دمشق
تتقلب المنطقة كلها على صفيح ساخن، منتظرة رداً إيرانياً لا يعرف أحد إن كان سيأتـي، أو كيف سيأتي، أو متى، فيما تلتزم الحكومة السورية الصمت، ما يثير أكثر من تساؤل، خصوصاً أن التطورات أتت بعد حادثة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل.
فهل باتت الحكومة السورية اليوم خارج اللعبة الميدانية، بين فعل إسرائيلي وردات فعل إيرانية؟ وما سيكون موقفها إن تحولت الأراضي السورية إلى ميدان مباشر للمواجهة؟
ماذا تقول موسكو؟
بقيت جبهة الجولان المحتل هادئة منذ أكثر من 50 عاماً، بفعل وضعية قانونية تكرست بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 بموجب اتفاق فض الاشتباك. لكن هذا الاتفاق تعرض للخرق بعد اندلاع الأزمة السورية، ثم اتفقت روسيا والولايات المتحدة في عام 2018 على إحيائه، وعودة قوات “أندوف” الدولية إلى الانتشار على خطوط التماس. فهل هذا ما يخرج سوريا من المعادلة العسكرية؟
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي السوري غسان إبراهيم إن الأمر كله مرهون بإرادة جماعات إسلاموية، لا تقيم وزناً لأي قانون دولي، مضيفاً لـ”963+” أن “القضية تكمن في أن موسكو تضغط على طهران، وعلى أذرعة طهران في سوريا والمنطقة، لإبعاد سوريا عن التطورات الميدانية التي تنذر باتساع نطاق الحرب”.
ويتابع إبراهيم: “كانت رسالة سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي السابق، لإيران حين زارها أخيراً واضحة بضرورة أن يكون الرد منضبطاً لا يؤدي إلى توسعة الحرب أو تصعيدها، وبذلك لا حاجة بعد لفتح الجبهة السورية بوجه إسرائيل، وأطراف ما يسمى ’محور المقاومة‘ وأحزابه وفصائله المسلحة ستلتزم بما يطلب منها، ولو على مضض”.
وكان حسن نصرالله، أمين عام “حزب الله” اللبناني، قد قال في تأبين القيادي في الحزب فؤاد شكر أمس الثلاثاء، إن “المطلوب من إيران وسوريا هو الدعم المادي والعسكري والسياسي وموقفهما صامد ولم يتغير”، واضعاً سوريا في المنزلة نفسها مع إيران، بعدما أكد في الخطاب نفسه أن إيران “ليست دولة مواجهة، إنما هي دولة دعم وإسناد”، بحسب تعبيره.
صمتٌ مدروس
واضح أن الحكومة السورية تحاول الابتعاد عن التورط في أزمة ليست أزمتها. يقول إبراهيم: “الوضع في سوريا لا يتحمل التأزيم، والتهدئة مرغوبة حالياً، والأسد يفضل عدم الانجرار وراء الرغبات التصعيدية الإيرانية، خصوصاً أنه يحاول أن يعيد قطار التطبيع مع دول الخليج العربي إلى سكته الصحيحة، وبعد أن أرخت واشنطن قبضتها التي كانت مشدودة حوله، بتخفيف العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وعدم ممانعتها التطبيع العربي مع دمشق”.
ويقول محمد شقير في “الشرق الأوسط” إن الحزب وإيران يتجنبان الدخول في سجال مع دمشق على خلفية امتناعها عن الانضمام إلى جبهة إسناد غزة، “ويفضلان أن يبقى النقاش محصوراً باللقاءات التي تُعقد بعيداً عن الأضواء للوقوف منه على ما لديه من معطيات، يأخذها بعين الاعتبار، لتبرير موقفه الذي يتعارض مع القوى التي يتشكل منها محور الممانعة”، كما يقول.
