خاص – الحسناء عدره/دمشق
“استعدت بصري بعدما خضعت لعملية جراحية، لإزالة المياه الزرقاء التي تسببت لي برؤية ضبابية. فأنا سائق سيارة أجرة، وبصري رأس مالي”. هكذا يقول منير (65 عاماً) لـ”963+”، مضيفاً: “أعتاش من راتبي التقاعدي ومن عملي سائق سيارة أجرة، وكلفتني الجراحة 3 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل عملي شهراً كاملاً”، ولولا “صندوق العافية الخيري” بدمشق، المعني بتقديم المساعدات الطبية، لكان منير بعدُ يتلمس طريقه.
4 في المئة
في عام 2017، قال البنك الدولي إن نصف سكان العالم على الأقل لا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، وإن نحو 800 مليون شخص ينفقون ما لا يقل عن 10 في المئة من ميزانيات أسرهم على الصحة. وفي 24 حزيران/يونيو المنصرم، قال أشرف العربي، رئيس معهد التخطيط القومي في مصر، إن تجاوز عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة يضغط بقوة على قطاع الرعاية الصحية، مضيفاً: “ثمة أكثر من مليار شخص في العالم ينفقون شخصياً على صحتهم”.
في سوريا، يقول غسان فندي، نقيب الأطباء في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، لصحيفة “الوطن” السورية إن نسبة الإنفاق الصحي في سوريا لا تتجاوز 4 في المئة من الدخل القومي، بقيمة تقل عن 100 دولار للفرد في السنة، “في حين يشكل الإنفاق الصحي في الدول الصناعية ما قيمته بين 8 إلى 14 بالمئة من الدخل القومي”، موضحاً أن الإنفاق في الولايات المتحدة للفرد ارتفع إلى 7221 دولاراً في العام الماضي بعدما كان 3500 دولار في عام 1990، وفي فرنسا كان في 1990 نحو 2045 واليوم يتجاوز 5 آلاف دولار.
للإنفاق الصحي في سوريا 3 مصادر: الخزانة العامة، وصاحب العمل أو مقدم الخدمة، والمستفيدين من الخدمة، بحسب فندي. بالتالي، المواطن السوري هو من يقع على عاتقه تأمين الإنفاق على استشفائه، ما يزيد الأعباء على كاهله. ومن هنا، برزت الحاجة الماسة إلى جمعيات الخيرية في سوريا، بعد اندلاع الحرب، تكون رديفاً مؤازراً للقطاع الصحي الحكومي، لا سيما بعدما تضررت البنية التحتية للقطاع الطبي، وتردّى الوضع الاقتصادي، ما أبقى العديد من السوريين عاجزين عن دفع نفقاتهم الصحية.
حالات وجمعيات
راما (27 عاماً) لم تكن مريضة، لكنها كانت حاملاً تحتاج إلى عملية قيصرية. تقول لـ”963+”: “أتاني المخاض بعد 3 أشهر من خسارة زوجي عمله، وأخبرونا أن الجراحة القيصرية في مستشفيات توليد جيدة تتراوح بين 800 ألف (53 دولار) و6 ملايين ليرة سورية (400 دولار)، فيما تتراوح تكلفة الولادة الطبيعية بين 400 ألف (27 دولار) ومليوني ليرة سورية (133 دولار)”. فمن أين؟ تجيب راما: “لجأنا إلى جمعية ’العرين‘ الخيرية، فتكفلت بالجراحة التي كلفت نحو 4 ملايين ليرة (266 دولار)، بعدما تأكدوا من وضعنا الاقتصادي”.
وإلى جمعية “العرين” الخيرية نفسها، لجأت مها (35 عاماً) سعياً وراء حليب لطفلها الرضيع. تقول لـ”963+”: “جف الحليب الطبيعي في صدري عقب الولادة، وطفلي يحتاج إلى علبة حليب كل يومين، يصل سعرها إلى 100 ألف ليرة سورية (6 دولار)، أي نحتاج شهرياً ما يعادل مليون ونصف ليرة سورية (100 دولار)، لوجبة حليب فقط”.
