بيروت
تشغل مسألة التطبيع السوري – التركي حيزاً واسعاً في المشهد السياسي الإقليمي، لما لها من تداعيات تتجاوز الوضع في سوريا، وربما تصل تداعياتها إلى العراق، من خلال البصمة التي سيتركها هذا التطبيع في مسألة الوجود الأميركي في هذا البلد، خصوصاً أن بغداد تقود وساطة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد.
ويقول تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن هذه الوساطة العراقية، التي قد تصل إلى خواتيمها السعيدة خلافاً للمبادرة الروسية التي باءت بالفشل، تقرب إيران من هدفها الطويل الأمد المتمثل في دفع القوات الأميركية إلى الانسحاب من شمال شرق سوريا، “لكن كبار المسؤولين الأميركيين يتجاهلون هذه المسألة، لانشغالهم بالحرب في غزة”.
البيت الأبيض يتحدث عن “التطبيع” بين دمشق وأنقرة.. لاتتفاجأوا
اهتمام لفظي لا أكثر
وينسب الموقع البريطاني إلى مسؤولين أميركيين سابقين ومسؤول عربي حالي قولهم إن الأميركيين “أبدوا اهتماماً لفظياً بهذا الموضوع، في اجتماعاتهم بوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في واشنطن، في وقت سابق من هذا الشهر”، فيما قال المسؤول العربي إن العراق أبلغ الولايات المتحدة قبل أن يبدأ بوساطته بأنه يسعى للتقريب بين دمشق وأنقرة تمهيداً لاتفاق مصالحة، “لكن الولايات المتحدة لم تُبدِ اهتماماً بالموضوع”، علماً أنها تواصل معارضتها رسمياً تطبيع شركائها في المنطقة علاقاتهم مع دمشق، “لكنها تخلت عن فكر فرض هذه السياسة على شركائها”.
ويعلّق محللون على غياب الاهتمام الأميركي بالترجيح أن تكون مساعي بغداد للمصالحة بين تركيا وسوريا أشد تأثيراً على الولايات المتحدة، “إذا نجحت هذه الوساطة، بسبب الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا”. ويقول روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، للموقع نفسه: “لهذه المصالحة عواقب واضحة وطويلة الأمد، فالأسد ضعيف لا يستطيع مواجهة الأميركيين، لكن إذا وضع يده بيد أردوغان، فيستطيعان معاً الضغط بقوة على ’قوات سوريا الديمقراطية‘ (قسد)”، وهي القوات التي تنتشر في المنطقة شبه المستقلة في شمال شرق سوريا، والتي ما زالت خارج سيطرة القوات الحكومية السورية، علماً أن إخراج الولايات المتحدة من هذه المنطقة هدف طويل الأمد لكل من الأسد وروسيا وإيران.
ويقول محللون ومسؤولون سابقون إن مسؤولين أميركيين يرون أن المهمة العسكرية الأميركية في هذه المنطقة من سوريا “صارت عبئاً” على واشنطن، لكن التخلي عنها ليس مفيداً اليوم، خصوصاً أن نجاح العراق في التقريب بين الأسد وأردوغان يقدم خدمة جليلة لإيران. يقول فورد الذي ينتقد صراحةً الوجود العسكري الأميركي في سوريا: “مستحيل فصل وساطة العراق عن هدف طهران المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من سوريا”.
إيران المستفيد الأول
بغض النظر عن استمرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، يقول دوغلاس سيليمان، وهو سفير أميركي سابق في العراق بين عامي 2016 و2019: “إن أرادت واشنطن إبقاء المحور الإيراني تحت السيطرة، فلن ترغب في أي تقدم نحو المصالحة بين دمشق وأنقرة”، لسببين: الأول، تجنباً لوضع “قسد” في مأزق فعلي؛ والثاني، تجنباً لإفلات المزيد من شركاء الولايات المتحدة في المنطقة من العقال الأميركي ليعقدوا صفقات خاصة تصب في مصلحتهم الوطنية، وتفيد إيران.
يضيف سيليمان إن حكومة محمد شياع السوداني العراقية “تظن أن الفرصة سانحة أمامها اليوم لتتودد لتركيا من خلال وساطة المصالحة مع سوريا”، خصوصاً أن بغداد تتجاهل غارات أنقرة على أهداف كردية في شمال العراق، مع التذكير بأن فالح الفياض يؤدي دوراً في رسم مسار التطبيع التركي – السوري، وهو قائد الحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران.
تبدد الفتور
في هذا السياق، يقول المحللون إن تركيا ليست بعيدة عن “أمنية الانسحاب الأميركي”. فالدعم الأميركي “غير المحدود” لـ”قسد”، كما يصفه مسؤولون أتراك، سبب أساسي للفتور السابق في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. وهذا الأمر كان بنداً أول على أجندة زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين إلى العاصمة الأميركية واشنطن في أواخر شباط (فبراير) الماضي.
وبحسب وسائل إعلامية تركية وأميركية، كان الوضع السوري وتحديداً “قسد” في الشمال السوري، أهم الملفات وأشدها سخونة على بساط البحث، إلى جانب تداعيات الدعم الأميركي لـ”قسد” على الأمن القومي التركي.
يقول مراقبون إن الكونغرس الأميركي عدل عن معارضته، ووافق على صفقة طائرات “إف – 16” محدثة لأنقرة. وثمة كلام عن خُطة تعدّها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لسحب الجنود الأميركيين الـ 900 من شرق سوريا، كما يلفتون إلى صمت أميركي تجاه تصعيد القوات التركية عملياتها العسكرية في شمال وشرق سوريا.