ويعلق هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات، على ذلك قائلاً لـ”963+” إن “الجبهة السورية غير مؤهلة لتوسيع الصراع، وقد تكون الحكومة السورية نفسها غير جاهزة لتحمل مسؤولية الدخول في هذا المستنقع، لذا آثرت الصمت”.
لن تقسو عليه
لكن، هل يطول تفهّم إيران للخصوصية السورية متى تستعر الحرب؟ يقول الصحفي والخبير في الشأن السوري عقيل حسين لـ”963+” إن “طهران تراعي ظروف حلفائها، ولا سيما الحكومة السورية، فما زال الأسد يمتلك شرعية دولية وقانونية، ولديه عناصر قوة وحلفاء آخرون مثل روسيا والصين، مع ما نشهده من انفتاح عربي عليه”، وهذا يمنحه مظلة أمان تساعده على التملص قليلاً من القبضة الإيرانية، علماً أن الفصائل الموالية لطهران قادرة على استخدام الجغرافيا السورية في نشاطها العسكري، من دون العودة إلى الحكومة السورية، بحسب تعبير حسين.
ويضيف حسين أن طهران لن تقسو على الأسد إلا بالحدود السياسية الدنيا، “ومن ناحية أخرى لن تجرّه إلى الحرب ما دام قد تحوّل إلى ورقة تفاوض بينها وبين الدول العربية على المدى المتوسط”، علماً أن هذا مرهون كله بحجم الرد الذي تقرره إيران.
أوامر حكومية
في خبر نشره “المرصد السوري لحقوق الإنسان” الخميس المنصرم، نقل عن مصادر وصفها بالـ “موثوقة” قولها إن قيادة القوات الحكومية السورية منعت كافة القطعات العسكرية والمواقع المحاذية للحدود مع الجولان السوري المحتل، في القنيطرة وريفي دمشق ودرعا، من استخدام أي من المواقع العسكرية لشن هجمات صاروخية أو القيام بأي تحركات في اتجاه الجولان السوري المحتل، إضافة إلى تحييدها عن أي مواجهات عسكرية محتملة بين إيران وإسرائيل.
وفي تتبع للتقارير الإخبارية، لم يصدر موقف عن الحكومة السورية بشأن صاروخ مجدل شمس إلا بعد أكثر من 24 ساعة على سقوطه في ملعب لكرة القدم. كذلك، لم يرد أي نبأ عن نقل الحرس الثوري الإيراني أي تعزيزات عسكرية من البادية السورية إلى محافظات الجنوب السوري، خصوصاً في درعا والقنيطرة المحاذيتين للحدود مع إسرائيل، بعد اغتيال هنية، فيما جرى ذلك بعدما أغارت إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان (إبريل) الماضي، وقتلت فيها قادة في الحرس الثوري الإيراني.
ترجيح إسرائيلي
في الجانب الإسرائيلي، يقول موقع “والاه” العبري إن مسؤولين إسرائيليين يرجحون أن يرد “محور إيران” ردين: إيراني انتقاماً لاغتيال اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، وآخر من “حزب الله” اللبناني، رداً على اغتيال شكر. وهذا الكلام سبق قول نصرالله في تأبين شكر أمس الثلاثاء: “ردنا آت وحدنا، أو في إطار جامع لكامل محور المقاومة”.
ويقول المراسل العسكري الإسرائيلي روعي شارون لهيئة البث الإسرائيلية إن التقديرات الأمنية والعسكرية تشير إلى أنها لن تكون ضربة متزامنة، فـ “حزب الله” سيضرب أولاً، ثم تضرب إيران.
وينقل موقع “والاه” عن مسؤول إسرائيلي وآخر أميركي قولهما إن القيادة الإسرائيلية تتوقع أن يرد “حزب الله” في الموقع الجغرافي نفسه الذي كان السبب المباشر لقتل شكر، أي صاروخ مجدل شمس. وبالتالي، يتوقع الإسرائيليون أن يكون الرد انطلاقاً من الجولان السوري المحتل.