حدث جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤلفين موسيقيين سوريين عملوا في الموسيقا التصويرية للمسلسلات الدرامية، وبين مخرجين استقدموا مؤلفين وعازفين عرباً وأجانب لصناعة الموسيقا التصويرية لمسلسلاتهم، كالمخرجة رشا شربتجي والمخرج الليث حجو. وحين كتب أحد المخرجين عبارات شكر للعازفين الأجانب الذين “ترجموا المشاعر من لغة لا يعرفونها”، حسب تعبيره، تصدى له أحد المؤلفين الموسيقيين قائلاً: “فعلاً، مزمار الحي لا يُطرب”.
فما هي القصة؟ هل ينقص المؤلفين والعازفين السوريين الخبرة والموهبة، في الوقت الذي نالوا فيه جوائز مهرجانات عربية واستُقدموا للعمل في أعمال درامية ووثائقية عربية؟ أم أن المخرجين، رغم ما يُشهد لهم من كفاءة، يفتقرون إلى الثقافة الموسيقية الكافية لربط الموسيقى بالمشهد الدرامي؟ أم هي مجرد موضة ورغبة في كتابة أسماء أجنبية في شارات المسلسلات؟
المزاج يحتاج إلى ثقافة
يبيَّن المخرج عبد الغني بلاط أن السينما بدأت بدون صوت، فلجأت دور العرض إلى استقدام عازف بيانو يرافق الصورة الصامتة، لأن الصورة بدون صوت غير مستساغة.
ويقول بلاط لـ”963+”: “عندما تمكن التقنيون من إدخال الصوت إلى فن السينما، كان يتم تسجيل الحوار أثناء التصوير كصوت مسودة، وعندما تنتهي عملية المونتاج، يُسجَّل الصوت المعتمد في استوديو دوبلاج، ثم تُسجَّل المؤثرات الصوتية غير البشرية، كصوت إغلاق باب مثلاً، أو صوت تحريك ملعقة في كأس، وذلك لمنح الصورة مصداقية وكأنها حياة حقيقية. ثم تُضاف الموسيقا التصويرية، حيث يقوم المؤلف الموسيقي بصناعة (ميلودي) أساسي للعمل الدرامي، ويصنع منه تقسيمات وتنويعات تُستخدم في العمل”.
اقرأ أيضاً: بلقيس التلة لـ “963+”: رغم صعوبة الرحلة صرت أومن أكثر بقوة السينما في التعبير – 963+
وهنا يأتي دور الموزع الموسيقي، الذي يحضر العمل الدرامي، وعلى أساسه يختار أماكن إضافة الموسيقا التصويرية، ويقوم (الماكسير) ـ أي المازج ـ بتنسيق ومزج كل عناصر الفيلم، ويضيف كل هذه الأصوات (الحوار، المؤثرات الصوتية، الموسيقا التصويرية).
وبخصوص السينما، كانت تتم هذه العملية في المعمل، ويُقدَّم الفيلم بشكل نهائي بعد ذلك، صوتاً وصورة.ويُوضح بلاط أن على المخرج ألّا يترك مهمة إدخال الموسيقا التصويرية للموزع الموسيقي أو للماكسير، ويضيف: “لأن ذلك قد يسيء للعمل الدرامي من الناحية الفنية، والسبب أن هذه العملية تحتاج إلى مزاج، والمزاج يحتاج إلى ثقافة، ومعرفة، وفهم درامي لتأثير الموسيقا على المادة الدرامية في المشهد المصوَّر. فأنا كنت أشرف على عملية المكساج كاملة، وخصوصاً الموسيقا التصويرية”.
خارج الفهم وخارج الذوق الفني
وعن ظاهرة استقدام مؤلفين موسيقيين غرباء عن بيئة الأعمال الدرامية السورية، يقول بلاط:
“أنا أعتبر أن استقدام مؤلف موسيقي أو عازف من خارج البيئة، بمثابة مشكلة كبيرة. فيجب أن يكون المؤلف الموسيقي من أساس البيئة، لأن هذا سيخلق غربة بين المادة الدرامية والموسيقا المرافقة لها. فبدلاً من أن نستخدم البيانو والأورغ، علينا أن نستخدم الآلات الموسيقية في البيئة ذاتها، حتى يحصل الانسجام بين المادة الدرامية والموسيقا. وهذا عنصر أساسي لا يمكن التنازل عنه”.
هذه الأخطاء تحدث في الإنتاج الدرامي السوري، وهي اجتهادات خارج السرب، وخارج الفهم، وخارج الذوق العام، وحتى خارج الذوق الفني، بحسب بلاط.
