خاص – عمار جلو/ عنتاب
منذ عام 2022، وبحسب تصريح منسوب إلى رام بن باراك، رئيس لجنة الأمن في الكنيست الإسرائيلي، تعدّ إسرائيل سوريا جزءاً من المعركة المفتوحة مع “حزب الله” اللبناني، “وهذا يعني أن إسرائيل مستعدة لحرب متعددة الجبهات، سوريا واليمن والعراق وغيرها من الساحات جزء منها”، بحسب ما تقول سارة الشريف، الصحفية المختصة بالشؤون الإسرائيلية، ومؤلفة كتاب “المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل” لـ”963+”.
لكن ما تقوله الشريف، على أهميته، لم يعد سراً، بشهادة التصعيد المستمر منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على جبهة الجنوب اللبناني، ووصل شرارات هذا التصعيد ميدانياً إلى هضبة الجولان السورية، وحتى إلى قلب سوريا بغارات تنفذها المقاتلات والمسيرات الإسرائيلية ضد مواقع لـ “حزب الله” وغيره من الفصائل التي تدعمها إيران
في ضوء تقرير “بيلد” الألمانية الذي ينقل عن مصادر دبلوماسية قولها إن إسرائيل ستشن هجوماً على لبنان في النصف الثاني من تموز/يوليو الحالي، إذا استمرت هجمات “حزب الله” على شمال إسرائيل، ثمة سؤال مهم مطروح اليوم: “ما موقف الحكومة السورية من أي حرب واسعة محتملة بين إسرائيل حزب الله؟”
لم ينسَ!
يرجّح عدنان ناصر، وهو محلل وصحفي أميركي – لبناني مستقل في مجال السياسة الخارجية يعيش في بيروت، ألا تنضم دمشق إلى الحرب إن توغلت إسرائيل في لبنان، على الرغم من أن حكومة دمشق مدينة في بقائها لـ’حزب الله‘. يقول ناصر لـ”963+”: “عندما بدأ القتال بين ’حماس‘ وإسرائيل، نأت سوريا بنفسها، بسبب الخلاف التاريخي بين الحكومة السورية و’حماس‘”.
لم ينسَ الرئيس السوري بشار الأسد بعد وقوف “حماس” مع المعارضة السورية التي حاولت إطاحته في عام 2011، لكنه يجد نفسه اليوم في موقف حرج: دخل “حزب الله” سوريا بكل ثقله العسكري ليمنعه من السقوط، وعليه بالتالي رد الجميل، خصوصاً أن النفوذ الإيراني قوي في دمشق.
لكن، الوضع مختلف قليلاً. وقد لا يكون الأسد قادراً على البقاء بعيداً، إذ تقول “أسوشيتد برس” إن مسؤولين في فصائل موالية لإيران أكدوا أن مقاتليها سينضمون إلى الحرب، وسينتشرون بالآلاف في سوريا، فيما يقول موقع إيران أوبزرفر إن “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري طلب من “محور المقاومة” تجهيز قوات خاصة لمساعدة وحدات النخبة التابعة لـ “حزب الله” في حال نشوب حرب مع إسرائيل. ويذكر موقع العربي الجديد أن لقاءات ممثلين لفصائل عراقية مسلحة جرت في دمشق ولبنان للاتفاق على تحرك موحد لضرب أهداف إسرائيلية وأخرى أميركية في العراق وسوريا، إذا شنت إسرائيل حرباً على جنوب لبنان.
بالتالي، ستكون الحكومة السورية مجبرة على التعاطي مع أمر واقع، لا مفر من الاعتراف به. فانتشار قوات رديفة، موالية لإيران، في مناطق سورية عدة، سيجرّ الحكومة السورية في لحظة من اللحظات إلى التدخل.
هل تتغيّر الاستراتيجيات؟
من ناحية أخرى، تتبع إيران سياسة الصبر الاستراتيجي للتعامل مع خصومها وحلفائها على السواء، بحسب عقيل حسين، الصحفي والخبير في الشأن السوري، مضيفاً لـ”963+” أن طهران تراعي ظروف حلفائها، ولا سيما الحكومة السورية، “ومهما قيل عن ضعف دمشق وتعرضها للاختراق من الحرس الثوري الإيراني، ما زال الأسد يمتلك شرعية دولية وقانونية، ولديه عناصر قوة وحلفاء آخرون مثل روسيا والصين، مع ما نشهده من انفتاح عربي عليه”. وهذا منحه مظلة أمان كبيرة تمنحه أوراقاً قوية للعب في هوامش واسعة. فمن ناحية، لن تقسو عليه طهران إلا بالحدود السياسية الدينا، ومن ناحية أخرى لن تستطيع أن تجرّه تماماً إلى الحرب، ما دام الرئيس السوري قد يتحوّل إلى ورقة تفاوض مساعدة بين إيران والدول العربية.
