حافظت الحدود بين سوريا وإسرائيل على استقرارها طوال حكم نظام الأسد، حيث التزم الأخير اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، ولم يشكل تهديداً لإسرائيل. بعد سقوطه، وجدت إسرائيل نفسها أمام مشهد أمني جديد، ما دفعها إلى تكثيف تدخلها العسكري من خلال ضربات جوية وتوغلات برية، وسط مخاوف من تغير موازين القوى على حدودها.
يؤكد الخبير العسكري العقيد أكرم أبو ميجنا أن سقوط النظام المخلوع لم يؤدِ إلى فراغ أمني، “بل كشف أن النظام السابق نفسه كان يستخدم الفوضى أداةً لضرب المجتمعات المحلية بعضها ببعض، فالأسد تعمد إضعاف المناطق الخارجة عن سيطرته، مستخدماً سياسة ’فرق تسد‘”.
ويضيف أبو ميجنا لصحيفة “963+”: “قد تكون المخاوف الإسرائيلية مبررة، فالنظام السابق كان يحمي حدود إسرائيل لعقود، ولم تُطلق رصاصة واحدة عليها بعد عام 1973، فيما لم تهدد الفصائل المسلحة المحلية إسرائيل وما يُشاع هو بروباغندا إعلامية”، مشيراً إلى استثمار إيران بقوة في دعم نظام الأسد، لكنها فشلت بسبب مقاومة الشعب السوري. وبحسبه، تحاول طهران استعطاف القيادة الجديدة لإعادة علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، لكنه استبعد نجاحها بسبب رفض السوريين أي نفوذ إيراني.
من جانبه، يقول الخبير الأمني عصمت العبسي إن إسرائيل استغلت سقوط النظام ونفذت عمليات توغل واسعة في القنيطرة وريف درعا الغربي، حيث دمرت جميع مواقع النظام العسكرية لمنع استخدامها من قبل الميليشيات الإيرانية.
ويضيف لصحيفة “963+” أن إسرائيل تبنت سياسة الضربات الاستباقية لمنع أي تموضع إيراني دائم قرب الجولان، وأن تل أبيب تسعى إلى فرض منطقة عازلة غير معلنة شرق الجولان بحجة حماية أمنها، لكنها في الواقع تحاول استغلال الفراغ الأمني لتوسيع نفوذها، بينما يرفض سكان الجنوب السوري أي وجود إسرائيلي مباشر، متوقعاً أن تبقى سوريا خلال الفترة المقبلة نقطة توتر إقليمي مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على جنوب البلاد.
ويرى الكاتب الصحفي السوري مصطفى النعيمي أن إسرائيل تحاول استغلال سقوط النظام المخلوع في سوريا لإعادة تشكيل المشهد الأمني لصالحها. ويوضح أن النظام السابق لم يكن حليفاً استراتيجياً “لكنه التزم قواعد اللعبة الإقليمية، ما جعل إسرائيل تشعر بالقلق بعد غيابه”، متابعاً لصحيفة “963+”” “كانت الحدود السورية – الإسرائيلية مؤمنة تماماً في عهد الأسدين، بشار ووالده حافظ، ولم تتعرض إسرائيل لأي تهديد أمني، لكن سقوط النظام دفع الأخيرة إلى الشعور بالخطر لأول مرة منذ عقود، كما جعل التوسع الإيراني في سوريا إسرائيل تكثف ضرباتها الجوية.
ويختم النعيمي بالقول إن تل أبيب تراهن على استمرار عدم الاستقرار لضمان حرية تحركها عسكرياً، “لكنه شدد في الوقت نفسه على أن مستقبل سوريا مرهون بقدرتها على بناء دولة قوية ذات سيادة، بعيداً عن النفوذين الإيراني والإسرائيلي”.