لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا مجرد قرار إداري بحت، بل يمثل حركة سياسية ذات مدلولات إقليمية ودولية واضحة. فاختيار السعودية كمسرح للإعلان يعكس إعادة رسم الدور القيادي لها في المنطقة العربية وإعادة ضبط الاصطفافات السياسية التي تشكل المشهد الإقليمي منذ سنوات.
السعودية واستعادة الدور القيادي
لم يكن اختيار الرياض للإعلان عن رفع العقوبات الأميركية صدفة، بل هو جزء من استراتيجية سعودية متكاملة لإعادة تثبيت موقعها كقوة إقليمية مؤثرة، هذا التحرك يأتي بعد سنوات من التنافس على الهيمنة الإقليمية، خصوصاً مع تركيا وإيران، حيث يبدو أن المملكة تعمل على إعادة ترتيب التحالفات بما يتناسب مع مصالحها المستقبلية.
رفع العقوبات الأميركية عن سوريا من الرياض يمكن اعتباره بمثابة إعلان غير مباشر عن إعادة احتضان سوريا عربياً بعد مرحلة من التقارب السوري التركي الذي فرضته الضرورات السياسية والجغرافية. هنا يتضح أن السعودية تسعى إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية مركزية قادرة على احتواء المتغيرات وجذب سوريا إلى فضائها السياسي عبر دعم اقتصادي وسياسي متعدد الأوجه
اقرأ أيضاً: ترامب يصل السعودية في مستهل جولته الخليجية – 963+
إضعاف الدور الأوروبي
يأتي القرار الأميركي أيضاً في سياق تقليص النفوذ الأوروبي، وخاصة الفرنسي، الذي حاول جاهداً أن يستقطب السلطة السورية ضمن مساعي باريس لإعادة صياغة دورها في المنطقة. فمنذ سنوات، لعبت فرنسا دوراً واضحاً في استقطاب دمشق من خلال قنوات ديبلوماسية غير مباشرة. ومع تراجع الوزن الأوروبي في الشرق الأوسط، يبدو أن واشنطن قررت استعادة المبادرة ورسم مسار جديد لسوريا، بعيداً عن محاولات التأثير الأوروبية.
ويعكس هذا التحول إعادة التوازن داخل المحور الغربي، حيث تسعى واشنطن إلى احتواء المتغيرات الإقليمية عبر تحركات سياسية مباشرة، بدلاً من ترك المساحة للاعبين الأوروبيين الذين، وإن كانوا يسعون إلى الحفاظ على نفوذهم، لم يقدموا حلولاً ملموسة للمأزق السوري.
لقاء كرس النفوذ الأميركي
المقابلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع نقطة مفصلية في هذا التحول السياسي. هذا اللقاء، بغض النظر عن تفاصيله، يشكل تتويجاً لدور أميركي جديد في سوريا، حيث سيتم العمل على صياغة تفاهمات تضمن وجوداً أميركياً أكثر وضوحاً في الملف السوري.
وبعد 100 عام على تأسيس الدولة السورية الحديثة، ربما يكون هذا اللقاء علامة على دخول سوريا إلى دائرة النفوذ الأميركي، خصوصاً مع التغيرات الإقليمية التي تفرض خيارات جديدة على دمشق، بغض النظر عن شكل الاتفاقات التي أبرمت خلال اللقاء، مرجحٌ أن يعتمد هذا الاجتماع إشارة رسمية على تغير التموضع السوري في الخارطة السياسية والجغرافية للمنطقة.
اقرأ أيضاً: ترحيب عربي ودولي بقرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا – 963+
نحو حل سياسي شامل
بين التحولات السياسية والإقليمية، تظل مصلحة الشعب السوري هي الاعتبار الأساسي في أي تحول يجري على الساحة الدولية. فرفع العقوبات، رغم كونه قراراً مرتبطاً بتوازنات سياسية، يشكل فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وإعادة تحريك عجلة التنمية، بما يتيح للسوريين فرصة للخروج من حالة الجمود التي فرضتها سنوات الحرب والعقوبات.
لكن هذه الفرصة لن تكون ذات جدوى إلا إذا تم استثمارها في إطار حل سياسي شامل يحقق الأمن والاستقرار والمواطنة لكافة السوريين. أي انخراط دولي في الملف السوري يجب أن يكون محكوما بضمانات تحفظ مصالح الشعب السوري، لا أن يتحول إلى مجرد تحرك سياسي يخدم أجندات القوى الكبرى في الختام.
إعلان ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا لم يكن مجرد قرار اقتصادي، بل هو جزء من إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية، حيث يبرز الدور السعودي القيادي، ويتراجع النفوذ الأوروبي، وتتجه سوريا نحو مرحلة جديدة من العلاقات الدولية. اللقاء المنتظر بين ترامب والشرع سيكون لحظة مفصلية تؤسس لتحول استراتيجي في المشهد السوري، وربما يكون بداية لمسار سياسي جديد يعتمد فيه الدور الأميركي كفاعل أساسي في الملف السوري.
تحقيق الأمن والاستقرار والمواطنة لكافة السوريين هو الهدف الأسمى الذي يجب أن توجه إليه هذه التحولات، لضمان مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا لسوريا والمنطقة.