حضر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الاثنين الماضي، مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي سنوياً منذ عام 2017، بمشاركة وزراء من الدول الأوروبية والعربية وممثلي المنظمات الدولية. وجاءت هذه المشاركة في ظل تحركات ديبلوماسية أوروبية لدعم العملية الانتقالية في سوريا، رغم التوترات الأمنية الأخيرة في الساحل السوري، والتي حُمِّلت مسؤوليتها لبقايا النظام السابق.
وأثار حضور الشيباني جدلاً واسعاً بين السوريين، إذ تعد هذه المشاركة الأولى لدمشق في المؤتمر منذ انطلاقه قبل ثماني سنوات. وتزامنت مع تحديات اقتصادية ومعيشية حادة يواجهها السوريون، في ظل تراجع قيمة التعهدات المالية المقدمة من الدول المانحة مقارنة بالعام الماضي.
وأسفر المؤتمر عن جمع تعهدات بقيمة 5.8 مليارات يورو (6.3 مليارات دولار) على شكل منح وقروض منخفضة الفائدة، وهو مبلغ أقل من تعهدات العام الماضي التي بلغت 7.5 مليارات يورو (8.1 مليارات دولار).
أسباب تراجع التعهدات المالية
أرجع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، انخفاض الدعم المالي إلى عوامل متعددة، أبرزها التصعيد الأمني في الساحل السوري، إضافة إلى تأثير الأزمات الدولية المتزايدة وتقليص الولايات المتحدة لمساعداتها.
وفيما كانت الحكومة السورية مترددة في قرار المشاركة بالمؤتمر، أعلنت، السبت الماضي، أن موقفها لم يكن محسومًا بالكامل، مؤكدة أنها ترفض المشاركة في أي منتدى “يروّج لأجندات خارجية على حساب السيادة السورية والمصالح الوطنية”. وأوضحت وزارة الخارجية في بيان لها أن دمشق لن تحضر مؤتمر بروكسل “إذا كان مسيَّساً بطريقة تخدم روايات محددة”، مشددة على أهمية التعاون الدولي القائم على احترام السيادة السورية ومراعاة احتياجات الشعب السوري.
اقرأ أيضاً: التنافس الإقليمي في سوريا وأزمة الساحل السوري؟
التحديات الاقتصادية وتأثير العقوبات
يرى الكاتب والباحث السياسي، حسام طالب، المقيم في دمشق، أن “الاتحاد الأوروبي لم يقدّم تسهيلات اقتصادية حقيقية لسوريا”، مشيراً إلى أن رفع العقوبات ظلّ مجرد وعود غير منفذة، فيما بقيت الأموال السورية المجمدة في عهد النظام السابق دون تحويل إلى البنك المركزي.
وأكد طالب في تصريحات لموقع “963+” أن الحكومة السورية الجديدة كانت تأمل الحصول على إجراءات ملموسة تتناسب مع التعهدات الأوروبية، لكنها وجدت نفسها أمام استمرار للضغوط الاقتصادية.
واستبعد طالب أن يؤدي التصعيد الأمني في الساحل السوري إلى تراجع الدعم الأوروبي للإدارة السورية الجديدة، حيث إن التجاوزات التي وقعت هناك لقيت إدانة واسعة، كما شكّلت الحكومة السورية لجنة للتحقيق في تلك الانتهاكات، مع استمرار الشرطة العسكرية في ملاحقة المسؤولين عنها. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يعتمد سياسة الضغط على دمشق لدفعها إلى تقديم تنازلات، لكنه لم يُظهر تغييراً جوهرياً في موقفه، سواء سلباً أو إيجاباً.
