بيروت
منذ لحظة سقوط الصاروخ على ملعب كرة القدم في مجدل شمس بالجولان، مخلفاً 12 قتيلاً وعشرات الجرحى، وتوجيه إسرائيل اصبع الاتهام إلى “حزب الله” اللبناني، يعيش اللبنانيون أوقاتاً عصيبة، على وقع طبول الحرب، والتهديدات الإسرائيلية بردّ كبير، والتسريبات بتوقيت “الضربة” وحجمها. كما يواكبون تطور الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، تحسباً لاتساع رقعة الحرب.
تهديدات مستمرة
العمليات العسكرية في جنوب لبنان مستمرة، وتتوالى الإشارات الدالة على “احتمال تصعيد كبير” بعد رصد نقل أرتال من الدبابات الإسرائيلية الى الحدود الشمالية مع لبنان، وإسقاط إسرائيل مسيرة لـ”حزب الله” في المياه الاقتصادية الإسرائيلية.
وقال الجيش الإسرائيلي مساء اليوم الإثنين إن سفينة حربية أسقطت مسيّرة لـ”حزب الله” حاولت استهداف حقل غاز، علماً أن “حزب الله” هدد تل أبيب أمس بأن ردّه على أي عملية عسكرية ضد لبنان لن يوفّر حقول الغاز وأولها حقل “كاريش” في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، ومصافي النفط في حيفا.
ولم تتوقف التصريحات الأميركية والإسرائيلية عن الكلام عن ضرورة الردّ العسكري على حادثة مجدل شمس. فقد قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، اليوم الاثنين إن لإسرائيل “كل الحق” في الرد على جماعة “حزب الله” اللبنانية بعد هجوم الجولان السبت، على الرغم من نفي “حزب الله” مسؤوليته عن الهجوم.
وأضاف كيربي: ” لا تعتقد الولايات المتحدة أن الرد الإسرائيلي يجب أن يؤدي إلى تصعيد واسع النطاق في المنطقة”.
وكان مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قد أخبر صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية إن إسرائيل تريد إيذاء “حزب الله”، لكنها لا تريد جر المنطقة إلى حرب شاملة، فيما أكد مسؤولان آخران أن إسرائيل تستعد لمعركة قد تدوم أياماً قليلة.
وأضافوا أن الرد سيكون “محدوداً لكنه ذو مغزى”، وأن خيارات الرد تتراوح بين هجوم محدود لكنه “مثير للإعجاب” على البنية التحتية اللبنانية، مثل الجسور ومحطات الكهرباء والموانئ، وبين ضرب مستودعات أسلحة “حزب الله” أو استهداف قادة كبار في الحزب.
سيكون قوياً!”
وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرية مجدل شمس في الجولان، وقال إن رد إسرائيل على ما جرى “آتٍ وسيكون قوياً”، فيما قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إن صاروخ مجدل شمس إيراني الصنع، “وإن “حزب الله” سيدفع ثمناً غير مسبوق.
وقال بتسلئيل سموتريش، وزير المالية الإسرائيلي، مساء اليوم الإثنين إن لا سبيل إلا شن حرب تدمر حزب الله وتعيد احتلال جنوب لبنان كله، وتنقل المنطقة العازلة إلى داخل أرضه، مستعيداً تجربة “الشريط الحدودي” التي أرستها إسرائيل في جنوب لبنان، بعد عملية “سلامة الجليل” في حزيران/يونيو 1982.
أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير فجدد الدعوة إلى “إشعال بيروت وإحراقها”.
في المقابل، حذرت إيران من عواقب وخيمة إذا شنت إسرائيل هجوماً على لبنان. فقد أفاد الإعلام الرسمي الإيراني بأن الرئيس مسعود بزشكيان أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي بأن “أي هجوم إسرائيلي محتمل على لبنان سيكون له عواقب وخيمة”
كذلك، نسبت تقارير إعلامية إلى مصادر في الحرس الثوري الإيراني قولها إن استهداف “حزب الله” بعمل عسكري كبير سيجرّ كل محور المقاومة إلى المعركة، من العراق وسوريا واليمن، لنجدة الجبهة في لبنان، “وهذا يعني أن الرد سيكون غير مسبوق”.
