شارك في تأسيس تحالف “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي” عام 2015 واضطر لمغادرة دمشق عام 2013 بعد انطلاق الحرب السورية حيث شارك بتشكيل “هيئة التنسيق الوطنية” ثم انسحب منها لاحقا كما انسحب ايضاً من “الائتلاف الوطني”، ولعل المحطة الأصعب في رحلة نضال الصحفي المعارض للنظام المخلوع فايز سارة هي وفاة ابنه وسام تحت التعذيب في سجون النظام والذي خاض فيها سارة رحلة اعتقال في عهد الأسد الأب والابن.
وخلال الزيارة الأخيرة للصحفي إلى العاصمة السورية دمشق بعد سقوط النظام المخلوع جرى حوار في العدد الحادي عشر من صحيفة “963+” مع الصحفي:
كيف تنظر إلى سوريا في المرحلة الحالية؟
هذه المرحلة هي مرحلة اضطراب كبير وهو يشكل ثمرة سيئة لسياسات النظام البائد وسنوات الحرب الطويلة وكل العهد الأسدي الذي خرّب مجمل البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا واعتمد سياسات الارتهان للأجنبي.ـ الروسي والايراني وغيرهم ـ ومنحه ما تبقى من موارد سوريا. إنها مرحلة صعبة وربما تكون أصعب مرحلة بتاريخ سوريا الحديث والمعاصر لأنها تفرض طيفاً واسعاً من المهمات على السوريين على مستوى الحكومة والشعب كما أنه ليس بإمكان هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى أن تعالج ما حصل وما ترتب من تبعات من مشاكل واضطرابات في الساحة السياسية لذلك يجب أن يكون هناك تعاون وتشارك بين الحكومة والشعب من أجل مواجهة هذه الاضطرابات وخاصة تلك الاضطرابات التي لها خطورة كبيرة كالاضطرابات السياسية والأمنية والشعبية وهي موجودة في سوريا وأعتقد أن هناك مباشرة سورية لعلاج ذلك وان كانت أقل من المتوقع.
ما هي أبرز التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه سوريا في الوقت الراهن؟
التحديات هي جزء من الاضطرابات وتنقسم التحديات إلى داخلية وخارجية وأرى أن التحديات الخارجية أقل أهمية من الداخلية لأن جوهر التحديات الخارجية هي إعادة إدماج سوريا بالعلاقات الدولية والاقليمية المحيطة وأثر ذلك على حياة السوريين ومستقبل سوريا أقل بكثير من الأثر الذي تطرحه التحديات الداخلية وإعادة ادماج سوريا بالعالم مهم لأنه عنصر مساعد لمواجهة التحديات الداخلية فمن المهم أن تستعيد سوريا جزء من علاقاتها حتى تستطيع رفع الأعباء الثقيلة التي ترتبت عليها في المرحلة الماضية كالعقوبات المفروضة على سبيل المثال التي احتاجت نشاطاً كبيراً ليس لدى الأمريكان أو الغرب فقط وإنما لدى الدول الإقليمية والعربية من تركيا إلى السعودية ومصر وقطر والإمارات والعراق فالحكومة استطاعت بالعلاقات الطيبة مع كل هذه الدول أن ترفع العقوبات وبالتوازي مع ذلك ينبغي المباشرة بإعادة إعمار سوريا وهذا بالتأكيد لن يكون بدون نشاط خارجي يتصل بالدول المانحة والمؤسسات الدولية ويتصل بالشركات المرتبطة أصلا بحكوماتها وفق أجندات معينة.
أما التحديات الداخلية فهناك تحديات متشابهة مع تحديات أغلب الدول في العالم أما خصوصية تحديات سوريا اليوم فهو تحدي الخروج من حفرة الأسد فخلال الـ 14 عاماً الماضية عمل النظام من أجل أخذ السوريين وسوريا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها إلى ما يمكن تسميته عنق الأزمة فقد قام النظام بتدمير الاقتصاد والمجتمع والعلاقات بين مكونات اللحمة الوطنية في سوريا ومصادر عيشهم من زراعة وصناعة وحتى السياحة وهنا نحن أمام تحدي إعادة السوريين إلى الحياة الطبيعية وهذا يتطلب مواجهة التحدي الأمني فالأمن و الأمان هما أساس العيش للانتقال نحو النشاطات الأخرى كفرص العمل والصحة والخدمات والتعليم بمعنى إذا استطعنا مواجهة التحدي الأمني يمكن ان ننتقل لمواجهة التحديات الأخرى وبذلك يمكننا أن نخرج من حفرة الأسد والعودة الى الحياة الطبيعية.