ويخلص حسين إلى أن طهران لن تفكر في خسارة حليفتها دمشق بزجها “تماماً” في المعركة ضد إسرائيل، على الرغم من إطلاق “الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية” تحذيراً من رد فوري إذا شنت إسرائيل حرباً واسعة النطاق على لبنان، ما يعطي الانطباع بأن التوغل البري الإسرائيلي في لبنان سيؤدي إلى تورط جهات فاعلة أخرى غير “حزب الله” اللبناني، وعلى الرغم من تأكيد فراس الياسر، عضو المكتب السياسي لحركة النجباء العراقية، لصحيفة “العربي الجديد” اكتمال التنسيق مع فصائل محور المقاومة في سوريا، في ظل اتفاق توحيد الساحات.
دور الجغرافيا السورية
وبحسب الشريف، تعلم إسرائيل أن “حزب الله” وحلفاءه يرغبون في تنفيذ حلقة نار حولها، لتشتيت عملياتها العسكرية في أي مواجهة مع “حزب الله”، “لكنها تستعد لهذه المرحلة منذ فترة طويلة، أكثر مما كانت مستعدة لحركة ’حماس‘ في غزة”.
إلا أن السؤال المطروح هو: “هل تستطيع سوريا اليوم التورّط في هذه الحرب؟”. فالحكومة السورية منهكة، مالياً وعسكرياً، وقواتها موزعة على طول خطوط التماس مع خصومها، وقد استنفدت إمداداتها العسكرية، وأغلب الظن أنه إذا تُرك القرار للأسد نفسه، فسيميل إلى إعطاء بقائه في السلطة الأولوية، مع تسهيل مرور الدعم العسكري الإيراني لـ’حزب الله‘”، من منطلق أن للجغرافيا السورية دورها في هذا الصراع، “والدليل تنفيذ فصائل مدعومة من إيران هجمات متقطعة على إسرائيل من الأراضي السورية، من دون مشاركة الأسد أو موافقته… وقد فعلوها مراراً”.
عجز عسكري
تقول الشريف إن ليس هناك ما يثبت أي تنسيق بين الحكومة السورية والفصائل المدعومة من إيران في العمليات التي تنفذها. وحتى في إسرائيل، لا إجابة حاسمة في ذلك.
وتضيف: “ستكون سوريا جزءاً من أي مواجهة محتملة. هذا صحيح. لكن ما حدود دورها الفعلي؟ وهل ستشارك ميدانياً في الحرب؟ فما يقال اليوم يشير إلى أن إسرائيل تضع لبنان أولوية قبل سوريا، ولن تقوم بضرب سوريا كلها، بل ستقتصر ضرباتها على مواقع ’حزب الله‘ وإمداداته بالسلاح، وهذا ما تقوم به منذ عامين ونيّف”.
وهنا يضيف ناصر أن الحكومة السورية ليست في وضع يسمح لها بالمساعدة عسكرياً، مرجحاً أن تكتفي بتقديم دعم “سياسي مفتوح”، إلى جانب تأمين ممر للسلاح الآتي من إيران إلى لبنان. إلا أن مصادر أخرى لا تستبعد أن تزيد طهران ضغطها على دمشق لزجها في الحرب، إن صارت معركة “كسر عظم”.
من المسلمات.. ولكن!
في هذا السياق، يقول كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد الإيراني للسياسة الخارجية، إنه في حال شنّت إسرائيل هجوماً على “حزب الله”، فإن “كل الشعب اللبناني والدول العربية ودول محور المقاومة سيدعمونه”، مضيفاً لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية: “ستسنح الفرصة لتوسيع الحرب لتشمل المنطقة بأكملها، وستشارك فيها جميع دول الإقليم، بما فيها إيران”، وبالتالي، مشاركة سوريا صارت من المسلّمات.
ووفقاً لعقيل حسين، على الرغم من عدم سعادة إيران بتجنب الأسد أي مواجهة محتملة مع إسرائيل قد ينخرط فيها ما تسميه “محور المقاومة” بمجمله في الحرب، فإنها لن تمارس ضغوطاً مكثفة عليه، طالما لم يتخذ إجراءات “عدائية” رسمية تجاه إيران ومصالحها.
إلا أن ثمة تطور أخير، ربما يكتنف بعض الدلالات في هذه المسألة: إن المصير الذي آلت إليه لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري الإعلامية، يثير بعض التساؤلات عن عامل الثقة الإيرانية بالرئيس السوري. فما ينقل من أخبار يشي بأن لإيران دور خفي في إزاحة الشبل، وغيرها من المحسوبين على روسيا في الدائرة المقربة من الأسد، من منطلق تسريب معلومات استخدمتها إسرائيل لضرب القنصلية الإيرانية في دمشق. وهو الحدث الذي جرّ رداً صاروخياً من إيران على إسرائيل.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن الحكومة السورية قد تجد ألا مفرّ من الدخول بكل ثقلها في أي حرب واسعة النطاق بين إسرائيل و”حزب الله”، اتقاءً لأية ردة فعل إيرانية غير محسوبة، خصوصاً اليوم، مع التبدلات الحاصلة على المحور السوري – التركي.