خاص – أنس أبو عدنان / أنقرة
“باع معظم السوريين ممتلكاتهم ويعودون إلى سوريا، حتى توقفت أعمالنا بسبب تكديس الأثاث في متاجرنا ومستودعاتنا من دون تصريف، على الرغم من خفض الأسعار”. هذا ما يقوله أبو بكر، وهو عراقي لاجئ في تركيا يتاجر في الأثاث المستعمل لـ”963+”. فمن يزُر المناطق التركية المحاذية للحدود مع سوريا اليوم، يرَ متاجر بيع الأثاث المستعمل مزدحمة بسوريين يبيعون أثاث منازلهم، بعدما صدرت إليهم الأوامر التركية بالمغادرة.
ويعقب أبو زيد، صاحب متجر للأثاث المستعمل في أحد أحياء مدينة أورفة في جنوب شرق تركيا، بالقول: “منذ أحداث قيصري، تراجع البيع، وقد اشترينا الكثير من أثاث السوريين المغادرين، أما الأتراك فلا يشترون، إنما يصلحون ما لديهم”.
ويضيف لـ”963+”: “السوريون الذين ما زالوا مستقرين هنا لا يشترون الأثاث، خوفاً من عمليات ترحيل مفاجئة”.
وفي مساء الأحد 30 حزيران/يونيو الماضي، اندلعت في قيصري بوسط تركيا أعمال عنف بعد اعتقال سوري للاشتباه زوراً في تحرشه بقاصر، استهدف فيها أشخاص مجهولون متاجر وممتلكات خاصة بسوريين أو يديرها سوريون، وامتدت إلى أنحاء مختلفة في البلاد. وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي شباناً أتراك يحطمون محل بقالة يديره سوريون قبل إضرام النار فيه، سُمع رجل تركي يصرخ: “لا نريد سوريين. لا نريد أجانب”.
الترحيل مستمر
وكانت دائرة الهجرة في تركيا قد أعلنت عن عودة أكثر من 100 ألف سوري طوعاً إلى سوريا منذ أحداث قيصري. وفي منتصف تموز/يوليو الماضي، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان ترحيل نحو 2700 لاجئ سوري من تركيا بعد افتتاح المعابر عقب إغلاقها يومين مطلع الشهر نفسه بسبب أحداث قيصري. وبحسب المرصد، تم ترحيل 1650 لاجئاً عبر معبر باب الهوى في إدلب، و450 لاجئاً عبر معبر تل أبيض في الرقة، و600 لاجئ عبر معبر باب السلامة في حلب.
“أوقفوا بطاقة الحماية المؤقتة أو الكملك، وختموا الرمز v160 على القيد، فكان المطلوب أن أسـتأجر منزلاً وأثبت عنواني. يكلفني هذا الأمر نحو 5000 دولار. رضينا بهذا الهم، وقلنا هذا قانون، ونحن تحت القانون، لكن حين تعرضت وعائلتي للاعتداءات العنصرية من أتراك سكنا بينهم 9 أعوام في سلام ووئام، بعت ما أملك، وسلمتهم الكملك، وعدنا جميعاً إلى سوريا”.
هذه قصة خالد، أو “أبو وليد” كما يطلب أن نناديه. وهو يضيف لـ”963+” أن إدارة الهجرة في ولاية أورفة أوقفت معاملته على الرغم من حجز موعد لتحديث بياناته، “وما هذا إلا لدفعنا قسراً إلى العودة لبلادنا، على الرغم من المجهول الذي ينتظرنا هناك”، مؤكداً أن عيش السوري في تركيا صار مستحيلاً، خصوصاً بعد أحداث قيصري.
يقول “أبو خالد”: “وصل الأمر إلى ترحيل كل من قدم شكوى بحق من اعتدوا على عائلته أو منزله أو دكانه… وهذا مأساوي جداً”.
وكان الناشط الحقوقي السوري بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد قال سابقاً لـ”963+” إن “التصريحات المغلوطة أدت إلى احتقان تركي ضد السوريين”، لافتاً إلى أن آلاف السوريين تعرضوا لهجمات عنصرية وخسائر مادية كبيرة نتيجة تخريب ممتلكاتهم. كما اتهم الأحمد بعض المنظمات الدولية بالتخاذل في تسليط الضوء على ما تعرض له السوريين في قيصري غيرها، “بسبب ارتباط مصالحها مع تركيا”، كما قال.
