أمّك أمّك أمّك.. ثم أبوك. يصح هذا القول أينما كان، إلا في قانون الأحوال الشخصية بلبنان. “فهنا، أنت لبناني أباً عن جِد، وليس أماً عن جَد”، كما يقول مصطفى علم الدين، الشاب السوري من أم لبنانية المولود في لبنان ولم يغادره يوماً، لـ”963+”.
إنها قصة إبريق الزيت اللبنانية: الأمومة أم الجنسية؟ فمنذ إنشاء لبنان، يتحكم بمسؤولية هاجس الديموغرافيا، وخوف الاختلال الطائفي، وكأن صيغة “6 و6 مكرر” التي تضمن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين معادلة أتت ضمن الوصايا العشر!
وخوفاً من “تناسل المسلمين” كما يقول علم الدين، تواجه المرأة اللبنانية التي تتزوج من أجنبي مشكلات جمة إن قررت الاستقرار وزوجها في لبنان. فلا زوجها يستطيع أن “يتلبنن” بفعل زواجه من لبنانية، ولا أولادها لبنانيون، على الرغم من ولادتهم في لبنان، “وشربهم من ماء صنين واللعب في فيء الأرز”، كما يهزأ علم الدين.
قانون من أيام الانتداب
صدر قانون الجنسية اللبناني في عام 1925، وكان لبنان بعد في ذمة الانتداب الفرنسي، فانبثق القانون عن قانون الجنسية الفرنسي. إلا أن بعض المراجع تقول إن ترجمة النصوص الفرنسية إلى العربية لم يكن دقيقاً، فحصلنا على قانون عامر بالثغرات.
ينص القانون في المادة الأولى منه على: “يعتبر لبنانياً كل من يولد من أب لبناني وفي أراضي دولة لبنان الكبير مع ثبوت عدم اكتساب تابعيةً أجنبية عند الولادة أو الولادة في أراضي لبنان من والدين مجهولي الهوية أو مجهولي التابعية”.
قبل تعديل القانون، كانت تسحب الجنسية اللبنانية من كل إمرأة لبنانية تتزوج من أجنبي، لكن المشرع اللبناني عَدَل عن الاقتضاء، لكن من دون أن يمنح اللبنانية الحق في منح جنسيتها لزوجها وأطفالها، فيما يحق للرجل اللبناني منح زوجته الأجنبية جنسيته، وهذا تمييز مشهود بإجماع المراجع القانونية.
هذا هو القانون!
يقول مصدر في جمعية “رواد الحقوق” لـ “963+”: “المبدأ في الثقافة التشريعية اللبنانية أن المرأة تتبع زوجها قانوناً، ويفترض المشرّع اللبناني أن الزوجة تقيم مع زوجها الأجنبي في بلده، وإقامة المجاملة التي تصدرها السلطات اللبنانية لزوج اللبنانية تعطى لزوج اللبنانية إن قرر الإقامة معها على الأراضي اللبنانية”.
هذا هو القانون، لكن الواقع يقتضي النظر في كل حالة بذاتها. تقول هنادي لـ”963+”: “نتحدر من عائلة سورية حصلت على الجنسية اللبنانية في عام 1995. كانت شقيقتي في سوريا، وتزوجت من سوري بحسب هويتها السورية… فتسجل زواجها في سوريا، وبقيت عزباء في لبنان”.
تضيف هنادي: “وهكذا، لا يستطيع زوجها الحصول على إقامة المجاملة”، وبسبب “كسر” إقامته التي عقدها مع كفيل لبناني، يتخوف اليوم من ترحيله إلى سوريا، خصوصاً أن عمليات الترحيل بدأت عشوائية من عدة أشهر وما زالت مستمرة حتى الآن.
