تمثّل قضية النازحين واللاجئين في مخيمات شمالي سوريا أزمة إنسانية خاصة، من حيث مخاطرها وأخطرها المحتجزون في مخيم الهول، والتحديات التي تفرضها وفي رأسها إعادة دمج قاطني هذه المخيمات في المجتمعات المحلية في ضوء تقليص الدعم الدولي.
وفي اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي حددته الأمم المتحدة في 19 آب/أغسطس من كل عام، لا مثال حياً أكثر من هذه المخيمات على ما يمكن أن يكون عليه حال العمل الإنساني، في مخيمات تفتقد لأدنى الشروط الإنسانية للحياة.
أهوال الهول
يُعتبر مخيم الهول، وفقاً لعدد كبير من المراقبين، من أخطر بقاع العالم، تقطنه عائلات أخطر المقاتلين في التنظيمات الراديكالية حول العالم، ينتسبون إلى نحو 50 جنسية عربية وأجنبية.
وتعود بدايات هذا المخيم إلى عام 1991. فقد دفعت حرب الخليج الثانية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى التعاون مع الحكومة السورية لاستقبال نحو 15 ألفاً من الفارين من تلك الحرب، أغلبيتهم من الفلسطينيين المطرودين من الكويت.
وأُغلق المخيم سنوات عدة بعد استقرار الأوضاع في العراق، ليُعاد فتحه في عام 2003 لاستقبال الفارين من الحرب الأميركية على العراق. أٌغلق ثانية في عام 2007، وبقي مغلقاً حتى منتصف عام 2016، حين فُتح لاستقبال العائلات السورية والعراقية الهاربة من هجمات تنظيم “داعش”، المصنف “إرهابياً” لدى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى، على سوريا والعراق. وفي أقل من عام، وصل عدد قاطنيه إلى 20 ألفاً.
وفي 9 كانون الأول/ديسمبر 2017، أعلن العراق النصر على “داعش”. وفي 23 آذار/مارس 2019 هُزِم “داعش” بالكامل في الأراضي السورية، فلجأ المزيد من الفارين إلى المخيم، إضافة إلى ما في المخيم من عائلات لمقاتلي التنظيم، ووصل عدد قاطنيه إلى 66 ألفاً.
لا مساعدات ولا مساواة.. مخيمات الشمال السوري فريسة الإهمال والأوبئة
قنبلة موقوتة
يقول شيخموس أحمد، الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إن الإدارة مستمرة في إخراج العائلات السورية الراغبة بالخروج إلى مناطق شمال شرقي سوريا، خصوصاً أن المخيم خاضع لإشراف هيئة الشؤون الاجتماعي والعمل التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، بالتعاون مع منظمات دولية.
وعلى الرغم من إخراج عدد كبير من هذه العائلات، ما زال في المخيم نحو 40 ألفاً، منهم نحو 18 ألف عراقي، وبينهم أكثر من 6 آلاف من أفراد أسر مقاتلي “داعش” من الأجانب. وتقول تقارير أممية إن 4 آلاف طفل موجودون في المخيم، ينحدرون من جنسيات مختلفة.
يقول “سالار”، وهو عامل في إحدى المنظمات الدولية فضل عدم الإفصاح عن اسمه لأسباب مهنية، لـ”963+”، إن سكان مخيم الهول “يعيشون وضعاً إنسانياً متدهوراً ويفتقدون للاحتياجات الرئيسية والخدمات الطبية، فخفض تمويل العمل الإنساني أثّر كثيراً، وربما يكون الحلّ في إغلاق المخيم بعد استعادة كل دولة مواطنيها منه”.
وفي شمال شرقي سوريا 15 مخيماً نظامياً، والعشرات من المخيمات العشوائية، بينها 53 مخيماً عشوائياً في الرقة وحدها، إضافة إلى عشرات المخيمات في دير الزور والطبقة ومنبج. تشرف على تلك المخيمات هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، ومنظمات محلية مثل “الهلال الأحمر الكردي” ومنظمة “سمارت”، ومنظمات دولية مثل “اليونيسيف” ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واللجنة الدولية لمنظمة الصليب الأحمر، وMercy Groups.
وفي حديث سابق، يقدر شيخموس أحمد عدد العائلات في هذه المخيمات بنحو 70 ألف عائلة، “ويصل عدد السكان إلى 150 ألف نسمة في المخيمات النظامية وعشرات الآلاف في المخيمات العشوائية”، مضيفاً لـ “963+” أن هذه المخيمات موزعة كالآتي: 6 مخيمات في إقليم الجزيرة، ومخيم واحد في دير الزور، ومخيمان في الطبقة، ومخيم واحد في الرقة، ومخيمان في منبج، و5 مخيمات في ريف حلب.