طوعية قسراً
يستقر 3,426,719 لاجئاً سورياً في تركيا بموجب بطاقة الحماية المؤقتة، ويعيش 63,720 منهم في مراكز الإيواء المؤقتة، بحسب بيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.
إلى ذلك، فرضت دائرة الهجرة التركية في منتصف أيار/مايو المنصرم شرطين جديدين لتجديد الإقامة السياحية، إذ فوجئ سوريون كثيرون أثناء تقديمهم أوراق تجديد إقاماتهم السياحية بموظفي الهجرة الأتراك يطلبون منهم التوقيع على “تعهد” يحمل اسم “وثيقة المسؤولية”، تضمنت شرطين يتوجب تحقيق أحدهما على الأقل: تحويل الإقامة السياحية إلى إقامة عمل أو إبراز إثبات مادي بمقدار 1.5 ضعف الحد الأدنى للأجور لمدة 5 أشهر على الأقل، من خلال حساب مصرفي في تركيا. وهذا ما عده الكثير من السوريين ترحيلاً قسرياً باسمٍ آخر.
تخبر “أم أحمد” عن جارتها التي رُحِّل زوجها قسراً إلى سوريا بسبب مخالفات قانونية، فتقول لـ”963+”: “طردت صاحبة المنزل العائلة بغياب الأب، فسلموا الكملك وعادوا إلى بلادهم”، مضيفة أن لها جيران آخرين من دير الزور، تعرضوا لمضايقات عنصرية من الأتراك “فأجبروا على العودة قسراً إلى سوريا، وعائلة ثالثة كان أفرادها يحاولون استخراج إذن سفر فألقت الشرطة القبض عليهم وهم في الطريق وثم ترحيلهم إلى سوريا بشكل قسري”.
تستمر الشهادات
الشاب عمرو من الحولة بحمص، يروي لـ”963+”: “أنا لاجئ في تركيا منذ ثمانية أعوام، ومقيم في الريحانية. كنت في الطريق إلى إسطنبول بحثاً عن عمل، فأوقفتني دورية ’جندرمة‘ واقتادتني فوراً إلى مركز الترحيل حيث استجوبوني على الرغم من أنني أحمل كملك بلا مخالفات”.
في مركز الترحيل، أجبر رجال الشرطة التركية عمرو على التوقيع على أوراق لا يعرف محتواها، “فتبين لي في ما بعد أنهم جعلون أوقع على طلب عودة طوعية إلى سوريا… فكيف أعود طوعاً ولي ابنة في السابعة من ذوي الاحتياجات الخاصة وتحتاج علاجاً دائماً، وعائلتي وحدها الآن في الريحانية ومتوقع أن يطردها صاحب المنزل إن لم أدفع الإيجار… وها أنا في سوريا بلا عمل.. ولا مال.. ولا عائلة”.
خاسر – خاسر
يرد مضر الأسعد، رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، عودة اللاجئين من تركيا إلى الضغط التي تمارسه أنقرة عليهم أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، “وأضيفت إليها الطلبات التعجيزية التي تفرضها إدارة الهجرة التركية، والتي أدت أخيراً إلى إيقاف العديد من بطاقات الحماية المؤقتة التي يحملها سوريون”.
ويقول الأسعد لـ”963+” إن أخطر ما في أمر الترحيل القسري الذي يتعرض له السوريون في تركيا هو “إعادتهم إلى مصير مجهول”، مضيفاً: “فمن يعود إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية محكوم بالاعتقال والموت تعذيباً في سجونها، أو بإرساله إلى الجبهات ليموت هناك، أو بتصفيته برصاص الفصائل التي تمولها إيران. ومن يعود إلى المناطق ’المحررة‘، فهو يعود إلى ساحة الحرب فعلياً، خصوصاً مع ما يحصل الآن”.
وبحسب الأسعد، اللاجئون العائدون “عالقون في معادلة خاسر – خاسر، فهم خسروا ما بنوه طوال عقد من الزمان في تركيا، ويخسرون أكثر من حياتهم ومستقبل أولادهم بعودتهم القسرية إلى سوريا… والمطلوب أن تتواصل المنظمات الدولية مع السلطات التركية للتخفيف من وطأة الإجراءات التي تتخذها بحق السوريين”.