توصلت وزارة الدفاع اللبنانية ونظيرتها السورية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين، بعد تصاعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المنطقة الحدودية منذ ليل الأحد وحتى مساء الاثنين. وأكد بيان صادر عن وزارة الدفاع اللبنانية أن وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى أجرى اتصالاً بنظيره السوري مرهف أبو قصرة، بحثا خلاله التطورات الميدانية على الحدود اللبنانية – السورية، حيث تم الاتفاق على “وقف إطلاق النار بين الجانبين واستمرار التواصل بين مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والمخابرات السورية للحؤول دون تدهور الأوضاع، تجنبًا لسقوط ضحايا مدنيين أبرياء”.
كما أعلن المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع السورية عن الاتفاق مع الجانب اللبناني، موضحاً أنه “ينص على وقف إطلاق النار على الحدود وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجانبين”.
وفي محاولة لاحتواء الموقف، كانت قد التقى وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي نظيره السوري أسعد الشيباني في بروكسل، حيث بحثا التطورات الحاصلة على الحدود بين البلدين. وأكد بيان صادر عن الخارجية اللبنانية أن اللقاء جاء بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، وتم الاتفاق على “متابعة الاتصالات بما يضمن سيادة الدولتين ويحول دون تدهور الأوضاع”.
اقرأ أيضاً: الجيش اللبناني يؤكد التنسيق مع الجانب السوري لضبط الحدود – 963+
قتلى وجرحى
كانت قد اندلعت الاشتباكات في محيط منطقة الهرمل (شمال شرق لبنان) عقب مقتل ثلاثة أشخاص، قالت وزارة الدفاع السورية إنهم “جنود من الجيش السوري”، متهمة “حزب الله” بتصفيتهم، وهو ما نفاه الحزب بشكل قاطع. وأسفرت هذه المواجهات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وسط تقارير إعلامية تؤكد تعرض قرى وبلدات لبنانية للقصف من داخل الأراضي السورية. ورد الجيش اللبناني على مصادر النيران باستخدام الأسلحة المناسبة، كما عزز انتشاره في المنطقة لضبط الأمن.
وفي هذا السياق، قال الرئيس اللبناني جوزيف عون: “ما يحصل على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لا يمكن أن يستمر ولن نقبل باستمراره”، مضيفًا أنه أعطى توجيهاته للجيش اللبناني “بالرد على مصادر النيران”.
وعلى المستوى الإقليمي، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن إسرائيل هي “المستفيد الوحيد من الاشتباكات على الحدود السورية اللبنانية”، متهماً تل أبيب بالسعي إلى “تقسيم سوريا وإضعاف دول المنطقة”. وشدد بقائي على ضرورة تعامل السلطات السورية بحذر مع هذه التطورات، محذراً من أن إسرائيل “تسعى لاستغلال كل فرصة لزرع الفتنة والفرقة بين الدول الإسلامية”.
اقرأ أيضاً: عون يوجه وزير خارجيته بالتواصل مع سوريا لبحث الاشتباكات على الحدود – 963+
أبعاد التصعيد الحدودي
يرى مراقبون أن الاشتباكات على الحدود اللبنانية – السورية تعكس أبعاداً سياسية وعسكرية معقدة. ففي تحليل من دمشق، أكد الكاتب الصحفي عبد الحميد توفيق، في تصريحات لـ”963+” أن هذه الأحداث تكشف عن “وجود خلايا نائمة داخل لبنان تسعى إلى تأجيج التوتر”، مشيراً إلى أن “حزب الله” يواجه تحديات متزايدة في المنطقة بعد التغيرات الأخيرة في سوريا.
واعتبر توفيق أن “هناك جهات داخلية لبنانية، وتحديداً من بنية حزب الله، لها مصلحة في التصعيد”، مضيفاً أن سوريا “تسعى إلى إنهاء هذه الثغرة الأمنية دون الرجوع إلى الدولة اللبنانية، بينما يحاول الجانب اللبناني الرسمي التأكيد على سيادته”.
من جهته، حذر الخبير في العلاقات الدولية الدكتور محمد اليمني، من أن “الاشتباكات الأخيرة تمثل تطوراً خطيراً”، مشيراً إلى أنها قد تأخذ منحى تصعيدياً أوسع إذا لم يتم احتواؤها سريعاً.
وأضاف اليمني في حديث لـ”963+” أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى “إضعاف لبنان عبر استغلال حالة عدم الاستقرار”، معتبراً أن الأحداث الأخيرة “جزء من محاولات مستمرة لإضعاف حزب الله في المنطقة”.
اقرأ أيضاً: اشتباكات عنيفة بين إدارة العمليات العسكرية و”حزب الله” اللبناني – 963+
البعد السياسي اللبناني والسوري
على الجانب اللبناني، رأى المحلل السياسي سعد كيوان أن هذه الاشتباكات “تعكس محاولة حزب الله للحفاظ على موقعه ونفوذه داخل سوريا وعلى الحدود اللبنانية – السورية”، مضيفاً لـ”963+” أن الحزب يسعى إلى “منع السلطة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، من فرض سيطرتها الكاملة على الأراضي السورية، خصوصاً فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع لبنان”.
وأكد كيوان أن التغيير الذي شهدته سوريا بسقوط النظام البعثي “أغلق كل الطرق التي كانت تؤمّن لحزب الله حركة السلاح والمقاتلين وعمليات التهريب”، وهو ما أدى إلى وقوع الاشتباكات الحالية.
أما على الجانب السوري، فإن وزارة الدفاع السورية أكدت أن تحركاتها على الحدود تهدف إلى “طرد حزب الله من القرى والمناطق السورية التي يستخدمها كأماكن مؤقتة لعمليات التهريب والتجارة”. ويشير مراقبون إلى أن دمشق تحاول فرض سيادتها على المناطق الحدودية التي كانت سابقاً تحت سيطرة غير مباشرة من “حزب الله”، في سياق إعادة ترتيب المشهد الأمني داخل سوريا.
ومع استمرار وقف إطلاق النار بين الجانبين اللبناني والسوري، يظل الوضع الحدودي هشاً، حيث تتداخل الأبعاد الأمنية والسياسية والإقليمية في تعقيد المشهد. وبينما يسعى لبنان إلى ضبط الأمن الداخلي ومنع التصعيد، تعمل سوريا على تعزيز سيادتها على المناطق الحدودية. وفي ظل الضغوط الدولية والإقليمية، تبقى احتمالات التصعيد قائمة، خصوصاً في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية وتوتر العلاقة بين “حزب الله” والسلطة الجديدة في سوريا.