اقرأ أيضاً: سوريا إلى بر الأمان.. اتفاق عبدي والشرع والمرحلة القادمة
أهمية مشاركة سوريا
رأى طالب أن مشاركة سوريا في المؤتمر تحمل أهمية كبيرة، إذ تتيح للإدارة الجديدة عرض رؤيتها الاقتصادية والأمنية، إلى جانب توضيح سبل إنفاق المساعدات وضمان حماية الأقليات. وعلى الرغم من التردد الرسمي في الحضور، إلا أن المؤتمر يُعد محطة ضرورية على المستويين الحكومي والشعبي لتعزيز اندماج دمشق في المجتمع الدولي، لا سيما مع الغرب.
من جهته، اعتبر الأكاديمي والباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، رامي العلي، أن التصعيد الأمني في الساحل السوري أثّر على صورة الإدارة الجديدة، وأثار مخاوف بعض الدول الأوروبية من احتمال انفلات الأوضاع، لكن الاتحاد الأوروبي اتخذ موقفاً متوازناً، إذ حمّل بقايا النظام السابق مسؤولية الأحداث.
وأكد العلي لـ”963+” أن الاتحاد الأوروبي حافظ على مسار الانخراط الديبلوماسي مع دمشق رغم الضغوط، مشيراً إلى وجود انقسام داخل أوروبا بين داعمين لرفع العقوبات ومعارضين لذلك، لكنه رأى أن الموقف الأوروبي لا يزال أكثر مرونة مقارنة بالموقف الأميركي.
وأضاف العلي أن مؤتمر بروكسل يمثل فرصة لتعزيز الاعتراف الدولي بالإدارة السورية الجديدة، كما يتيح إمكانية جذب الاستثمارات الأوروبية في حال رفع العقوبات الأميركية. وفي الوقت ذاته، أشار إلى أن الدول الغربية تطالب بخطوات ملموسة على صعيد الإصلاح السياسي والمرحلة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل حكومة شاملة تضم مختلف مكونات الشعب السوري.
مستقبل الدعم الأوروبي لسوريا
أثّرت الأحداث الأخيرة في الساحل السوري على أجواء المؤتمر، حيث حاولت بعض الدول الأوروبية الفصل بين هذه التطورات وموقفها العام من الإدارة السورية الجديدة. ورحبت هذه الدول بقرار الحكومة السورية تشكيل لجنة تحقيق في التجاوزات، معتبرة أن ذلك يعكس نية حقيقية لمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن سوريا تمر بمرحلة حساسة مليئة بالتحديات والاحتياجات الملحّة، مشيرة إلى أن العنف الأخير في المناطق الساحلية يعكس حجم التحديات. لكنها أكدت في الوقت ذاته أن هناك بارقة أمل في الأفق، مستشهدة بالاتفاق الذي أُبرم في 10 آذار/مارس الجاري لدمج قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في مؤسسات الدولة الجديدة.
كما دعت كالاس إلى اتخاذ خطوات جدية نحو رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، مشددة على ضرورة تقديم دعم إضافي بالتعاون مع الشركاء الإقليميين. وأكدت أن مؤتمر العام الماضي شهد تعهدات بقيمة 7.5 مليارات يورو، مع تخصيص الاتحاد الأوروبي 2.12 مليار يورو للعامين 2024 و2025، في حين لا يزال نحو 16.5 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 12.9 مليون يحتاجون إلى دعم غذائي.
المطالب السورية لرفع العقوبات
من جانبه، شدّد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على أن بلاده بحاجة إلى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية ليست مسؤولة عن الأسباب التي أدّت إلى فرضها، بل كانت ضحية لها. وأكد أن سوريا بحاجة إلى خطة شاملة لإعادة الإعمار وليس مجرد مساعدات إنسانية، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تقدر تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 250 مليار دولار.
وأضاف الشيباني أن العقوبات تعرقل جهود النهوض الاقتصادي، إذ تمنع وصول المعدات الطبية وقطع الغيار اللازمة للمستشفيات والبنية التحتية. وفي ظل هذه التطورات، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على ضرورة مراقبة إجراءات الحكومة السورية الجديدة قبل اتخاذ أي قرارات بخصوص زيادة الدعم أو رفع العقوبات.