هل ترى أن هناك حلول دائمة للملفات العالقة بين الإدارة الانتقالية وشمال شرق سوريا والسويداء؟
أعتقد أن اليوم وفي كل وقت يجب أن يكون هناك حلول لأنه لا يمكن تصور أن تعيش سوريا بكيانين أو أكثر لأن هذا يعني التقسيم وبحسب اعتقادي هذه الفكرة غير واردة في الحل السوري.
نعم هناك صعوبات حقيقة للوصول إلى توافقات بين الإدارة الذاتية والحكومة فمنذ 2018 حتى اليوم كرست الإدارة الذاتية الكثير من السياسات والتنظيمات والأفكار والمبادرات بمناطق سيطرتها التي تمتد على مساحة تزيد عن ثلث مساحة سوريا وعدا عن ذلك فإن التركيبة السياسية التي تحكم الإدارة الذاتية تختلط فيها النزعات القومية مع النزعات الوطنية وكذلك النزعات الأيديولوجية مع النزعات السياسية وربما كان هذا الاختلاط هو أحد الأسباب التي تخلق الصعوبات لحل المشاكل ولكن قبل الحديث عن الصعوبات يجب أن نتذكر أنه خلال فترة بسيطة من وصول العهد الجديد إلى السلطة حصل أن تم إقرار اتفاقين بين الادارة الذاتية الأول مع الحكومة المؤقتة والثاني مع الحكومة الانتقالية وطبعاً كان هناك مساعدة إقليمية ودولية كبيرة هذه المساعدة كانت تهدف إلى تحسين الأجواء بين الطرفين وبالرغم من هذا التوافق فمن الواضح أن هناك مشاكل في تطبيق محتويات الاتفاقين الموقعين من قبل الجنرال مظلوم عبدي والرئيس الشرع أما اليوم فهناك داعي كبير لنجاح التوافق وخاصة بعد الحدث الذي سيكون له تأثير كبير وهو حل حزب العمال الكردستاني والذي كان له دور مؤثر وكبير على قرارات الإدارة الذاتية ومسارها.
بكل الأحوال أعتقد إن جوهر الحلول والوصول إلى توافقات عملية بين دمشق والإدارة الذاتية يكمن في إبرام اتفاقات تفصيلية تعتني بالجزئيات حول قضايا معينة وأن تأخذ هذه الاتفاقات وقتها الكافي لبناء ثقة جديدة بين الطرفين وهذا هو الحد الممكن لإتمام الاتفاق لحل المشاكل القائمة بين السياستين لإيجاد القواسم المشتركة وهذا هو النموذج الذي يجب أن تُحل به كل المشاكل سواء كانت كتلك التي شاهدناها في الساحل السوري او التي شاهدناها في السويداء ومحيطها وامتداداتها بمعنى يجب أن يكون لدينا فرصة للتهدئة وإقامة توافقات صغيرة تسمح بالانتقال لتوافقات أكبر ومنح الوقت من أجل إعادة بناء الثقة وأعتقد أن السوريين لديهم القدرة على فتح بوابات الحوار وسيتمكنون من تجاوز هذه المرحلة.
