خاص – شفان إبراهيم/القامشلي
حين نشرت الخزانة الأميركية، من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، في 6 حزيران/يونيو المنصرم، قائمة جديدة بالمناطق في شمال شرقي وشمال غربي سوريا التي يُسمح فيها بالأنشطة بموجب ترخيص عام جديد ضمن لوائح العقوبات الخاصة بسوريا، ظنّه الناس قراراً جديداً، “لكنه في الحقيقة قرار قديم، صادر منذ سنتين، وتم تجديده أخيراً”، كما يقول رضوان الدبس، الخبير الاقتصادي المقيم في إسطنبول، لـ”963+”.
فقد أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تعديلاً للاستثناء رقم 22، الصادر بعد زلزال 6 شباط/فبراير 2023، بخصوص لوائح العقوبات السورية (31 CFR) الجزء 542، تضمن إضافة مناطق جديدة في عموم الشمال السوري، مستثناة من العقوبات الخاصة، ومعفاة من الحظر والفروض.
فماذا تريد أميركا من هذا القرار؟
بين التعافي والسياسة
يقول أيمن عبد النور، السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة، لـ”963+” إن الأمم المتحدة ومعها دول العالم “تسعى إلى تطوير مشاريع التعافي المكبر في سوريا، هذا القرار يصب في خانة تيسير هذا التعافي”، مضيفاً: “واضحٌ أن ثمة رغبة عالمية في هذا الأمر، لذلك تم توسيع نطاق الاستثناءات من العقوبات إلى شمال غربي وشمال شرقي سوريا، وحتى بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية”.
ومعروف أن مشاريع التعافي المبكر في سوريا تواجه معضلات عصية على الحل اليوم، في مقدمتها غياب الاستقرار، وفقدان الحوكمة الفعالة وضعف الاقتصادات المحلية في مناطق سورية تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية، علاوة على تسييسٍ يقلل من إمكانيات الوصول به إلى خواتيم سعيدة.
وقد عملت منظمات دولية في الأعوام السابقة على تنفيذ مشاريع “التعافي المبكر” في مناطق شمال شرقي سوريا، كما ركزت على دعم مشاريع مجتمعية تهدف إلى تقوية الاقتصاد المحلي، لكن هذه المشاريع لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً مما يجب تقديمه في تلك المناطق على وجه الخصوص، إذ تتطلب جهود التعافي وإعادة الاستقرار عبر القنوات المحلية والتحالف الدولي تنسيقاً كبيراً، شريطة عدم تدخل الأطراف السياسية بالعمل الإغاثي والإنساني.
وبحسب عبد النور، تسعى الأمم المتحدة إلى إقامة المشاريع في المناطق المشمولة حديثاً بالاستثناءات من العقوبات الأميركية على سوريا، وهو يدعو أطياف المعارضة السورية إلى أن “تحسن العمل في مناطقها، وأن تمتلك خبرة إدارية كبيرة، لتتمكن من الاستفادة من القرار الأميركي، وإلا فإن الزمن سيتجاوزها”.
إلا أن وليد جولي، الباحث في مركز الفرات للدراسات في القامشلي، ذهب في اتجاه آخر. يقول لـ”963+”: “المسألة تتعلق في الدرجة الأولى بالمعابر التي أغلقت منذ أعوام، فالمنطقة محاصرة، ما خلا تحركات غير نظامية مع كردستان العراق والعراق وتركيا”.
ومعروف أن مسألة معابر سوريا تُفجر صراعات متكررة على النفوذ بين الفصائل المختلفة. فهذه المعابر أدوات اقتصادية مهمة، تدر مالاً وفيراً على الفصائل التي تسيطر عليها، بحسب تقارير صحفية.
ويضيف جولي: “الأمر لا يتعلق بالموقف الأميركي وحده، بل بموقفي روسيا والصين أيضاً، فإنهما يستخدمان الفيتو ضد فتح المعابر في المنطقة ويمنعان استخدامها في أي عمل إنساني أو تجاري”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل في 9 تموز/ يوليو 2023 في تجديد آلية المساعدات الأممية إلى سوريا بسبب استخدام روسيا حق الفيتو، ليتوقف دخول المساعدات من معبر “باب الهوى” الحدوديّ مع تركيا، فيما استمر الاستثناء الخاص بدخول المساعدات عبر معبري “باب السلامة” و”الراعي” مع تركيا. واعتمدت الأمم المتحدة في عام 2014 آلية لتوزيع المساعدات التي تقدّمها جهات ومنظمات دولية للسوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية عبر معابر باب الهوى وباب السلامة مع تركيا، ونقطة الرمثا مع الأردن، ونقطة اليعربية مع العراق.
تداعيات إيجابية
يرى جولي أن قانون قيصر سُنّ للضغط على الحكومة السورية كي تغير سلوكها، وليس لإسقاطها، “لذلك يتغير القرار في أهدافه وآليات تنفيذه في سوريا بين الحين والآخر، فالقضية سياسية، ويمكن للتبادل التجاري بين مناطق النفوذ في سوريا أن يؤدي دوراً في التوصل إلى تسوية سياسية، وربما يكون لاستثناء هذه المناطق من قانون قيصر تداعيات إيجابية”.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وقع “قانون قيصر” لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، ليصبح قانوناً نافذاً في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019. ويحمل القانون اسم المصور السوري الذي شارك مع العالم آلاف الصور التي توثق أعمال التعذيب في سجون الحكومة السورية، “وهو يوفر للحكومة الأميركية سبيلاً قوياً لتعزيز المساءلة عن الأهوال التي ترتكبها الحكومة في سوريا”، وفق وزارة الخارجية الأميركية.
