خاص – القاهرة
يعيشُ السوريون في مصر اليوم حالاً من الارتباك، بعدما أوقفت السلطات المصرية إجراءات تجديد الإقامة السياحية التي يعتمد عليها عدد كبير منهم، إلى جانب الإقامة الدراسية والإقامة الاستثمارية، وإقامة اللاجئ (الكرت الأصفر) التي تصدرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ففي 14 عاماً ماضية، سهّلت الحكومة المصرية إقامة السوريين تحديداً، وسمحت لهم بتجديد إقاماتهم السياحية من دون أي تضييق أو أي إجراء بحق المخالفين، وقد تغيّر الأمر الآن. إلا أن الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادي المصري ومدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، يضع هذا الأمر في سياق تنظيمي لا أكثر، ويقول لـ”963+” إن التدابير القانونية الجديدة “لن تشكل أي مشكلة للأخوة العرب، وتحديداً السوريين، على الأراضي المصرية، ما داموا يراعون القوانين ويلتزمون الضوابط”، خصوصاً بعدما قدرت المنظمة الدولية للهجرة، في تقرير أصدرته في آب/أغسطس 2022، عدد المهاجرين الذين يعيشون في مصر بنحو 9 ملايين من 133 دولة.
ومنذ عام 2017، تمنح السلطات المصرية الإقامة للأجانب في البلاد مدة 5 سنوات مقابل شراء عقار لا يقل سعره عن 400 ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات عند شراء عقار بنحو 200 ألف دولار، وفق ما تذكر وسائل الإعلام المحلية.
من يتضرر؟
لا يتضرر من التعليمات الجديدة التي أصدرتها سلطات الهجرة في مصر مَن كانوا يقيمون بإقامة سياحية وحدهم، بل حتى مَن كان أبناؤهم يحملون إقامة دراسية، “لكن، لظروفٍ معينة ربما تتعلق بقرب انتهاء صلاحية جواز السفر، يتقدمون للحصول على إقامة سياحية”، بحسب المحامي الدكتور عصام حامد، الذي يتابع الملف السوري في مصر.
ويضيف حامد لـ”963+”: “تكمن الصعوبة في أنَ من كان يحمل إقامة سياحية لن يستطيع الحصول على إقامة أخرى، ولا استبدالها بإقامة دراسية أو بما يسمى ’كرت أصفر‘، حتى لو كان أبناؤه مسجلين في المدرسة، وهذه المشكلة ستتفاقم مع ابتداء السنة الدراسية، فلن يتمكن بعض أولاد السوريين من استكمال تعليمهم”.
السؤال الذي يراود عدد كبير من السوريين في مصر هو: “هل أتت هذه التدابير بعد ارتفاع خطاب يربط وجودهم بأعباء اقتصادية ينوء تحتها المصريون؟”. يقول شعيب: “لا نستطيع أن نقول إن السوريين شكلوا عبئاً على الاقتصاد المصري، بل هم تمكنوا فعلياً من الاندماج في النسيج الاجتماعي المصري، كما أنجزوا – خلافاً لغيرهم من الجاليات المقيمة في مصر – نوعاً من التكامل الاقتصادي في القطاعات الإنتاجية، لكن بصفة عامة طبعاً، مصر كأي دولة أخرى إمكانياتها محدودة”، مستذكراً أن السوريين يحتلون مكانة خاصة في قلوب المصريين “الذين لا ينسون أنه عندما ضربت الإذاعة المصرية في أثناء العدوان الثلاثي، بدأت الإذاعة السورية بثها بالقول بـ’هنا القاهرة‘، إضافة إلى دور اقتصادي مهم يؤديه الإخوة السوريون”.
30 ألف مستثمر
وصل عدد اللاجئين السوريين في مصر، المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى 156,444 لاجئاً، حتى 20 حزيران/يونيو المنصرم، وهم يشكلون 20 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في سجلات المفوضية، “وبين السوريين في مصر 30 ألف مستثمر، تختلف استثماراتهم من المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ويناهز حجم استثماراتهم في الدولة المصرية مليار دولار، بشهادة منظمة الهجرة الدولية، وبحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر”، كما يقول شعيب.
ويضيف: “في 13 عاماً من اللجوء، يستثمر السوريون ويعملون في أنشطة اقتصادية مختلفة، بداية من قطاع المشروبات والأغذية الذي يعتمد على مشروعات متناهية الصغير، ويستوعب بالتالي عدداً كبيراً من اليد العاملة، إضافة إلى قطاع الأخشاب، وقطاع النسيج والملابس الجاهزة الذي يعد من أكثر القطاعات التي ينتشر فيها السوريون في مصر، بدأوا فيه بمصانع صغيرة جداً، وانتهوا بمصانع كبيرة”، وهذا يجعل من وجود السوريين رافداً للاقتصاد المصري.
من هذا المنطلق، ينصح حامد المقيمين السوريين في مصر، والذين يملكون قدرة مادية على إطلاق مشاريعَ ولو صغيرة، بأن يبادروا إلى ذلك، “فالمشروع يمنح صاحبه إقامة استثمارية، ويسهل عليه الأمر، ويدخل ضمن دائرة الإنتاج الاقتصادي المصرية. أمَا من لا يملك هذه القدرة، فعليه اللجوء فوراً إلى ترتيب وضعه القانوني كي لا يتعرض للمخالفة، بالتقدم إلى مفوضية اللاجئين وطلب موعد لتحويل إقامته إلى إقامة لاجئ، حتى لو كان الموعد المتاحة في عام 2025 أو 2026، فأي إثبات رسمي في هذا الإطار كفيل بتقنين الوضع”.
إجراءات مشددة
ويذكّر حامد بأن السلطات المصرية كثفت في العام الماضي من الإجراءات المتعلقة باللاجئين والمقيمين غير الشرعيين في البلاد، وطالبتهم بتسوية أوضاعهم من خلال سداد غرامة تبلغ نحو 1000 دولار، كما اشترطت وجود مستضيف مصري. وصدر في تموز/يوليو الماضي قراراً بفرض غرامة من دون استثناءاتٍ أو إعفاء، قدرها 5 آلاف جنيه مصري (105 دولارات تقريباً)، مُلزِمة لجميع المتأخرين عن كل سنة تأخير في تجديد الإقامة.
ويضيف حامد: “على الرغم من الكلام المطمئن الذي صدر عن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن الإجراءات القانونية وتقنين الأوضاع تبقى هي السبيل الوحيد لضمان عدم التعرض لأي إجراءٍ، ويحق للجهات المعنية اتخاذ الإجراءات القانونية ومن ضمنها قرار الترحيل بحق أي مُخالف”.
ويُذكر أن مصر تعمل جاهدة على تعزيز التعاون مع الدول والمؤسسات المعنية بملف اللاجئين، حيث وقعت القاهرة مع الاتحاد الأوروبي اتفاقات في آذار/مارس الماضي، بقيمة 8 مليارات دولار تقريباً على مدى 4 أعوام.