بيروت
فيما يتقلّب الشرق الأوسط كله على صفيح ساخن، بانتظار ما ستسفر عنه الجولة الثانية المرتقبة في القاهرة لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، رجّح مسؤولون أميركيون لصحيفة “نيويورك تايمز” التوصل إلى اتفاق بين مفاوضي “حماس” وإسرائيل بوساطة قطرية –مصرية، بناءً على معطيات ميدانية “لا يمكن تجاهلها”، بحسب الصحيفة.
ويضيف تقرير “نيويورك تايمز” أن اسرائيل “حققت كل ما تستطيع تحقيقه على الصعيد العسكري في غزة، واحتمالات الخلاص من ’حماس‘، أو حتى إضعافها تضاءلت بشكل كبير، خصوصاً أن ذراعها العسكري ما زال قادراً على المواجهة، وعلى تهديد البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة بالصواريخ، ولو تراجعت حدة التهديد عن الفترة السابقة”.
فشل عسكري
كذلك، قالت الصحيفة الأميركية “إن استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة بالوسائل العسكرية مسألة صعبة، كما حاولت إسرائيل وقف التهديد الذي يأتي من شبكة الأنفاق تحت غزة، لكنها فشلت في تدميرها، بعدما ثبت للقيادة الإسرائيلية أن ما تسميه ’مترو حماس‘ أكبر مما توقعته، وبالتالي، يرى مسؤولون عسكريون في البنتاغون أن تل أبيب لم تنجح في تأمين المناطق التي سيطرت عليها في غزة”.
ويأتي هذا التقرير موازياً لزيارة جديدة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط، في مسعى ديبلوماسي حثيث لتجنيب المنطقة الحرب، ولاستكمال الضغط الذي تمارسه إدارة الرئيس الأميركي جو بادين لإرغام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القبول بالصفقة، خصوصاً أن الوسيط الأميركي قدّم لمفاوضي “حماس” في الدوحة الأربعاء الماضي مقترحاً جديداً، لا يمسّ كثيراً بمطالب تل أبيب نفسها.
فقد نقلت قناة “الشرق” الإخبارية عن مصدر في “حماس” كشفه بنود الاقتراح الأميركي المحدث الذي طرح في محادثات الدوحة، وهي: “أولاً، تقليص الجيش الإسرائيلي قواته في محور فيلادلفي المحاذي للحدود المصرية من دون انسحاب كامل؛ وثانياً، تسليم السلطة الفلسطينية إدارة معبر رفح برقابة إسرائيلية؛ وثالثاً، تركيب منظومة رقابة لتحديد هويات سكان غزة العائدين إلى شمال القطاع؛ ورابعاً، إبعاد الأسرى الفلسطينيين المحررين إلى خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، مع منح اسرائيل الحق في الاعتراض على 100 من أسماء هؤلاء الأسرى، التي تسلمها ’حماس‘”.
في مهب الريح
ينقل الإعلام الأميركي عن المسؤولين في البيت الأبيض تفاؤلهم باقتراب وقف الأعمال الحربية في غزة، ولو بشكل مؤقت، خصوصاً أن منظمة الصحة العالمية تطالب بهدنة إنسانية، لتتمكن من تلقيح مئات الآلاف من الأطفال في القطاع المحاصر ضد شلل الطفال، الذي بدأ يتفشى بينهم، منذراً بكارثة صحية كبيرة.
إلا أن الإعلام الإسرائيلي نفسه لا يوافق على هذا التفاؤل، مستبعداً إبرام أي صفقة قريبة بين إسرائيل و”حماس”.
وتقول “هيئة البث الإسرائيلية” (كان) إن هذه الصفقة تحقق أكبر مخاوف نتنياهو، أي خسارته حزبي “عوتسما يهوديت” و”الصهيونية الدينية”. وتضيف:”طرح الصفقة ببنودها الحالية – حتى لو كانت ’حماس‘ ترفض بنوداً عدة فيها – للتصويت في مجلس الوزراء والحكومة، سيكلف نتنياهو خسارة الأغلبية الائتلافية، ويضع مصيره السياسي نفسه في مهب الريح”.
وتضيف “كان”: “في محادثات شبه رسمية لجس نبض الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسائيل سموتريتش، كانت الرسالة التي نُقلت إليهما من نتنياهو أنه لن يؤيد أي صفقة لا تسمح لإسرائيل بالعودة إلى القتال في غزة، حتى تحقيق الأهداف، وفي مقدمها تدمير ’حماس‘”، مؤكدةً أن تل أبيب لن تطلب من الولايات المتحدة الموافقة على عودة الجيش الإسرائيلي إلى القتال، “فهذه مسألة داخلية بحتة، لكن القيادة السياسية في إسرائيل تريد التأكد من أن قرارها هذا لن يعدّ انتهاكًا للإطار الذي رسمه بايدن للصفقة”.
وبحسب المقربين من نتنياهو، موافقة الحكومة على صفقة مع “حماس” لن تُفقده الأغلبية في الحكومة، “لكن بن غفير وسموترتش سيستقيلان، فتتحول الحكومة كلها إلى حكومة أقلية، علماً أن هذا التحليل كله مستند إلى مسألة مهمة، وهي حدوث انفراج حقيقي في المفاوضات المرتقبة بالقاهرة”، كما تقول “كان”.
أمني لا عسكري
من جانب آخر، ربما لا يقل أهمية، ترهن إسرائيل الصفقة كلها بما قد يمثله ردّ إيران و”حزب الله” اللبناني المنتظر على اغتيال كل من رئيس المجلس السياسي في “حماس” إسماعيل هنية، وكبير القياديين العسكريين في “حزب الله” فؤاد شكر، خصوصاً أن “وكالة أنباء فارس” الإيرانية كتبت السبت أن القيادات العسكرية “تضع لمساتها الأخيرة على الخطط التي أعدتها للردّ على إسرائيل”.
وفيما تقول التقارير الأميركية إن إيران و”حزب الله” خفضا جهوزيتهما الصاروخية بشكل كبير، ما يوحي بأن الردّ العسكري مؤجل، إن لم يكن قد ألغي تماماً، نقلت تقارير إخبارية في بيروت عن مصادر مقربة من “حزب الله” تأكيدها أن الردّ آتٍ لا محالة، وأن شكل هذا الردّ ما زال قيد الدرس.
وتضيف هذه المصادر أن اغتيال هنية في طهران لم يكن عملاً عسكرياً، “إنما كان عملاً أمنياً، وربما تخطط إيران لعمل أمني من العيار نفسه، يُعد انتقاماً لما جرى من جهة، ولا يؤدي إلى تصعيد عسكري إقليمي كبير من جهة أخرى”.
في هذا السياق، وضع الإعلام الإسرائيلي خبر المسيّرة الصغيرة التي أرسلها “حزب الله” لتصوير منزل نتنياهو في قيسارية بضواحي تل أبيب. فبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم”، أبلغت سفينة صواريخ تابعة للبحرية الإسرائيلية، متمركزة أمام ساحل قيسارية، عن مسيّرة “يشتبه أنها كانت تحوم في المنطقة”.
وكان التفسير الذي قدمته الصحفية هو “أنها مسيّرة مخصصة للتصوير، أطلقها ’حزب الله‘ من لبنان بهدف التقاط صور لمنزل نتنياهو قرب الشاطئ، وقد رصدها الرادار، فأُرسلت مقاتلات إلى المنطقة، لكنها لم تتمكن من تحديد موقع المسيّرة”.
حزب الله ـ إسرائيل ـ جنوب لبنان ـ البيت الأبيض ـ 963media ـ أميركا ـ إيران