في الشمال السوري.. الاستجابة الإنسانية تغطي نصف الاحتياجات فقط
منسيون تماماً!
تقول سها ضرار الوادي (29 عاماً)، من أهالي دير الزور المقيمة في إحدى المخيمات في ريف الرقة، لـ”963+”: “طفلتي تمرض دائماً، ويكاد الإسهال وارتفاع الحرارة يصبحان جزءاً أساسياً من حياتها، وخيمتنا لا تقينا حر ولا برد الشتاء، والمساعدات لا تصل، وإن وصلت لا تكفينا”.
تقول “أم لافا”، المسؤولة عن أحد أجزاء “مخيم الطلائع” بمدينة الحسكة، لـ”963+” إن الخدمات ضعيفة من الناحية توزيع السلال الغذائية، “فحين يزيد عدد أفراد الأسرة على 7 أشخاص، تحصل الأسرة على حصتين لشهر، وحصة لشهر آخر، وإن تألفت الأسرة من 4 أشخاص، تنال حصة واحدة لشهرين”.
تضيف: “لا خدمات تقدم للأهالي، والأدوية مفقودة، وحده الهلال الأحمر يوزع القليل منها، ونحتاج إلى أدوية لعلاج الجرب واللشمانيا”. وتردف وهي تبكي: “نحن هنا منسيون تماماً”
بحسبها، يُمنح كل مقيم في المخيم رغيفين، وتقلصت كمية المازوت الممنوحة سنوياً، فيضطر الناس هنا لشرائه بثمن غال يصل إلى 4700 ليرة سورية للتر الواحد، والخيم ممزقة، والمنظمات الدولية تتجول بين الخيم من دون فائدة؛ يدونون مطالبنا، فتبقى حبراً على ورق.
أما بتول بشار (39 عاماً)، العاملة الاجتماعية في أكثر من مخيم، فتقول “إن الخيم لا تمنح الفتيات حتى الستر، ودورات المياه غير صالحة للاستخدام النسائي، والشوارع سيئة حفرها كبيرة مليئة بمياه الصرف الصحي والأمطار، ومكبّ القمامة ملاصق للمخيم، والذباب يكاد يدخل في الأفواه”.
تقرير أممي: مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس في شمال غربي سوريا
معاناة اسمها “لا نعود”
هل من سبيل للعودة إلى حياة ما قبل الحرب وما قبل “داعش”؟ تجيب ضرار الوادي: “لا يمكنني العودة إلى أهلي، بعدما اشترطوا أن أترك أبنائي هنا إن أردت العودة، لأنني تزوجت من أحد مقاتلي ’داعش‘ الأجانب”، مضيفة: “حتى لو تركتهم هنا وعدت إلى عائلتي، فلن أستطيع الاندماج في المجتمع الذي سينظر لي نظرة ازدراء وإهانة”.
و”أم ميمونة” ثلاثينية من أهالي دير الزور، خرجت من أحد المخيمات عائدة إلى أهلها. تروي لـ”963+”: “ترفض أمي الاعتراف بابنتي، وتقول أمامها إنها ’عمل من رجس الشيطان‘، لأن والدها كان في ’داعش‘، حتى إنها أجبرتني على القول لمن يسألني إنني كنت متزوجة من رجل في ريف درعا، وقد توفي زوجي، إلا أن إحدى جاراتنا قالت لي مرة: ’أشك في أنك كنت متزوجة من داعشي‘، وهذا زرع في قلبي الخوف”.
تضيف: “حظوظي في الزواج معدومة، وإن أتاني طالبٌ فهو في الأغلب ستيني أرمل أو مطلق، له دستة من الأبناء والبنات، ويشترط ألا تأتي ابنتي معي إلى منزله”.
وتتذكر “أم لافا” باكية أيامها في رأس العين التي تُعرف بالكردية بـ “سري كانيه”، وكانت ميسورة الحال تملك العقارات وفرناً حجرياً… “لكنني لا أستطيع أن أعود”.
