خاص – الحسناء عدرة /دمشق
بتفاصيل صغيرة وعينين واسعتين، ابدعت الفنانة التشكيلية سنا الأتاسي في رسم لوحاتها النسائية المضرجة بالألوان العذبة المتفاوتة الدرجات، في معرضها التشكيلي الفردي “مرآة الروح” الذي بدأ في 21 تموز /يوليو الجاري، ويستمر حتى 4 آب/أغسطس المقبل، في صالة جوليا دومنا بدمشق، تكشفه عن حيوات 14 عملاً فنياً في تناوب مستمر بين الألم والحب وانعكاسات لا تخلو من ذاتيتها وروحها.
جرعات ألم فلسطينية
تحضر المفردات الفلسطينية في لوحات الأتاسي بعناوين تعكس مرارة التهجير والنزوح وحلم العودة، إذ لم تخلو أعمالها المعنونة “زيتون”و”مفتاح القدس” و”جلسة فلسطينية” من جرعات الألم لكن بطريقة هي غاية في العذوبة اللونية والجمالية، لتمد الواقف أمام اللوحة بشعور الزهو. وظهرت المدن الفلسطينية في خلفية اللوحات إشارات واضحة لنضال مستمر، إلى جانب لوحة رمزية مهمة لشجرة عميقة الجذور تحتها بركة من الدماء.
كذلك، استحضرت الأتاسي في لوحاتها ثيمة المفتاح، فمفتاح العودة وهو الحلم الجماعي. كما فتحت الباب أمام تأويلات شخصية، فضياع مفتاح المنزل هو ضياع الهوية. وما تمكنت من عكس المشاعر المختلفة التي تعتمل في باطن نفس بشرية هادئة في ظاهرها، ففي أعماقها حرائق وبراكين كامنة يعكسها عمق العيون وتكتيف اليدين.
أرواح تائهة
تقول الأتاسي لـ”963+”: “استخدم المقاسات الكبيرة في اللوحة لأنها تمنحني الشعور بالحرية وفك القيود، و’مرآة الروح‘ انعكاس لأرواح تائهة عبرت عنها بوجوه صامتة وعيون شاخصة. وفي هذا التأمل وهذه التكوينات أبحث عن عمق أدعو إليه كل من يرى لوحاتي”.
حضر الصحفي والناقد خليل صويلح في معرض الأتاسي، فقال لـ”963+” : “عدا المهارة البصرية والزهد اللوني في تأطير جدارياتها، تعمل هذه التشكيلية المتفرّدة على ملء الفراغات بإحالات درامية محتدمة هي خلاصة ذات ممزّقة بين ضفتي الحنين والأذى الروحي، فالصمت يشي بصرخات مكتومة وقلق مما كان ومما سيأتي من وقائع وحطام، من دون أن تخلَّ بتناغم الفضاء العام لجهة السيولة والصلابة وضبط الإيقاع. هكذا تتناسل نساء سنا الأتاسي عبر مرآة الذات في المقام الأول، في متوالية لونية لسيرة مضطربة لا تهدأ على حال”.
ونظر الناقد التشكيلي عمار حسن إلى لوحات الأتاسي فرأى أنها تتميز بالتسامي عن الوجع. وقال لـ”963+” أنها اتسمت بألم أنيق تنفرد به الأتاسي، “فالصياغة التشكيلية للعمل دقيقة وغارقة في التفاصيل وتكاملية جمالية، فحضرت الشخصيات بمزاجات متنوعة هادئة تارة ومضطربة قلقة تارة أخرى، لكن مازالت بصورة جميلة يخفين ألاماً كبيرة خلف هذا الجمال”.
أضاف حسن: “حملت اللوحات رمزيات التفاحة والزيتون في إشارة لفلسطين، إلى جانب تنوع كبير في زخاريف الألوان ، كما اتسم أسلوب الفنانة التشكيلية بالمباشرة، لكن عند ربطها مع خلفية لوحة تتكشف عن عمق وبعد تعبيري كبيرين”.
عالم هي بطلته الوحيدة
من جانبه، يقول الفنان التشكيلي عصام درويش لـ”963+” إن الأتاسي منذ بدايتها “آثرت اختيار نموذج امرأة مكررة دائماً للتعبير عن عالم هي بطلته الوحيدة بعدة نسخ تبرز في كل منها تعبيراً وإحساساً مختلفاً”، مضيفاً: “في ’عنوان مرآة الروح‘، أعمالها هادئة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها إشارات داخلية عميقة عن وضع كارثي تعيشه”.
أما الفنان التشكيلي عمار الشوا فقال إن لوحات المعرض تشبه صاحبتها، “إذ نسجت الأتاسي لوحتها من عوالم داخلية للمرأة، لتصل إلى عمل خصب جمالياً وتعبيرياً من خلال العيون وأناقة الزي ورحابة فضاء اللوحة”.
والأتاسي من مواليد حمص في عام 1978، رسامة ونحاتة ومخرجة أفلام سينمائية قصيرة، درست التصميم الإعلاني وصناعة أفلام الكرتون في أكاديمية آرينا الهندية، وهي خريجة الأكاديمية البريطانية روديك في التصميم الداخلي.في رصيدها 4 أفلام سينمائية قصيرة، ومشاركات في مهرجانات سينمائية ومعارض فنية محلية وإقليمية ودولية.