مزمار الحي لا يُطرب
المؤلف والموزع الموسيقي وضاح خليل يقول لـ”963+”: “لا يوجد سبب يدفع المخرجين إلى استقدام مؤلفين وعازفين غير سوريين لأعمال فنية سورية سوى تأكيد المثل القائل: مزمار الحي لا يُطرب. وهم بذلك يجعلوننا نخسر الفرصة. فقد كنا نعاني كمؤلفين شباب من حصر تأليف الموسيقا التصويرية بالأسماء المكرسة، والآن تضاعفت المعاناة باستقدام مؤلفين غير سوريين”.
وعن مدى أهمية أن ينتمي المؤلف والعازف لبيئة العمل، يقول خليل: “الموسيقى التصويرية تُعتبر اللغة الثانية التي تُكمل الصورة والحوار البصري واللفظي في العمل الدرامي، من خلال تعميق الإحساس والانفعالات في المشاهد، وبناء إيقاع درامي للعمل، وتُساهم في ترسيخ وخلق بيئة زمنية معينة للعمل الدرامي. فكيف سيستطيع مؤلف بعيد عن بيئة العمل أن يقوم بكل ذلك؟ وهل يستطيع أن يُنجز هذه المهمة كمؤلف مطلع على السياق العام، وابن بيئة الحكاية؟”.
ويضيف: “بالتأكيد، المؤلف الموسيقي ابن البيئة يستطيع أن يساعد العمل الدرامي ليصل إلى الجمهور بشكل عاطفي أكثر، لأنه قادر على فهم السياق الدرامي، وقادر على صناعة فعالية في الحدث، وهو يستطيع أن يروي حكاية المسلسل من خلال الموسيقى، ويلامس بذلك وجدان ومشاعر المشاهدين”.
اقرأ أيضاً: السينما السورية: شاشات تنتفض من تحت الركام.. واستثمارات تبحث عن ضوء أخضر – 963+
“مستوانا عالٍ جداً”
عند سؤاله عمّا إذا كانت غاية المخرجين البحث عن جودة أفضل من المستوى المحلي، يقول خليل: “مستوى العازفين السوريين عالٍ جداً مقارنة مع العازفين من بلدان أخرى، وهذا الأمر ملموس من خلال أسماء كثيرة. أغلب نجوم الغناء العرب يعتمدون بشكل أساسي على العازفين السوريين، والأسماء كثيرة: من غروان زركلي، إلى مجد جريدة الذي قاد فرقة أصالة نصري وعمل مع جورج وسوف، إلى رشيد هلال، إلى باسم صالحة، إلى خريجي المعهد العالي كمحمد عثمان وعدنان فتح الله وغيرهم، الذين شاركوا في أوركسترات عالمية على مستوى عالٍ جداً”.
وفي السياق ذاته، يقول بلاط: “هناك عدة مستويات للموسيقى التصويرية في الإنتاج الدرامي السوري لدى مبدعي الموسيقى السوريين. فقد استطاع الموسيقي طاهر ماملي، مثلاً، أن يتعامل مع الموسيقى التصويرية كبيئة، ويُعتبر من أهم العاملين في هذا المجال. ففي مسلسل (الخربة)، الذي تدور أحداثه في السويداء، اعتمد على الموسيقى المحلية الموجودة هناك، واشتغل عليها، وصنع منها ميلودي ممتاز جداً، وخدم العمل الدرامي بدرجة كبيرة. وكذلك الأمر في (ضيعة ضايعة). أنا لا أحب نتاج الفنان طاهر ماملي فقط، وإنما أحترم هذا النتاج. وهناك أيضاً الفنان إياد الريماوي، الذي دائماً يصنع مفاجآت بأشياء جديدة”.
مراهقة فنية غير لائقة
الكاتب والناقد محمد خير داغستاني يؤكد على أهمية الموسيقا التصويرية في أي عمل درامي، لأنها تُعتبر رافعة للعمل، وتُستخدم لرفع قيمة العمل الفني حين يكون ضعيفاً، وبيّن أيضاً أنها قد تكون موازية لجودة العمل الدرامي.
ويضيف لـ”963+”: “أنا لا أرى جدوى فنية حقيقية من استقدام مؤلفين وعازفين وموسيقيين من خارج بيئتنا ومجتمعنا، لأنه حتماً سيكون هناك اختلاف. فيجب أن يكون المؤلف والعازف من نفس البيئة والمجتمع، فهي مسألة لها علاقة بالروح، وبالحس الفطري بالأشياء، وبالطبيعة، وبالإنسان”.
وعن الأسباب التي تدفع المخرجين إلى ذلك، يقول: “قد يكون استعراضاً لا داعي إليه، أو ربما يكون نوعاً من التجريب، ولكني لا أتوقع أن يُكتب له النجاح. والمخرج الذي سيجرب مرة أو اثنتين، لن يعيد الثالثة. أو إذا أردنا أن نذهب بعيداً، فيمكن القول إن هذا نوع من المراهقة الفنية التي لا تليق بأسماء مخرجين كبار نالوا نصيباً من الشهرة في أعمال كثيرة في السنوات الأخيرة”.