انتشار الأمراض الجلدية في مخيمات شمال غرب سوريا.. 7 أسباب رئيسية
استجابة إنسانية متراجعة
يقول “منسقو استجابة سوريا” في تقرير أخير إن الوضع في مخيمات شمال غربي سوريا تراجع في تموز/يوليو الماضي، “فقد تراجعت نسبة الاستجابة في مختلف القطاعات الإنسانية بنسبة 33.43% من إجمالي عمليات الاستجابة الإنسانية، وهذه أدنى نسبة استجابة للمخيمات في شمال غربي البلاد منذ خمسة أعوام حتى الآن”.
وبحسب التقرير نفسه، بلغت نسبة الاستجابة الإنسانية ضمن المخيمات في قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش 36%، وفي قطاع المياه 22%، وفي قطاع الصحة والتغذية 30%، وفي قطاع المواد غير الغذائية 39%، وفي قطاع المأوى 42%، وفي قطاع التعليم 29%، وفي قطاع الحماية 36%، كما ارتفعت نسبة العائلات المعتمدة على المساعدات الإنسانية إلى 89%، وهي مرشحة للارتفاع في الأشهر المقبلة.
يقول علي العبد الله، وهو باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، لـ”963+” إن في شمال غربي سوريا نحو 1500 مخيم، بين مخيمات صغيرة وكبيرة، “منها مبني بكتل اسمنتية، ومنها ما يتألف من خيم أو كرفانات، لكن القاسم المشترك بينها كلها اعتمادها على الدعم الدولي، إنسانياً وإغاثياً”.
ويضيف: “المخاطر لا تقتصر على تراجع الدعم الإغاثي، فالأمية متفشية، ونحو مليون طفل خارج العملية التعليمية، والمخدرات منتشرة، وزواج القاصرات مسألة طبيعية هنا، والمشاكل الأخلاقية تعمّ المخيمات، إضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض الجلدية والمياه الملوثة واضطرار الأهالي للجوء إلى المشافي في المدن، وبينها 34 مشفى مهددة بالإغلاق نتيجة توقف الدعم”.
بحسب العبد الله، الجيل الجديد هو الحلقة الأضعف في هذه المخيمات. يقول: “هذا الجيل كبر في المخيمات، وتشرّب ثقافة المخيمات القائمة على الاتكال وانتظار سلة غذائية وغياب الوعي الثقافي والمدني والاجتماعي، ما يجعله أداة ضاغطة على المجتمع السوري المتهالك، مع ما نشهده من أزمة اقتصادية خانقة، إذ تتورط أغلبية الشبان بارتكاب الجرائم، أو يلجأون إلى الفصائل المسلحة بعد أن يلفظهم المجتمع، ولا يجدون عملاً يسدون به جوعهم”، مع تراجع الأجور والدخل، حيث يعمل مياومون بــ 25 ليرة تركية أي أقل من دولار واحد.
ويختم العبدالله: “الحلول الترقيعية لا تنفع، والحل الجذري هو الحل السياسي وعودة المهجرين إلى بيوتهم ومجتمعاتهم ضمن بيئة آمنة تتمتع بضمانات دولية”.
الصحة العالمية: مرض الجرب يغزو مخيمات النازحين شمال غرب سوريا
ليس استثناءً
في منطقة بشمال حلب تسمى بـ”الشهباء” توجد 5 مخيمات: برخدن، وسردم، والعودة، وعفرين، والشهباء، يقطن فيها نحو 150 ألفاً هجروا قسراً من عفرين في عام 2018، يتوزعون على مخيمات وقرى وبلدات منكوبة تفتقر للبنية التحتية الملائمة بسبب الحرب التي اندلعت بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المختلفة و”داعش”.
تدير “الإدارة الذاتية” مخيم الشهباء، في ظل غياب المنظمات الدولية، وحصار القوات الحكومية.
تقول هبة زيادين، وهي باحثة أولى في “هيومن رايتس ووتش”، في حديث سابق لـ”963+” إن المعاناة في هذه المخيمات “ناتجة أساساً من فقدان الرعاية والاهتمام، من ناحية تأمين الغذاء ذات الجودة، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية الملائمة، والتعليم”.
وهذا يفرض تحديات كبيرة، بحسب شيخموس أحمد، مؤكداً أن مأساة مخيمات الشهباء هي “الأشد”، بسبب غياب المنظمات الإنسانية، المحلية والدولية.
مخيم الهول ـ الحسكة ـ سوريا ـ مخيمات الشمال السوري ـ منسقو استجابة سوريا ـ الشهباء ـ المنظمات الإنسانية ـ 963media ـ دير الزور ـ الطبقة ـ منبج