يترقب عبد الله حامد، أمام منزله في بلدة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، أرتال القوات الأميركية والعربات المُحملة بالإمدادات اللوجستية والعسكرية متجهة نحو قاعدتها في حقل العمر النفطي على بعد 15 كيلومتراً شرقي البلدة ويقول لـ”963+”: “بين يوم وآخر، يمر رتل كبير كهذا. أهي حرب كبيرة في هذه المرة؟”.
بهذه الكلمات القلقة يصف حامد الحشود العسكرية في شرقي سوريا، حيث استقدمت قوات التحالف الدولي تعزيزات عسكرية كبيرة إلى قاعدتيها إلى حقل العمر وقرية خراب الجير شمال شرقي سوريا، إضافة إلى نية واشنطن إرسال 230 جندياً من الحرس الوطني إلى قواعدها في سوريا.
كذلك، استقدمت الفصائل الموالية لإيران أسلحة نوعية ومتطورة ومعدات لوجستية وطبية إلى مدينة البوكمال، على الحدود السورية – العراقية.
إيراني بواجهة محلية
تزامنت هذه الحشود مع حال من الاستنفار الأمني في المنطقة، في إثر هجوم ما يسمى بـ “جيش العشائر” على مواقع تابعة لـ”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، وعلى قرى وبلدات على الضفة الشرقية لنهر الفرات، في 7 آب /أغسطس الجاري، بقيادة إبراهيم الهفل المتحدّر من عشيرة العكيدات، “إلا أن ’قسد‘ تمكنت من صد كل محاولات التسلل والهجوم، ومنعت القوات المهاجمة من التمركز في أي من بلدات المحاذية للشريط النهري”، كما يقول نوري خليل، القيادي في مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”.
ويضيف خليل لـ”963+”: “هذا هجوم إيراني بواجهة محلية، تمّ من خلال بعض مقاتلي العشائر بقيادة الهفل الذي تربطه علاقات وثيقة بإيران وبالفصائل التي تمولها طهران في سوريا”، خصوصاً أنه تزامن مع ارتفاع حدة التهديد بالرد على مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي في “حماس”، في قلب طهران.
ورافق هذا الهجوم قصف مدفعي كثيف، أوقع عدداً كبيراً من القتلى المدنيين في الدحلة وجديد البكارة بريف دير الزور. دامت الاشتباكات العنيفة 4 ساعات، وسرعان ما أنسحب المُهاجمون بعدما استقدمت “قسد” تعزيزات عسكرية، دعمها تحليق لمقاتلات قوات التحالف الدولي.
وهذا الهجوم هو الثاني من نوعه، إذ قاد الهفل نفسه، هجوماً في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، واستهدف مقرات ومواقع “قسد” على خلفية اعتقال أحمد الخبيل (أبو خولة)، القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري، ووضعه في الإقامة الجبرية. ووجهت حينها أيضاً أصابع الاتهام إلى الحرس الثوري الإيراني في أرياف دير الزور الجنوبية بالوقوف وراء الهجوم.
ذريعة الرد
يقول محمود حبيب، الناطق الرسمي لـ”قوات الشمال الديموقراطي”، المنضوية تحت لواء “قسد”، إن “إيران تتخذ من القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة ذريعة لشن حربها على ’قسد‘، والتحرش بقوات التحالف الدولي”.
ويضيف حبيب لـ”963+”: “أتوقع أن يشهد شرق الفرات تصاعداً في العمليات العسكرية ضد ’قسد‘ تحججاً بما يسمى ’الرد الإيراني‘، من خلال الفصائل الموالية لطهران، وأن تأتي هذه العمليات في سياق الضغط لتنفيذ أجندات إيران الخاصة”، مؤكداً أن ما تشهده دير الزور “جزء من السياسة الإيرانية المرسومة لهذه المنطقة”.
لكن، ثمة تبدل في الاستراتيجية العسكرية، كما يقول حبيب، “فهجوم العشائر اليوم مختلف عن هجومها في سبتمبر الماضي، واللافت في دير الزور هو رفع منسوب التصعيد إلى مستويات أكثر تنظيماً، إذ جرى التمهيد للهجوم بقصف مدفعي مكثف، تزامناً مع تصريحات من الحكومة السورية شرّعت الهجوم بحجج واهية”.
