خاص ـ الحسكة
شهدت سوريا في الآونة الأخيرة سلسلة من جلسات الحوار الوطني التي انعقدت في دمشق والسويداء ودرعا، والحسكة والرقة وغيرها من المحافظات السورية، حيث تم التركيز على معالجة القضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية الملحة. تم تنظيم هذه الجلسات تحت إشراف اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وشارك فيها عدد من الشخصيات المجتمعية والحقوقية من مختلف المناطق. وقد تضمنت المناقشات دعوات لتحقيق العدالة الانتقالية، إصلاح المؤسسات، وإعادة الإعمار، في وقت تباينت فيه المطالب بين المشاركين من مختلف المناطق.
ورغم الطموحات المشروعة للإصلاح، كانت هناك انتقادات متزايدة من غياب الشمولية في التمثيل، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه الجلسات في تحقيق التغيير المنشود.
وعقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، الخميس الماضي، جلستين حواريتين منفصلتين لأبناء محافظتي الرقة والحسكة في العاصمة السورية دمشق، بمشاركة عدد من أبناء المحافظتين الذين تمت دعوتهم للحضور من مدنهم المختلفة أو من المدن السورية الأخرى التي يتواجدون فيها، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وتركزت مداخلات المشاركين على ضرورة تشكيل لجان تُعنى بحقوق الإنسان، وتطبيق العدالة الانتقالية، واستثمار الطاقات البشرية في إعادة إعمار سوريا وهيكلة مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى توجيه الجهود نحو بناء المؤسسات والإسراع في إعداد الإعلان الدستوري الجديد في البلاد.
كما أكد المشاركون على أهمية التنوع بين مختلف الأطياف باعتباره نقطة قوة للمجتمع السوري، مشددين على ضرورة استثمار الكفاءات والنخب الوطنية في جميع مفاصل الدولة. وطالب الحاضرون بتكثيف الجهود لتشكيل حكومة جديدة موسعة، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بالإسهام في رفع العقوبات عن البلاد، بالإضافة إلى الإسراع في إعادة الإعمار ودعم القطاعات الاقتصادية، لاسيما الزراعة والثروة الحيوانية.
أصوات من الحسكة: غياب التمثيل والإحباط الشعبي
رغم أهمية المؤتمر، أعرب العديد من المشاركين من محافظة الحسكة عن خيبة أملهم من مخرجات الحوار.
محمد الجندي، ناشط سياسي من الحسكة، اعتبر في حديث لموقع “963+” أن المؤتمر لم يعكس تطلعات الشعب السوري بشكل عام، قائلاً: “كان هناك غياب واضح لتمثيل الأقليات، وهذا يثير القلق. نحن بحاجة إلى صوت الجميع، وليس فقط بعض الفئات، وإذا لم يتم تمثيل الجميع، فلن تكون النتائج شاملة”.
أما سارة حميدو، من مدينة الحسكة، فأكدت لـ”963+” أن “المؤتمر لم يشمل نخبة مميزة من السوريين الذين لديهم القدرة على تقديم أفكار وحلول حقيقية”، مشيرة إلى أن “غياب هذه الأصوات يعني نقصًا في الخبرات والأفكار الجديدة، ما يؤثر على إعادة بناء سوريا”.
علي السلطان، موظف حكومي سابق، رأى أن “الحوار الوطني كان يجب أن يكون أكثر شمولاً”، معتبراً في حديث لـ”963+” أن “القضايا المتعلقة بالأقليات وحقوقهم لم تكن في صدارة النقاشات”.
من جهتها، هالة السعد أعربت عن شعورها بعدم وجود تغيير حقيقي بعد المؤتمر، قائلة لـ”963+”: “هذا الإحباط يؤثر علينا جميعاً. نشعر بأننا غير مهمين وأن أصواتنا لا تُسمع”.
درعا: مطالب بمحاسبة أذرع النظام ورفض اندماج الفصائل
في سياق متصل، كانت قد عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري، الأربعاء الماضي، جلسات حوارية ضمن المسار الوطني في محافظتي السويداء ودرعا جنوب سوريا، لمناقشة القضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ففي درعا، عُقدت الجلسة في المركز الثقافي بحضور أعيان ووجهاء المحافظة، وإعلاميين وخبراء، إلا أن بعض الأهالي رأوا في حديث لـ”963+” أن الحوار لم يكن بالمستوى المطلوب، بسبب “ضيق الوقت وعدم إفساح المجال للحضور بالتحدث”.
وتركزت المداخلات على “ضرورة محاسبة أذرع النظام والميليشيات التي تشكلت مع الأمن العسكري والروس بعد عام 2018”. كما طالب الحقوقيون بتشكيل مجلس أعلى لحقوق الإنسان، في حين دعا ذوو الشهداء إلى تكريم أبنائهم عبر إنشاء مدارس تحمل أسماءهم.
الوجهاء شددوا على ضرورة تحسين الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والاتصالات، بينما ركزت الطائفة المسيحية على تفعيل دور القضاء والتعليم باعتبارهما أساسيين لنجاح أي إصلاح.
أحد أبرز المداخلات كانت من الشاعر أبو سعيد المجاريش، الذي ناشد اللجنة باستبعاد الموالين للنظام من السلطة الجديدة، قائلاً: “لن أقبل أن أضع يدي بيد من كان يتعامل مع الأمن العسكري والنظام السابق. من كان سببًا في تهجيرنا وقصفنا، لن يكون في السلطة الجديدة، وسأقوم بثورة جديدة إذا حدث ذلك!”.
من جهتهم، رفض عسكريون في الجلسة اندماج الفصائل المحلية التي كانت تتبع للأمن العسكري ضمن وزارة الدفاع، معتبرين أن هذه الخطوة لا تخدم استقرار المحافظة.
مطالب متباينة ومستقبل غامض
عكست الجلسات الحوارية في دمشق والسويداء ودرعا اختلاف وجهات النظر والمطالب بين مختلف الشرائح المجتمعية. وبينما ركّز المشاركون في دمشق على إعادة الإعمار وهيكلة مؤسسات الدولة، جاءت مداخلات الجنوب أكثر حدة، حيث طالب الحضور بمحاسبة أذرع النظام وإصلاح النظام السياسي بشكل جذري.
ومع استمرار انعقاد جلسات الحوار الوطني، يبقى السؤال المطروح: هل ستتم الاستجابة لهذه المطالب، أم أن الحوار سيبقى مجرد إجراء شكلي دون تأثير حقيقي على مستقبل سوريا؟