تشريع تمييزي
تقول المحامية ندى بكار، رئيسة لجنة قانون تعديل الجنسية في نقابة المحامين والعضو في لجنة المرأة في النقابة أيضاً، لـ”963+”: “يسجل الأولاد الأجانب الذين يولدون في لبنان من أم لبنانية وأب أجنبي في سجلات الأجانب، ويحق لهم الدراسة في لبنان، لكن لا يحق لهم الانتساب إلى النقابات”.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إن لأطفال وأزواج اللبنانيات الحق في الجنسية أسوة بزوجات وأطفال الرجال اللبنانيين، مؤكدةً ان القانون اللبناني الحالي “يميّز ضد النساء المتزوجات من أجانب وأطفالهن وأزواجهن بحرمانهم من الجنسية اللبنانية، وهذا يؤثر في حياة الأطفال والأزواج من جميع النواحي، بما في ذلك الإقامة القانونية وإمكانية الحصول على العمل والتعليم والخدمات الاجتماعية والعناية الصحية، كما يعرّض بعض الأطفال لخطر انعدام الجنسية”.
مقترحات في الأدراج
يقول مسؤول في جمعية “جنسيتي كرامتي” لـ”+963″: “قبل 12 عاماً، قدمنا مشروع قانون يهدف إلى منح الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي زوجها وأولادها الجنسية اللبنانية، إنما لم يناقشه مجلس النواب”، والسبب هو اعتقاد بعض الكتل النيابية أن إقرار هذا القانون “يؤثر في ديموغرافية لبنان وهويته، لذلك توضع هذه الاقتراحات في الأدراج”.
وتتحدث جمعية “رواد الحقوق”، عن تقديم اقتراحات ومشاريع قوانين لتعديل قانون الجنسية، بحيث يُعترف للمرأة اللبنانية بالحق في منح عائلتها من زواج بأجنبي (زوج و/أو أولاد) جنسيتها اللبنانية، “ومنها مقترحات تقتصر على منح هذا الحق ومنها مقترحات تتضمّن تعديلات أخرى أيضاً”.
والجمعية بصدد تقديم مقترح قانون شامل متكامل للجنسية اللبنانية يتضمّن منح الأم اللبنانية المتأهّلة من أجنبي هذا الحق، كما للزوجة اللبنانية المتأهلة من أجنبي، “إنما ضمن ضوابط تؤكّد جدية الزواج والعلاقة”.
وكانت حملة “جنسيتي حق لي ولأسرتي” قد أصدرت بياناً في 3 نيسان/أبريل المنصرم، قالت فيه إن أولاد وأزواج النساء اللبنانيات المقترنة من أجنبي لا يتمتعون بحقهن الطبيعي والإنساني في العمل ومزاولة المهن الحرة والنقابية، وتؤكد الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية التزام الدول مكافحة التمييز في العمل وحماية حق العمل لجميع الأفراد، بما في ذلك المتأثرة بقوانين الجنسية التمييزية المبنية على الجنس.
تماسك الأسرة
يضيف البيان إن حق النساء اللبنانيات أولوية، لذا يجب الحفاظ على تماسك الأسرة وعدم تشتتها لطلب العمل في الخارج هرباً من التحديات التي تفرضها القوانين المنفذة والسياسات المطبقة والعوائق للعيش حياة لائقة في وطن الأم اللبنانية، “فتقدمت الحملة بالمطالب المحقة والتي نذكر منها: معاملة الأجنبي المولود من أم لبنانية بالمثل مع العمال اللبنانيين، وكذلك الأجنبي المتزوج من امرأة لبنانية؛ والسماح لهم ولهن بممارسة المهن النقابية ومزاولة المهن الحرة كالمحاماة والطب والصيدلة والهندسة وغيرها؛ والإعفاء من رسوم إجازة العمل، واتخاذ تدابير تضمن استفادة الأجنبي/ة المولود/ة من أم لبنانية أو الأجنبي المتزوج من لبنانية من الضمان الاجتماعي وتقديمات صندوق الصحة والمرض والأمومة، وكذلك الحصول على كامل المستحقات المتعلقة بنهاية الخدمة أسوة باللبنانيين. وغيرها من المطالب الاساسية والتفصيلية”.