جهود ديبلوماسية مكثفة لاحتواء التوتر بين إسرائيل و”حزب الله”
ما هي السيناريوهات الممكنة؟
الرد الإسرائيلي واقع لا محالة، بشهادة إجماع وسائل الإعلام العبرية على ذلك، وإلغاء شركات طيران عالمية رحلاتها إلى مطاري بيروت وتل أبيب، واتجاه النقاش الإسرائيلي نحو الهدف والتوقيت.
وبحسب “معاريف”، تفويض “الكابينت” يشير إلى أن الضربة “كبيرة”، وما تأخرها إلا ليعزز توجهاً قيادياً في الجيش الإسرائيلي باغتيال قيادات عليا في “حزب الله”، بدلاً من قصف أهداف في العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، على الرغم من أن هذا الخيار قائم دائماً، “إلا أنه يرفع منسوب التصعيد إلى مستوى جر المنطقة إلى حرب واسعة”ـ كما تقول الصحيفة.
من جانب آخر، تنقل “هـآرتس” عن محللين عسكريين إسرائيليين قولهم إنّ الرد الإسرائيلي قد يشبه الغارة الكبيرة على ميناء الحديدة في اليمن، التي شاهدها الجميع وشعر العالم بقوّتها، وقد يكون كون اغتيال شخصية رفيعة المستوى في “حزب الله”. وتضيف الصحيفة: “هكذا، يقنع نتنياهو الجبهة الداخلية والدول الاقليمية، وعلى رأسها إيران، بأنّ إسرائيل ما زالت تحتفظ بتفوّقها العسكري”.
مساعي التهدئة
ولم تلغ التهديدات المتبادلة المساعي المبذولة لاحتواء التوتر ومنع التصعيد وتطور المواجهات إلى حرب واسعة. في هذا السياق، تلقى نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، اتصالاً من وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي جدد دعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وحلّ النزاعات سلمياً بتطبيق القرارات الدولية.
كذلك، بحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ جهود التوصل لحل دبلوماسي على حدود لبنان. وبحسب وكالة “رويترز”، أكد بلينكن لهرتسوغ هاتفياً أهمية منع تصعيد الصراع بعد هجوم مجدل شمس.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إنه حادث نظيريه اللبناني عبدالله بوحبيب والإسرائيلي يسرائيل كاتس لوقف دوامة العنف في جنوب لبنان، مشدداً على أن التزام الجميع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 أمر بالغ الأهمية.
دعوات للتهدئة وتحذيرات من حرب إقليمية بعد الهجوم الصاروخي على الجولان
دعوات لمغادرة لبنان
في هذا الجو المتوتر، أفاد التلفزيون الأردني بأن الخطوط الملكية الأردنية علقت رحلتين جويتين كانتا مقررتين إلى بيروت اليوم الإثنين وغداً الثلاثاء، تقيداً بقرار هيئة تنظيم الطيران المدني الأردني تعليق جميع رحلات الشركات الوطنية إلى مطار بيروت لمدة وجيزة”. وأضاف بيان الخطوط الأردنية: “التقييم مستمر في ما يتعلق برحلات الثلاثاء”.
كذلك، أعلنت مجموعة “لوفتهانزا” تعليق رحلاتها الجوية إلى مطار رفيق الحريري الدولي حتى 5 آب/أغسطس المقبل، وألغت شركة الطيران الفرنسي رحلاتها المقرّرة الى بيروت، من دون الإعلان رسمياً عن ذلك، وسبقتها الخطوط الجوية التركية في خطوة مماثلة. وتم تأجيل رحلات آتية من لندن وكوبنهاغن وقطر والسعودية والإمارات وهولندا إلى بيروت أمس الأحد. وألغى الطيران الإثيوبي رحلاته إلى بيروت “حتى إشعار آخر”.
ودعت السفارة الأميركية في بيروت رعاياها إلى مغادرة لبنان في أسرع وقت، وحثت من لا يريدون مغادرة لبنان على الاستعداد للبقاء في أماكنهم فترة طويلة. بدورها، نصحت ألمانيا رعاياها بمغادرة لبنان عاجلاً، فيما أفادت وكالة “أنسا” الإيطالية بأن الخارجية حثّت الرعايا الإيطاليين على مغادرة لبنان فوراً.
وجددت السفارة السعودية في بيروت تذكير مواطنيها بالتقيّد بقرار منع السفر إلى لبنان.