رغم التغير الجذري الذي شهدته الساحة السورية بسقوط نظام بشار الاسد وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تمديد حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا، في خطوة تعكس استمرار النظرة الأميركية إلى دمشق كملف أمني واستراتيجي مفتوح، بغض النظر عن تبدل مراكز السلطة فيها.
ويعود القرار الأميركي الأصلي إلى عهد الرئيس جورج بوش الابن، الذي أعلن في 11 مايو 2004 فرض حالة الطوارئ الوطنية بحق سوريا بموجب الأمر التنفيذي رقم 13338، بسبب ما وصف آنذاك بدعم دمشق للإرهاب وزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، ومنذ ذلك التاريخ ظل القرار يجدد سنوياً من قبل الإدارات المتعاقبة ديمقراطية كانت أم جمهورية، مع توسيع العقوبات وإدراج كيانات وأشخاص جدد.
أما آخر تمديد فصدر في أيار / مايو 2025 من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي برر الخطوة باستمرار ما وصفه بالتهديدات الاستثنائية التي تمثلها سياسيات الحكومة الانتقالية الجديدة مشيراً إلى ضعف الحكم، وانتشار الجماعات الإرهابية وعدم ضبط استخدام الأسلحة الكيميائية، وأكد أن الظروف الحالية تستدعي الإبقاء على حالة الطوارئ ريثما تراجع وواشنطن سياسات الحكومة الانتقالية في سوريا لتقييم إمكانية إنهائها لاحقاً.
ويثير قرار التمديد، في ظل وجود الإدارة السورية الانتقالية، تساؤلات حول مدى قناعة واشنطن بجدية التحول السياسي في سوريا، وما إذا كان التغيير الحاصل كافياً لتعديل تقييمها للوضع الأمني والسياسي في البلاد.
ورغم أن النظام السابق سقط إلا أن واشنطن ما زالت ترى في المشهد السوري الحالي حتى بعد تشكيل حكومة انتقالية جديدة بيئة غير مستقرة وهشة، تتسم بضعف السيطرة المركزية، واستمرار تهديد الجماعات المتطرفة وتضارب النفوذ الإقليمي والدولي.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني رفع العقوبات الأميركية عن سوريا؟ – 963+
“فرصة مشروطة”
يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن عصام خوري، أن الادارة الأميركية وجهت عبر هذا التمديد رسالة واضحة مفادها أن الحكومة السورية لم ترقَ بعد إلى مستوى الثقة المطلوبة، ويقول لـ”963+”، إن “تمديد الأمر التنفيذي 13338 في 9 مايو 2025 من قبل دونالد ترامب يدل على أن الإدارة الاميركية غير راضية عن أداء الحكومة الانتقالية الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان”.
ويضيف خوري، أن التمديد لعام واحد فقط يُظهر أن واشنطن تتعامل مع المرحلة الراهنة كـ “فترة اختبار”، لمدى التزام حكومة الشرع بالمطالب الأميركية الثمانية، والتي قد تتوسع لاحقاً في حال تأخر التنفيذ، كما من الممكن أن تفهم هذه المهلة الزمنية كـ “فرصة مشروطة” لحكومة الشرع لاعتماد نهج سياسي مختلف يعزز المشاركة السياسية، ويستجيب للمطالب الأميركية وعلى رأسها ضبط الجماعات المسلحة غير المنضبطة والمقاتلين الأجانب.
وكانت وكالة “رويترز” قد ذكرت الاثنين الماضي أن وزارة الخزانة الأمريكية قد رفعت عدد مطالبها من الحكومة السورية الانتقالية إلى أكثر من اثني عشر مطلباً.
ويتابع خوري بالقول إن التمديد يعكس أيضاً محدودية تأثير جماعات الضغط السورية – الاميركية” التي تحاول تصوير نفسها كفاعلة أمام دمشق بينما يبدو أن لدى واشنطن أدوات رصد دقيقة تتابع كل صغيرة وكبيرة على الارض”.
ويضيف أن “المجموعة السياسية العاملة في قصر الشعب مُطالبة بالانتقال من مرحلة الوعود الورقية إلى التطبيق الفعلي للتعهدات الدولية”.
ومن زاوية عملية، يوضح خوري أن التمديد يشمل ملفات متعددة، بعضها لم يعد فعالاً كونه يطال مسؤولين سابقين في عهد الأسد، لكن الأهم هو أن “القيود على حركة الطيران وتبادل السلع”، والتي تبقى عناصر مؤثرة على الاقتصاد السوري.
كما ينظر إلى أن التمديد يحمل معه بعد داخلي أميركي أيضاً، إذ يستخدم كدليل قانوني في قضايا اللجوء، لأنه ” يدلل على أن سوريا ما تزال بلداً غير آمن وتحت الرقابة والعقوبات”.
اقرأ أيضاً: بعد قرار ترامب رفعها.. ما هي العقوبات الأميركية على سوريا؟ – 963+
حل تدريجي
يقول الكاتب والباحث السياسي مصطفى النعيمي، إن تمديد حالة الطوارئ يأتي ضمن سياسة “خطوة مقابل خطوة “التي تعتمدها واشنطن، موضحاً أن “الحكومة السورية ربما بدأت بتحقيق الجزء الأكبر من المطالب الأميركية، لكن لا تزال هناك ملفات تنتظر الحسم، خاصة قضية المقاتلين الأجانب”.
ويعتبر النعيمي في تصريحات لـ”963+”، أن الولايات المتحدة تستخدم التمديد كأداة “ابتزاز سياسي لتحقيق مكاسب”، لافتاً إلى أن “هناك خطة أميركية واضحة للانسحاب من سوريا، لكنها مشروطة بضمانات، من أبرزها الحفاظ على النسيج الوطني السوري”.
ويحمّل النعيمي استمرار العقوبات جزئياً إلى “الإرث الثقيل الذي تركه النظام السابق”، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية “تبذل أقصى جهدها لإعادة بناء الدولة، رغم الضغوط الإقليمية واستخدام بعض القوى الخارجية للورقة الطائفية والعرقية”.
ويضيف، “العودة التدريجية للاجئين بدأت بالفعل، وهناك أرقام تشير إلى عودة أكثر من 600 ألف، والرقم مرشح لتجاوز المليون مطلع العام المقبل”، رغم أن “العقوبات تجعل عودتهم أكثر قسوة، خاصة مع دمار مناطقهم الأصلية”.
ودعا النعيمي إلى “فتح خطوط تواصل مباشرة بين القيادتين السورية والأميركية”، ويكشف عن “مؤشرات أولية” لزيارة محتملة لرئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى السعودية، قد تشهد لقاءً مع ترامب.
ويختتم بالقول إن الاستقرار في سوريا “لم يعد شأناً محلياً أو إقليمياً، بل مصلحة دولية ترتبط بخطط نقل الغاز الخليجي إلى أوروبا، في مواجهة الخطوط الروسية”، معتبراً أن “الظروف التي فرضت العقوبات لم تعد موجودة، والوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة الرفع التدريجي لها”.