إعادة إعمار سوريا، لكنه يفرض شروطاً واضحة، وتم التذكير بها مرات عدة، وتدور حول التشاركية وطبيعة نظام الحكم ودور المرأة والعلاقات مع الدول المجاورة، وهناك أيضاً شروط تفرضها قوى مهيمنة على المجتمع الدولي، كالولايات المتحدة الأميركية، وهي شروط أشد تعقيداً من شروط الدول الغربية والأوروبية بشكل خاص.
ما دور القطاع الخاص السوري المهاجر، وما أسباب عدم مساهمة رجال الأعمال السوريين المغتربين في إعادة بناء اقتصاد بلدهم المتهالك؟
للقطاع السوري المهاجر دور أساسي في بناء سوريا، لكنه يُعنى بالربح ويهتم بمكان إقامته الحالية واستثماراته هناك. وكما يقولون، فإن “رأس المال جبان”، بالتالي لا يمكنه أن يدخل في متاهة غير واضحة المعالم في ظل تخبط السياسات وعدم وضوح طبيعة النظام السياسي في سوريا، وكل ذلك مرتبط بعضه ببعض.
إلى أي مدى يمكن الجزم لأن استمرار العقوبات الأميركية على سوريا يشكل عاملاً حاسماً في التحركات الإقليمية والدولية لدعم سوريا في رحلة إعادة الإعمار؟
العقوبات الأميركية أوقفت كافة المحاولات وآخرها المحاولة الأوروبية عندما قرر الأوروبيين رفع أهم العقوبات عن سوريا مدة عام كامل. هذا لن يؤدي إلى أي شيء عملياً، لأن الولايات المتحدة تفرض قيوداً على التحويلات المصرفية التي تمر جميعها عبر نظام “سويفت” في نيويورك، وهذا يمنع أي تحويل، ما أثر في رغبة قطر في تحويل رواتب الموظفين السوريين ولم تستطع القيام بذلك لعدم قبول واشنطن برفع العقوبات المصرفية عن الدولة السورية. وكما ذكرت، لدى أميركا شروط مختلفة عن الشروط الغربية. فواشنطن لا تهتم لموضوع الديموقراطية والاندماج والتشاركية، ولا مسألة حقوق المرأة. وما يهم أميركا في عهد ترامب أولاً وأخيراً هو أمن إسرائيل، وتلبية ما ترغب به حكومة اليمين المتطرف القائمة الآن في إسرائيل، وهي ترغب في فتح الأجواء السورية لها وعدم وجود سلاح في المناطق الحدودية.
يبدو الآن أن ثمة حصة لتركيا، وأخرى لدول الخليج، في إعادة الإعمار. من هي الدول التي ستعتمد عليها الإدارة السورية الجديدة في إعادة بناء النظام الاقتصادي للبلاد؟
تركيا ستؤدي دوراً رئيسياً في عملية إعادة الإعمار في سوريا، خصوصاً أنها معروفة بشركات الإعمار الخبيرة لديها والقرب الجغرافي بين تركيا وسوريا والعلاقات البينية المتطورة. سيكون لتركيا “حصة الأسد” في سوريا بتمويل من دول خليجية. على الحكومة السورية أن تنوع في المساهمين بعملية إعادة الإعمار، إن كان ذلك عملياً أم مادياً، ويجب أن يكون لكافة الدول الإقليمية والدولية المعنية في المنطقة معرفة بالتحولات الجارية في سوريا، للمحافظة على استقرارها ومنع أي تدخلات تخريبية في مسار التحول الذي أتمنى أن يكون ديموقراطياً في سوريا.
نشرت هذه المادة في العدد السابع من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 18 نيسان /إبريل 2025.
لتحميل كامل العدد السابع من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+