تشهد محافظة درعا جنوبي سوريا أوضاعاً معيشية صعبة مع حلول شهر رمضان، حيث يعاني السكان من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، مقابل انخفاض القدرة الشرائية وتراجع توفر العملة المحلية، ما جعل حتى أبسط المستلزمات الأساسية بعيدة المنال للكثيرين.
وعلى الرغم من انخفاض طفيف في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، إلا أن الوضع الاقتصادي المتأزم جعل هذه السلع خارج متناول العديد من المواطنين.
ففي العام الماضي، بلغ سعر كيلو اللحمة الحمراء 140 ألف ليرة سورية، لينخفض هذا العام إلى 90 ألف ليرة. أما الدجاج، فقد تراجع سعر الكيلو من 40 ألف ليرة إلى 25 ألف ليرة. ورغم هذا الانخفاض، لا تزال القدرة الشرائية للأهالي متدهورة.
ويقول شادي عمارين، أحد سكان مدينة نوى لموقع “963+”: “حتى مع انخفاض بعض الأسعار، القدرة الشرائية للناس تكاد تكون معدومة. الناس تمرّ بالسوق وتسأل عن الأسعار، لكن قلة قليلة تستطيع الشراء. الوضع الاقتصادي خانق والجميع متضرر”.
شح العملة المحلية وتراجع النشاط التجاري
تعاني الأسواق في درعا من نقص حاد في العملة المحلية، ما أدى إلى شلل شبه تام في الحركة التجارية. حيث انخفض سعر كيلو السكر من 25 ألف ليرة إلى 8 آلاف ليرة، وسعر لتر الزيت من 48 ألف ليرة إلى 18 ألف ليرة. ورغم هذا التراجع، فإن المواطن لم يلمس تحسناً حقيقياً بسبب ضعف القدرة الشرائية.
ويؤكد التاجر نسيم الدعاس أن “المشكلة ليست فقط في ارتفاع الأسعار، بل في شح السيولة النقدية، ما جعل عمليات البيع والشراء معقدة للغاية”.
ويشير في حديث لـ”963+” إلى أن “حتى المواطنين الذين يملكون بعض المال يجدون صعوبة في الحصول على فئات نقدية مناسبة للشراء اليومي، مما زاد من ركود الأسواق”.
ومنذ سقوط النظام السوري، لم يتقاضَ نحو 80% من الموظفين الحكوميين في درعا رواتبهم، ما جعلهم عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية. ويقول شاهر خريبة، موظف حكومي سابق: “منذ سقوط النظام ونحن بلا رواتب. نحاول التكيف مع الوضع، لكن كيف يمكن العيش بلا دخل في ظل هذا الغلاء؟”
وأشار خريبة في حديث لـ”963+” إلى أن “العديد من الموظفين لجأوا إلى البحث عن أعمال أخرى، لكن حتى فرص العمل أصبحت نادرة بسبب تدهور النشاط الاقتصادي”.
البطالة تعمّق الأزمة
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في درعا مع ارتفاع معدلات البطالة، حيث بات العثور على عمل أمراً بالغ الصعوبة. ويقول الشاب الجامعي جميل أبو السل: “بحثت عن أي فرصة عمل، لكن لا يوجد شيء. حتى أصحاب المهن الحرة يعانون بسبب تراجع الحركة الاقتصادية. الوضع صار صعباً جداً، ولا توجد أي حلول بالأفق”.
وأضاف لـ”963+”: “حتى في حال توفر عمل، فإن الأجور متدنية جداً ولا تكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية”.
أجواء رمضانية باهتة وحالة من الإحباط
وصفت سوسن التوبة، وهي أم لأربعة أطفال، الأجواء الرمضانية هذا العام قائلة: “رمضان هذا العام بلا زينة، بلا فرحة، ليس كما كان في السابق. كل شيء غالي، وحتى لو انخفضت الأسعار قليلاً، لا نملك المال للشراء. العيد أيضاً لم يعد كما كان، لا ملابس جديدة للأطفال، ولا حلويات، ولا شيء يدخل السرور إلى القلب”.
وأضافت لـ”963+” أن “الأسواق تفتقد لأجواء العيد المعتادة، حيث يغيب الازدحام والبهجة التي كانت تميز هذه الفترة من العام”.
ومع اقتراب عيد الفطر، بات شراء الملابس الجديدة للأطفال ترفاً لا يستطيع الكثيرون تحمله، حيث تضاعفت الأسعار وتراجعت القدرة الشرائية. وأوضح مهيب رفاعي، صاحب محل ملابس، في درعا لـ”963+” أن “حركة البيع تراجعت بشكل غير مسبوق. في الأعوام الماضية، كنا نشهد ازدحاماً قبل العيد، لكن هذا العام المحال فارغة. الناس تسأل عن الأسعار ثم تغادر دون شراء”.
وارتفعت أسعار الألبسة بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي؛ حيث كانت تكلفة لباس الطفلة تتراوح بين 300 و350 ألف ليرة سورية (22 دولاراً)، بينما تتراوح الآن بين 400 و460 ألف ليرة سورية (46 دولاراً)، بحسب رفاعي.
وأضاف أن “بعض الأهالي باتوا يشترون الملابس المستعملة أو يعيدون استخدام ملابس الأعوام السابقة، في ظل عدم قدرتهم على شراء الجديد”.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار، وشح العملة المحلية، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سقوط النظام، وركود الأسواق، يواجه أهالي درعا واقعاً اقتصادياً قاسياً. وبينما ينتظر المواطنون بوادر انفراج، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع المأساوي؟