بيروت
تزداد معاناة اللاجئين السوريين حدةً في لبنان، إذ يجدون أنفسهم بلا خيارات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأحوالهم الصحية. فبحسب تقرير آخير أصدرته منظمة “أطباء بلا حدود”، يواجه عشرات آلاف اللاجئين في الهرمل والقاع وعرسال في لبنان واقعاً صارخاً، “حيث تنتشر في تلك البيئة القاحلة المخيمات المؤقتة المصنوعة من القماش المشمع والخِرق، وتوفر الملاجئ الهشة القليل من الحماية ضد العناصر القاسية وحماية شبه معدومة من الموجات المتزايدة للمشاعر المعادية للاجئين في لبنان”.
ويضيف التقرير أن اللاجئين محاصرون في مساحات غير ملائمة، ويواجهون يومياً الخوف من نقاط التفتيش الأمنية والتوترات المحلية، ويخشون تضاؤل قدرتهم على الوصول إلى الرعاية المنقذة للحياة.
بين الأمن والصحة
فمنذ نيسان/أبريل الماضي، كثّف الأمن اللبناني المداهمات والإجراءات الأمنية لمعالجة قضية الأفراد غير المسجلين، “ونتيجة لذلك، يواجه المرضى السوريون الذين يبحثون عن الرعاية الصحية في عيادات ’أطباء بلا حدود‘ في محافظة بعلبك – الهرمل عوائق متزايدة، بسبب المخاوف والقيود المفروضة على حركتهم”، كما يقول التقرير، مضيفاً: “بالنسبة إلى الكثير من اللاجئين في المحافظة، أصبح قرار طلب المساعدة الطبية الآن محفوفاً بالخوف”، بسبب الاضطرار لعبور نقطة تفتيش أمنية للوصول إلى عيادة “أطباء بلا حدود” في الهرمل. وهذا يدفعهم إلى اتخاذ القرار بعدم المخاطرة، وبالتالي الاستسلام للمرض.
ففي خلال الحملات الأمنية، يُقبَض على سوريين من حاملي المستندات منتهية الصلاحية ويُرحَّلون قسراً إلى سوريا، من دون أن تتاح لهم فرصة الاتصال بأسرهم في لبنان.
وبحسب التقرير نفسه، تتواجد “أطباء بلا حدود” في محافظة بعلبك – الهرمل في شمال شرق لبنان منذ عام 2010. وتقدم منذ أكثر من عقد من الزمن خدمات طبية مجانية عالية الجودة، بما فيها طب الأطفال والرعاية الصحية الجنسية والإنجابية وعلاج الأمراض غير المعدية، والتطعيمات ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها، ودعم الصحة النفسية للاجئين والمجتمع المحلي على حد سواء. وتدير فرق “أطباء بلا حدود” حالياً عيادة في عرسال وأخرى في الهرمل، فضلاً عن دعم الوصول إلى الرعاية الصحية المتخصصة من خلال المستشفيات الشريكة.
لكن بالرغم من أنّ هذه المساعدات تمثل بارقة أمل وسط بحر من المعاناة، فإنّ تغيّب المرضى عن المواعيد الطبية آخذ في الارتفاع مع تشديد الخوف قبضته على مجتمع اللاجئين، ومع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية.
ضائقة نفسية شديدة
تقول أماني المشاقبة، مديرة أنشطة الصحة النفسية في “أطباء بلا حدود” في بعلبك – الهرمل: “بعد عدّة سنوات من النزوح، ظهرت أعراض نفسية أخرى على بعض اللاجئين السوريين. توجد ضائقة نفسية شديدة لدى اللاجئين بسبب أحداث الأزمات المتكررة. وأبلغ مرضانا البالغين والأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية على حد سواء عن تغيرات في السلوك تتعلق بالتعرض للأحداث الصادمة. إنّ الناس يشعرون بالتعب وعدم الأمان والاكتئاب والإحباط”.
وأدت الحرب السورية التي انطلقت شرارتها في عام 2011 إلى دمار وعنف واسع النطاق، ونزوح ملايين الأشخاص إلى الدول المجاورة. وأدى عدم الاستقرار الدائم إلى جعل سوريا مكاناً غير آمن بالنسبة للكثيرين، ممّا صعّب عليهم العودة إلى وطنهم.
ويواجه اللاجئون السوريون الذين يبحثون عن الرعاية الصحية في شمال لبنان عقبات متزايدة بسبب المخاوف والقيود المفروضة على حركتهم. وفي هذا الصدد، لا ينبغي على المرضى الاختيار بين سلامتهم وطلب المساعدة الطبية.