ما أهم ما تحتاجه سوريا لتعيش الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وهل السوريون يمرون بمرحلة انقسام أيديولوجي ويبتعدون عن العناصر المشتركة بينهم؟
أعتقد أن الحاجة الأساسية هي حكومة رشيدة ومنفتحة ومتفهمة للواقع السوري لأن أي حكومة بدون هذه السمات سيكون من الصعب عليها تحقيق الاستقرار كما يجب أن يكون للحكومة صلاحيات تمكنها من تطبيق السياسات ولكن حتى نكون موضوعيين ومتفهمين للظروف القائمة يجب أن نقول أن الحكومة لا يمكنها ان تعمل كل شيء بدون مشاركة الشعب السوري بكافة مستوياته وقطاعاته و فئاته وهذا يتطلب منها وضع برنامج وطني يكون قابل للمراجعة والتصحيح لأنه بهذه الفترة الحرجة المليئة بالتحديات الكبيرة لا مجال لبرامج لا تخضع للتدقيق والتصحيح فليس لدينا الكثير من الفرص وعلينا استغلال فرصنا المحدودة بحرص. مع الإشارة إلى نقطة بمعرض الحديث وهي ضرورة التحلي بالحكمة والصبر وأيضاً المسامحة على مستوى الحكومة ومستوى الشعب فالظروف القائمة في سوريا حالياً والتي أفرزت هذه التحديات الصعبة يجب أن تحول سلوكنا وتفكيرنا الى أقل قدر من الحدة وعلينا جميعا أن نخفف من شروطنا لنخلق ليونة وتفاعل إيجابي على المستوى الرسمي والشعبي لنتمكن من إيجاد حلول للمشاكل الكبيرة والمعقدة التي تعيشها سوريا.
وبخصوص الانقسام نعم أستطيع القول أن هناك انقسام ولكن لا يجب أن نولي هذا الانقسام الكثير من الاهتمام لأننا لا يمكن أن نعتبره إنقساماً عميقاً وجوهرياً على اعتبار أنه لم يقم بظروف طبيعية فكل العالم يعرف أننا نمر بظروف استثنائية للغاية فقد خرجنا للتو من مذبحة النظام البائد وحلفاءه ضد السوريين والتي كانت نتيجتها ما لا يقل عن مليون ضحية وشهيد ودمار هائل وأكثر من 10 ملايين لاجئ هذه كوارث حقيقة هناك الكثير ممن فقدوا كل إمكانياتهم المادية والإنسانية وهذا ما يفسر الخراب الكبير من الاتهامات والتخوين والتعبيرات الطائفية وخطاب الكراهية في الحوار على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأنا أعتقد أنه في حال تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ولو بحدوده الدنيا من سكن وغذاء وصحة وتعليم فبالتأكيد سيتراجع هذا الانقسام خصوصا أن كل التصريحات التي تصدر من الأطراف المختلفة في سوريا ـ إلا الأصوات الشاذةـ جميعها تؤكد على أن السوريين لا طريق أمامهم للحياة سوى بقواسمهم المشتركة ولم يكونوا يوماً إلا كذلك فلا خيارات أخرى.
كيف تنظر إلى مستقبل سوريا؟ وما هي احتمالات تطور الأوضاع في البلاد؟
هذا السؤال سهل وصعب بذات الوقت يكون سهلا إذا استطعنا التفاعل بإيجابية أو تجاوز التحديات الأساسية كتحدي العيش والخروج من حفرة الأسد ومواجهة حالة الانقسام ووجود سياسة حكيمة للدولة السورية فأعتقد أن مستقبل سوريا سيكون ممتازاً وسيتحقق الانتقال من سوريا المحطمة المدمرة إلى سوريا البلد الطبيعي الذي كان يعيش شعبها مكتفياً بقدراتها المحدودة وكان قادراً على التقدم ولو ببطء رغم كل الظروف التي ورثّتها الحكومات الديكتاتورية والبوليسية والعسكرية وخاصة في عهد الأسدين وأنا متفاءل لأن هناك دلائل تبشر بالمزيد من الموارد لسوريا على صعيد النفط والغاز وعلى صعيد استنفار القدرات الاستثمارية للسوريين فالكثير من المغتربين السوريين يبدون استعدادهم للاستثمار في سوريا وفي عملية إعادة الإعمار التي لا شك أنها ستتم بمساعدة الدول العربية والصديقة.
والسؤال يبدو صعباً لأن هناك احتمال غير مرحب به على المستويين الداخلي والخارجي ولكنه احتمال ما زال قائماً وهو انفجار الوضع السوري الذي يعتبر وارداً إذا عجزنا كسوريين حكومة وشعباً عن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تحدثنا عنها ولم نستطيع التعامل معها عند ذلك سنذهب إلى مرحلة جديدة من الجوع والخراب والفقر وهذا سيولد مزيد من الصراعات داخل المجتمع السوري وسنكون أمام فترة طويلة من العذاب.
نشرت هذه المادة في العدد الحادي عشر من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 16 أيار /مايو 2025.
لتحميل كامل العدد الحادي عشر من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+