ويختم حبيب بالقول: “إن استمر التصعيد ضد ’قسد‘ وصار أشد حدةً، ستتدخل قوات التحالف الدولي، لأنها لن تقبل بنجاح إيران في تنفيذ أجندتها في شمال وشرق سوريا”.
روتيني منضبط
إن التصعيد الذي قد يستدعي تدخل “التحالف” مرهون بطبيعة الرد الإيراني على إسرائيل وجديته، من حيث الشكل والحجم وطبيعة الأهداف التي تريد إيران توجيه ضربة إليها.
وفي ظل تأخر هذا الردّ، والحديث الدولي عن خيارات “أخرى” محتملة غير الحرب المفتوحة، يقول الدكتور نصر سالم، الخبير وأستاذ العلوم الاستراتيجية، لـ”963+” إن الفصائل الموالية لإيران في دير الزور “تقوم بتحركات هادفة إلى حماية وجودها في المنطقة، من خلال المبادرة إلى الهجوم، وخلق حال من الفوضى في مناطق تتواجد فيها قواعد أميركية، والهدف إحداث توازن مع ما يشكله هذا الوجود الأميركي من تهديد بالنسبة إليها”، مضيفاً: “لا صلة للتصعيد العسكري في المنطقة بمسألة قواعد الاشتباك، فلا قواعد تحكم أي مواجهة بين طرفين إن اندلعت الحرب، وتصير كل الاحتمالات واردة”.
ويقول وليد جولي، الباحث في مركز الفرات للدراسات، لـ”963+”: “إذا تجاوز الرد الإيراني مسار التصعيد المُنضبط، وبلغ مستويات أوسع وأشمل، خصوصاً في مناطق شمال وشرق سوريا، ستعمل إيران على تحريك أدواتها في هذه المنطقة”، مؤكداً أن إيران ترغب فعلياً في جعل شرق سوريا وشمالها “ساحة رئيسية لتوازن التهديدات مع الولايات المتحدة”.
ويضيف جولي أن “إيران تزج بالفصائل الموالية لها بدير الزور في مواجهة مع ’قسد‘ والقوات الأميركية، إن بالهجوم المباشر من خلال العشائر على مناطق ’قسد‘، أو بالمسيّرات على القواعد الأميركية، خصوصاً بعد إعلان فصائل ما يسمى ’المقاومة الإسلامية في العراق‘ سقوط الهدنة مع الأميركيين، وهذا يوحي بأن إيران اختارت الجبهة الشرقية في سوريا للرد على إسرائيل”.
“الإدارة الذاتية” تندد بتصريحات دمشق وتتهمها بالانفصال عن الواقع
الآتي أعنف!
وإذ يتوقع جولي ألا يخرج التصعيد في المنطقة عن حدوده، كما في السابق، “وأن تأتي نتيجته عكسية على إيران، بأن يتعزز الوجود الأميركي في مناطق شمال وشرق سوريا”، يخالفه اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في الشؤون الأمنية والعلاقات الدولية، الرأي، ويقول: “حولت إيران مناطق شمال وشرق سوريا إلى ساحة مواجهة، إسوة بساحتي اليمن وجنوب لبنان، لذا قد تشهد توتراً عالي المستوى يصل إلى حدود اندلاع معارك عنيفة بين الفصائل الموالية لإيران وقوات التحالف الدولي”.
ويضيف عبد الواحد لـ”963+”: “يبدو أن إيران تدفع بوكلائها المحليين إلى الواجهة، فيما تتردد هي في الرد المباشر، كما فعلت في 13 نيسان/أبريل الماضي، بعدما دمرت إسرائيل قنصليتها في دمشق، وقتلت عدداً من كبار قياديي الحرس الثوري في سوريا”.
ويشير عبد الواحد إلى أن الحشد العسكري الأميركي غير المسبوق في المنطقة “رسالة مباشرة إلى إيران، لتنبئها بمدى جديتها في التصدي لأي هجوم إيراني مباشر أو بالوكالة من جهة، ولتؤكد لها نيتها الجدية في الرد، وهذا ما قد يؤدي إلى التهدئة من جانب آخر”.
وبحسبه، “فارق القوة كبير بين الطرفين، ولا تستطيع إيران مواجهة الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل سياسة الحياد الذي تنتهجها الحكومة السورية في هذا الصراع الإقليمي، وهذا يضع العراقيل في طريق أي رد إيراني في سوريا أو انطلاقاً منها”.