دعم من الحراك المدني
راجت الجمعيات الخيرية في سوريا عند اندلاع الحرب، وتحولت من لاعب داعم للحكومة إلى لاعب إغاثي ومنقذ للكثير من المعوزين. وظهرت مبادرات فردية، رغبت في تأسيس كيان مرخص، قادر على تلبية احتياجات الناس الطبية، خصوصاً بعد ارتفاع مؤشر الإصابات والجرحى بسبب الحرب.
من هذه الجمعيات جمعية “خالد” الخيرية، التي شرّعت أبوابها لأبناء منطقة السلمية بريف حماة. تقول ليديا قاسم، والدة مؤسس الجمعية الراحل، لـ”+963″ :”أسسها الإعلامي خالد الخطيب الذي قتل في إحدى التغطيات الإعلامية مع مجموعة من شباب مدينة السلمية في عام 2016، وقد ركزت على تقديم المساعدات العينية والطبية للأسر التي عانت الويلات من ترهيب تنظيم ’داعش‘، المصنف إرهابياً لدى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية وآسيوية أخرى، في مناطق بريف المدينة، كما عالجت عدداً كبيراً من الجرحى والمصابين برصاص داعش”.
وبحسب قاسم “لا بد للحراك المجتمعي من الوقوف إلى جانب الأفراد المتضررة التي انبثقت عنها الجمعيات الخيرية، والتي تمكنت من إيصال المساعدات بكافة أنواعها لمستحقيها، لا سيما الشريحة التي تعرضت لعاهات مستديمة نتيجة إصابات الحرب”.
ثقافة التعاضد
إن كانت هذه الجمعيات موجودة، فكيف السبيل إليها؟ هذا إبراهيم، سقط وهو يجمع الزيتون، فتأذت ركبته اليمنى، وكان الحل تركيب مفصل صناعي، “وهذا كلفته 25 مليون ليرة (1666 دولار)، وأنا ما كنت أملك المبلغ كله”. في أثناء تصفحه وسائل التواصل الاجتماعي، قادته الصدفة إلى إحدى الجمعيات الخيرية التي تغطي نصف تكاليف الجراحة. يقول لـ”963+”: “كان إعلاناً من ’مشروع أحمد الإنساني‘، يعلن فيه بكل لطف تقديم دعم بين 30 و60 في المئة من تكلفة الجراحة لكل شخص لا يملك كامل المبلغ المطلوب”. وهذا ما حصل.
لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي دوراً في جمع المحتاج بالمانح، “فهي منصات مركزية لإطلاق الأنشطة التطوعية والأعمال الخيرية ونشر الإيجابية وثقافة التعاضد الجماعي”.
ونشطت هذه المبادرات في السنوات الأخيرة من الحرب التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الأوضاع الاقتصادية وصعوبة في تأمين احتياجاتهم الطبية، كما تقول العشرينية سارة عمران لـ”963+”، وهي التي أخذت على عاتقها مهمة مساعدة المحتاجين، وطلب المساعدة لهم عبر “فيسبوك”، من خلال توصيف حالتهم المادية والطبية.
تضيف: “استثمرت وجود أعداد كبيرة من المتابعين على صفحتي لتقديم يد العون للمحتاجين ومساعدتهم في تسديد نفقات عمليات جراحية تصل إلى الملايين”، مؤكدةً أهمية التواصل الاجتماعي في العمل الخيري، “خصوصاً عندما تتوفر الصدقية والأمانة في إيصال الأموال إلى مستحقيها”.
وتختم عمران: “لدي قاعدة جماهيرية كبيرة تمكنني من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتبرعين، هناك الكثير من الحالات التي تم علاجها، لا سيما في خلال رمضان المبارك وموسم الأعياد”.