من جانبه، لا ينكر الدبس أن في الأمر “سياسة”، مضيفاً: “تتعامل الإدارة الأميركية مع تركيا و’الإدارة الذاتية‘ وفق سياسة الضغط والتهديد، وبإمكانها استثناء أي منطقة، فالموضوع كناية عن تقاطع مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية”.
وبحسبه، تمس القطاعات المشمولة بالاستثناء جوهر الحياة الاقتصادية، مثل الصحة والتعليم والزراعة، “وهذه من أساسيات التماسك الاجتماعي، خصوصاً الصحة والتعليم والزراعة، فهي أبرز سبل الأمن الغذائي والتمكين الاقتصادي في المناطق المشمولة بالاستثناءات، من استيراد الآليات والأسمدة، وتصدير القمح ومواد أخرى من مناطق سيطرة ’الإدارة الذاتية‘ إلى مناطق المعارضة”.
كذلك، تشمل الاستثناءات الجديدة الأنشطة التنموية غير التجارية، وحماية التراث والبيئة، وتوفير الرعاية الصحية وخدمات التدريب، وخدمات الزراعة، والحصول على المياه النظيفة.
ويختم في هذا الإطار قائلاً إن الاقتصاد والسياسية لا ينفصلان، والأمن واحد، اقتصادي ومجتمعي وأمني ومدني، “ووجود مشاكل اقتصادية يعني وجود فقر ومجاعة وتطرف وأعمال عسكرية. وفي المقابل، تحقيق الأمن الاقتصادي يعني ترسيخ الأمان والثقة والاستقرار ومكافحة الإرهاب”، كما يقول، لذا شملت الاستثناءات الجديدة المشاريع الإنسانية، مشاريع وبناء الديموقراطية، وبناء السلام، وحل النزاعات، ومنع الصراعات، في مسعى مباشر لترسيخ الأمن المجتمعي في المناطق السورية التي يشملها القرار الجديد.
رضى أميركي – تركي
ويذكّر الدبس بأن الاستثناءات الجديدة تشمل مناطق تحت سيطرة قوة تنال الرضى الأميركي، “ولذلك تم استبعاد إدلب و’حكومة الإنقاذ‘ ومناطق أخرى تقع تحت سيطرة الحكومة السورية، فمستحيل قبول الإدارة الأميركية منح تمويل اقتصادي في أي شكل من الأشكال لجهات خارجة عن الرضى الأميركي”… لكن تشمل الاستثناءات الجديدة قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات، وقانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، إضافة إلى بعض أحكام قانون الحد من التهديد الإيراني وحقوق الإنسان في سوريا لعام 2012.
وبحسب قرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، يشمل الاستثناء محافظة الحسكة ومناطقها كالمالكية التي تعرف بالكردية ديرك وأيضاً رأس العين ومحافظة الرقة باستثناء ناحية معدان، وناحية تل أبيض، إضافة إلى منطقة الطبقة، ما عدا المنصورة، ومنطقة الباب في حلب ما عدا تادف ودير حافر ورسم حرمل الإمام وكويرس شرقي، ومنطقة منبج ما عدا مسكنة والخفسة، ومنطقة كوباني، ومنطقة أعزاز باستثناء تل رفعت ونبل، ومنطقة جرابلس، ومحافظة دير الزور ما عدا مناطق غربي الفرات في التبني وموحسن وخشام، ومنطقة الميادين ما عدا مناطق غرب الفرات في ناحية العشارة، ومنطقة البوكمال ما عدا ناحية مركز البوكمال وناحية الجلاء.
ويتطرق الدبس إلى الرضى التركي، فيقول لـ”963+”:” ينعكس القرار على الاقتصاد المحلي في مناطق سيطرة الفصائل المحسوبة على تركيا، وهذا يصب في مصلحة تركيا”. بحسبه، وصول تلك المناطق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي يحولها إلى ورقة رابحة بيد أنقرة، لتشجيع اللاجئين السوريين في تركيا على العودة إلى ديارهم والاستقرار فيها، ما دامت هذه المناطق تنعم بالاستقرار الأمني، وبدأت بالتعافي من آثار الحرب”.
في هذا الإطار، يقول جولي إن استثناء منطقة شمال شرقي سوريا من العقوبات “موقف إيجابي، لكنه لا ينعكس على الواقع بشكل عام، ولا يغير المعادلة الاقتصادية والتنموية في المنطقة، فثمة معوقات أخرى تمنع التنمية، والاستثناء يأتي من خلال المنظمات الدولية، وجميعها تنسق مع الخارجية الأميركية، ولا أعتقد أن أي تغير قد أصاب المنطقة بهذا القرار”.
كذلك، يسعى القرار الجديد إلى زيادة الضغط على الحكومة السورية، فيمنع مكتب الأصول الأجنبية إرسال التبرعات المالية بشكل مباشر إلى سوريا، بحجة دعم الأنشطة الخيرية ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية، مُحدداً طريقة واحدة لأيّ تبرع مالي للأنشطة الإنسانية، وذلك بتقديمها لمنظمات غير حكومية أميركية وضمان عدم وصولها إلى مناطق مشمولة بالعقوبات.